لايزال الجدل الدائر في الأوساط البريطانية محتدآ بشأن موضوع النقاب.. وبرغم تأكيد العديد منهم على أن الإعتراض ليس بشأن غطاء الشعر أي ما يعرف بالحجاب.. وهو مماثل لما ترتديه الراهبات.. أو بعض النساء من الأديان الأخرى.. فالحجاب أو الملبس المحتشم لا يقتصر فقط على المسلمات.. ولكن الإعتراض في هذه الأوساط هو بشأن غطاء الوجه.. أي النقاب.. بحيث لا يظهر من الشخص المنقب سوى العينيين. وهو ما يستحيل معه التأكد من شخصية الفرد المحجب. هل هو رجل.. مرتديا نقاب إمراة..

هناك سببان لهذا الجدل والذي ينبع من الخوف.. الأول هو إنعزال الجالية المسلمه عن المجتمع البريطاني ورفضها الإندماج فيه والآخر هو الخوف من موجة التطرف الإسلامي التي تمثلت في أذهان الغربيين جميعا بتفجيرات نيويورك ومدريد وبالي وقطار الأنفاق في لندن..
كلا السببيين حقيقي وأثبته الواقع..
quot; ولكن اللا معقول واللا حقيقي هو أن يستعمل بعض الكتاب العرب المقيمين في بريطانيا هذا النقاش للإدعاء بأن هذا الجدل ليس إلا بداية لفتح صراع بين المسلمين أنفسهم ثم بين المسلمين والحكومه البريطانيه .. بدأت به الأوساط الغربيه مستعملة الطرف الأضعف في الصراع. في موضوع يختلف فيه المسلمون أنفسهم... وفي حقيقته مؤامرة ضد وجود المسلمين في هذه الدول... وضد الصحوة الدينيه الإسلاميه في العالم الإسلامي.. قد يتطور بتطور الجدل والصراع إلى مواجهة شامله مع الجاليه المسلمه مبتدئا بإستصدار قوانين تمنع النقاب في الأماكن العامه وغيرها.quot;

سيدي القارىء.. سيدتي القارئة..

كاذب من يدعي بأن الخوف في بريطانيا من تواجد وتزايد أعداد المسلمين غير موجود. حتى من قبل 7-7... وكاذب أيضا من يدعي نفاذ صبر البريطانيين وتناقص قدرتهم على تحمل تواجد العديد من الغرباء والمهاجرين إلى بلادهم.. وبالتالي كاذب من يروّج لنظرية المؤامرة تلك التي لا توجد إلا في عقول البعض منا.. كاذب من يدّعي بأن هناك حملة مبرمجة على هوية المسلمين وحضارتهم وثقافتهم.. البريطانيون والغربيون عموما في تعطش كبير لمعرفة مبادىء الدين الإسلامي.. والدليل هو الإقبال الكبير على الدراسات الشرق أوسطية في الجامعات.. محاولة التواصل مع هذه الجاليات مستمرة من قبل الأفراد والحكومات.. نتيجة الإستفتاءات العديدة التي أجريت.. والتي كان أحدها في القناة الرابعة ل بي بي سي في سؤالها المباشر.. هل هناك تهديد على حرية التعبير في بريطانيا من تواجد المسلمين.. جاءت النتيجة ب48% نعم.. 52% قالت لا..وأنا واثقة بأن مثل هذه الإستفتاءات لو أجريت على أعداد أكبر لجاءت النتيجه أكبر.. العقلية والقوانين البريطانية تأسست على مبادىء الحرية.. مبادىء التعاطف والتسامح مع الآخر... قبوله بشكله ولونه ودينه مهما كان طالما انه لا يتعرض لأمن البلد.. كثرة التصعيد وعدم القدرة على تحمل الإنتقادات تبدو جلية واضحة من الإنفعال ورد الفعل الذي يصل حد الهستيريا من طرف من يطرحون أنفسهم ممثلين للجاليه المسلمه.. واعتبار هذا الحوار تدخل في شئون المسلمين.. مقدمين الذريعه لإستثارة التوجهات اليمينية المتطرفة لتطالب بالتخلص من هذه الأقليات التي تهدد حرية مجتمعاتها التي تخلصت من الكثير من الموروثات ووصاية الكنائس في سبيل تطورها الحضاري.. مجتمعات إعتادت على طرح كل قضاياها علنيا وبدون خوف للنقاش والجدل.. وبالتالي حلة الهستيريا التي يقدمها المسلمون في كل حادثه تزيد المخاوف من تواجدهم..
يدّعي بعض الكتّاب بأن سبب الخوف هو الغيرة من الصحوة الإسلاميه. وأنا أتوجه بسؤالي إلى مثل هؤلاء..
أين هي هذه الصحوة.. لماذا جاءت هذه الصحوة لتضع آثارها فقط في تجليب المرأة وتحجيمها وإعادتها إلى حظيرة تسلط الرجل..
لماذا جاءت هذه الصحوة لتتمثل في إزدياد ظاهرة العنف في المجتمعات الإسلاميه والتي تتبلور في إزدياد ظاهرة العنف الأسري..
لماذا تجلت هذه الصحوة في إزدياد عدد المدارس الدينيه التي تركّز على حفظ القرآن بدون التمعن بمعاني الدين نفسه..
لماذا ألغت من قلوبنا معاني الدين الإنسانيه من تسامح. وقبول الآخر والتواصل مع الأضعف والأقل..
لماذا موّلت بعض الدول هذه المدارس في الغرب.. تمويلا أعمى.. لينتج جيلا من مسلمين غير قادرين على التعامل مع أوطانهم الغربية وبالتالي يمثّلوا خطرا على أنفسهم وعلينا نحن من الأصول العربية في ذات الوقت الذي بإستطاعتنا أن نكون جسر السلام بين الشرق والغرب فقط بتبني شيء من ثقافة هذا الغرب الإيجابيه والتي تستند على ثقافة الحوار والتعايش...
لماذا نرفض حتى الحوار بين أنفسنا لإستنباط قوانين مناسبة لهذا التعايش تنطلق من روح الدين وحاجتنا إلى التعايش.. وقبول القليل من قوانين الوطن الجديد لمصلحة تطورنا نحن..
لماذا نتناسى حقوق هذا الوطن الجديد.. والتي لم تجحف بحقوقنا وكفلت لنا المساواة والعدالة في هذه المجتمعات.. وضمنت لنا طريقا لا يتنافى مع الدين للتطور الثقافي والحضاري.. لمستقبل أفضل لأبنائنا.. وفتحت لهم مجالا واسعا من الحرية والقدره على مناقشة أعقد القضايا بحرية وموضوعيه وبدون تهديد كما هو معمول به في بعض دولنا الإسلاميه...

لماذا ننكر على الغرب حقه في الحوار لحماية نفسه وحماية أبنائنا من مستقبل تلعب فيه الحركات الإسلاميه المتطرفه دورا لا يمت إلى الدين بصله.. دور الجلاد لكل من يناقضها..
لماذا ندّعي بأن مصطلح حوار الحضارات لم يتقدم قيد أنملة في المجتمعات الغربيه في ذات الوقت الذي نعلم فيه بأن هذا المصطلح غير معمول به إطلاقا في الدول الإسلامية بل كفّره العديد من علماء الدين تحت مقولة تكفير كل من يدخل في حوار مع غير المسلمين لأنه لا يوجد دين غير الإسلام.. في ذات الوقت الذي نرى فيه العديد من الكتاب الغربييين الذين يدافعوا عن حقوق الأقليات كلها خوفا من تقلص مبادىء الحريات التي آمنوا بها.. وخوفا على مبادىء الديمقراطيه بينما ندعو كل من يدافع عن هذا الغرب بالعميل والخائن..
كنت أتمنى أن أجد أمثله صالحه متطورة للصحوة الدينية.. أمثله تؤكد تطورنا الاقتصادي.. والسياسي.. والإنساني للترابط مع هذا العالم الجديد.. ولكني أجدها في تقارير التنمية. وتقارير الأمم المتحدة.. وكثرة عدد المهاجرين من الدول الإسلاميه للغرب...
نعم النقاب ما هو إلا آخر الخطوات في طريق إخضاع المرأه بالكامل .. وهناك خطورة أمنيه من إرتداء النقاب.. وخلعه ليس له علاقه بالتدخل في حرية المراه الشخصيه بقدر ماهو ضرورة للأمان لنا وللمجتمع الذي نعيش فيه.. والتصدي له من قبل الحكومه البريطانيه لا شأن له بالمواجهه السياسيه مع المشروع السياسي الإسلامي الذي كبّل المرأه وإستخدمها لإعادة عقارب الزمن إلى الوراء.. تجربة أفغانستان هي الدليل الأكبر على أن هذا المشروع ليس له من رؤية إقتصاديه تنهض بتنمية شامله لتضمن لقمة عيش كريمه للإنسان.... أي هوية ليس لها معنى بدون أن ترتبط بالحقوق الإنسانيه وعلى رأسها حق الفرد في الحياة الكريمه. الجوع كافر وتستطيع معه شراء العديد من الذمم..وبالتالي تنعدم معه أي رؤيه سياسيه أو إقتصاديه تضمن التطور لبناء مجتمع ديمقراطي.. لأن مع الجوع تنتفي العداله.. ومع الجوع يضعف القانون ومع الجوع تنتفي الحريه.....

هذا هو ردي على أحد القرّاء الذي سألني..
لماذا عند حدوث شىء باوروبا تكتبين سريعا !ويوميا حقوق الفرد الفلسطينى تنتهك من قبل الصهاينة الم تسمعى كم قتلوا فى يوم واحد؟ ام انها ازدواجية؟
ردي كما تقرأوه.. بدون أية إزدواجية... أوروبا هي وطني الجديد الذي أحترمه وأخاف عليه لأنه إحترم كرامتي الإنسانيه.. وهو مستقبل أولادي. وسأدافع عن الحقوق الفلسطينية بنفس الطريقة التي أدافع بها عن كل الحقوق البشريه.. وسأكتب عن هذه الحقوق ليس فقط بقلمي.. ولكن بضميري لقناعتي بأن هذا هو الطريق للعولمة الجديده.. وهي عولمة الحقوق الإنسانية. والحرية.. وحقوق المرأه بالتحديد لأننها الأمل والمستقبل..

أحلام أكرم ndash; باحثه وناشطه في حقوق الإنسان ndash; لندن