في الاول من ايار من كل عام يحتفل عمّال العالم بعيدهم، غير أن الكثيرين في لبنان يعملون خلال هذا العيد، الذي يشكّل بالنسبة لهم يومًا عاديًا، فلا إجازة لأن ميزانيتهم لا تسمح بها.


بيروت: الاول من ايار/مايو يحتفل العمال في العالم، ولبنان أيضًا، بعيدهم، وعيد العمال في لبنان فرغ من مضمونه لسنوات، بعدما بات عامًا بعد عام مناسبة لتكرار مطالب عمالية تبقى في الكثير من الأحيان بلا جدوى، وهذا العام لا شيء تغيّر فالمطالب الاجتماعية لا تزال على حالها، أضف الى ذلك كثرة العاملين الذين يقضون هذا اليوم في العمل، وكأنّه يوم عادي. حتى أن هذا اليوم بالتحديد بات كأي يوم آخر، ولا داعي للالتزام بالعطلة.

يقول احمد عقيل ( سائق فان) إنه لن يعطِّل على عيد العمال، وبرأيه في هذا البلد لا قيمة للعامل، لو كان له قيمة كنّا سنعطل جميعنا في عيد العمال، والعمل خلال هذا العيد أهم من التعطيل، الايام كلها متشابهة بالنسبة له، ولا احد يشعر بأي عيد.

يؤكد ماهر عوض ( صاحب ورشة ) أن عيد العمال كأي يوم عادي، ولن يأخذه اجازة، واليوم الذي يذهب من دون عمل يكون على حساب ميزانيتنا و quot;كيسنا quot; الشخصي، ولا احد يعوض علينا هذا اليوم، ومن يشعر بالعمال في لبنان؟ وغالبية الاشغال تفتح في هذا اليوم، يؤكد ماهر، ومن يعطل برأيه فقط الرؤساء والمرتاحون حيث هؤلاء يعطلون كل ايام السنة.
وبرأيه يجب الاهتمام بالعامل اليوم عندما يكبر ويعجز عن الاستمرار في تأمين قوته، من خلال العمل على ضمان الشيخوخة في لبنان، لأننا قدَّمنا الكثير في هذا البلد وعمرنا ذهب ونحن نعمل، ومن حقنا أن نرتاح عندما نكبر تمامًا كما في البلدان المتطورة.

أما زياد خوري ( صاحب فرن) فلا يفكر حتى بأخذ نهار عيد العمال كفرصة له وراحة من العمل. ويضيف:quot; أي تعطيل في أي نهار يؤدي الى خسارتنا ماديًا، لو كنّا مرتاحين لجهة حصولنا على الاموال، لكنّا عطلنا، حتى ايام الاحاد لا نعطل لأن عملنا يفرض علينا ذلك، وبالنسبة له عيد العمال هو يوم عادي كبقية الايام، فمثلاً عيد الأضحى أو الفصح المجيد، قد نعيّد ونخرج ونتنزه، اما هذا العيد فلا معنى له بالفعل.

ايفلين عون ( تعمل في احدى الصيدليات) تقول إنها ستعمل كأي يوم عادي لأن عيد العمال لن يشكل اجازة بالنسبة لها.

منير ضو ( صاحب ملحمة) يتحدث عن وضع البلد، وكيف اذا اشتغلوا يأكلون والا فسيبقون جياعًا، لذلك لن يعطل في عيد العمال.

رغم ذلك عيد العمال يبقى رمزًا لكل من يجاهد ويكافح في هذه الحياة، ولكن هذا العيد في هذا البلد لا قيمة له الا بالنسبة للموظفين لأنهم يعطلون من دون أن يخسروا quot;من جيبهمquot;.

في البدء وقديمًا برأيه كان الانسان يشعر بنفسه محترمًا في هذا البلد، كان هناك من يدافع عنه وعن حقوقه، اما اليوم، تبقى كلها ضمن الشعارات، لا أحد يسأل عن العمال وعن حقوقهم.

تاريخ العمال

تاريخيًا، بنيت الحضارة الإنسانية على يد العمال الذين بذلوا جهودهم الجسدية والفكرية لإعلاء مداميك تلك الحضارة.

ولكن رغم أهمية الدور الذي يلعبونه تعرّض العمال لشتّى انواع القهر والتعذيب والعمل في الظروف القاسية وغير الملائمة، وليس أدلّ على ذلك من نظرة سريعة إلى التاريخ الذي يخبرنا عمّا تعرّض له العمال في أغلب الحضارات القديمة، فكانوا يستعبدون ويستغلون في أعمال قاسية شاقّة دون تأمين مستلزمات راحتهم الحياتية، فكانوا يُجبرون على العمل في المناجم وتعبيد الطرق وبناء القصور والأسوار.. وغيرها.

وقد تنبّه عددٌ من المتابعين في عصر النهضة الصناعية في أوروبا، لما يتعرض له العمال، فرفعوا لواء الدفاع عنهم، وطالبوا بتحسين ظروف العمل، وتأمين متطلبات عيش كريم لهؤلاء العمال، وتمخّض عن تلك التحرّكات والمطالب ظهور عدد من الجمعيات والهيئات والنقابات العمالية.

ففي عام 1869 تأسست في أميركا منظمة quot;فرسان العملquot; كتنظيم نقابي يسعى إلى تحسين الأمور وتخفيض ساعات العمل، ومع تطوّر الحركة النقابية نجحت مجموعة من القيادات النقابية في تكوين هيئة للعمال عام1886، وتبنّت هذه الهيئة الدعوة لاعتبار الأول من أيار/مايو من ذلك العام يومًا للإضراب العام من أجل تخفيض ساعات العمل إلى ثمانٍ في جميع المهن والصناعات، وقد حصلت صدامات بين العمال والشرطة أدّت إلى سقوط عدد من القتلى، وألقي القبض على عدد من قيادات ذلك التحرّك وحوكموا، وأعدم أربعة منهم.

ومنذ ذلك اليوم اتّسع الاهتمام باليوم الأول من أيار/مايو الذي صار ذكرى تستعاد كل عام، وما لبثت أن أُعتبرت يومًا عالميًا للعمال، يُحتفل به في كل أنحاء العالم بهدف لفت الأنظار إلى دور العمال ومعاناتهم، والعمل على تأمين متطلبات عيش كريم لهم.