لم يكن ممكنا فتح ملف السلاح الفلسطيني قبل انسحاب الجيش السوري من لبنان، لذلك كان هناك اتفاق بين الزعماء اللبنانيين في اجتماع للحوار الوطني يوم الثلاثاء الرابع عشر من مارس الماضي على ضرورة نزع السلاح الفلسطيني خارج المخيمات الفلسطينية خلال ستة شهور أي قبل الخامس عشر من سبتمبر القادم. ومن المعروف أن السلاح الفلسطيني حاليا في لبنان يمكن تصنيفه إلى نوعين: الأول هو السلاح الموجود داخل المخيمات في الجنوب اللبناني خاصة عين الحلوة والرشيدية وهما يخضعان بشكل شبه كامل لحركة فتح مع بعض الجيوب الصغيرة لقوى إسلامية حديثة و دائمة الصراع مع الحركة. والثاني هو السلاح الموجود في مخيمات نهر البارد والبداوي في الشمال اللبناني وفي القواعد العسكرية خارج المخيمات في تلال الناعمة المشرفة على الجنوب والعاصمة اللبنانية ، وفي منطقة قوسايا في البقاع قريبا من الحدود السورية، وهي تابعة لجماعة أحمد جبريل الموالية تماما للمخابرات السورية دون أية أجندة أو نشاط فلسطيني لهذه الجماعة سواء في سورية أو في داخل مناطق السلطة الفلسطينية، حيث لا وجود لهذه الجماعة سواء بيانات خطابية من حين إلى آخر.

والسؤال المركزي لبنانيا و فلسطينيا: هل هناك مهمة خاصة بالنضال ضد الاحتلال الإسرائيلي لهذا السلاح الفلسطيني في لبنان؟؟. عقب الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب اللبناني في مايو من عام 2000 ، لم يعد هناك أية حقائق على الأرض تدعم ادعاء أن هذا السلاح هو لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي لا الآن ولا قبل الانسحاب الإسرائيلي، لأن المعروف والمؤكد أن من كان يتصدى للاحتلال الإسرائيلي هو سلاح حزب الله فقط ، وجماعة أحمد جبريل هذه لم يكن لها يوما ما أي وجود في الجنوب اللبناني بما فيه المخيمات الفلسطينية التي كانت منذ قدوم المقاومة الفلسطينية إلى لبنان عام 1968 تحت سيطرة حركة فتح بشكل أساسي، وجماعة أحمد جبريل والمنشقين عن فتح يعرفون ذلك بدليل أنهم عندما أشعلوا حرب المخيمات في بيروت عام 1988، وحققوا انتصاراتهم المجيدة على أبناء شعبهم موقعين مئات القتلى والجرحى، قاموا بتجميع المدنيين والمسلحين المحسوبين على حركة فتح،وتم إرسالهم في عشرات الشاحنات إلى مخيمات الجنوب اللبناني ، في حين أنه لا يوجد أي سلاح لحركة فتح في الشمال اللبناني منذ حصار ياسر عرفات ومناصريه في طرابلس في خريف عام 1983 من قبل الجيش السوري وجماعة أحمد جبريل، ودارت معارك طاحنة لم يسلم منها عرفات إلا بتدخل دولي وخروجه في حماية البوارج الفرنسية. والغريب في هذا الأمر أن الذاكرة الفلسطينية لا تتعاطى مع جرائم أحمد جبريل والمنشقين بحق الشعب الفلسطيني بما تستحق هذه الجرائم التي فعلا وكما عشناها في سورية ولبنان لا تقل وحشية عن مذابح الاحتلال الإسرائيلي، فلماذا الدم الفلسطيني أصبح حلالا على سلاح المجرمين الفلسطينيين؟ وليت هناك من يقوم بتوثيق المعلومات الخاصة بحربي المخيمات عامي 1986 و1988 ليعرف الشعب الفلسطيني كم ارتكب أحمد جبريل وجماعته ومعاونيهم من المنشقين عن فتح من الجرائم بحق الدم الفلسطيني.

وما يفحم ويثبت أن هذه الجماعة كانت وما زالت أداة في يد المخابرات السورية منذ أن كان أحمد جبريل ضابطا في الجيش السوري، هو أن هذه الجماعة وكافة المنظمات الفلسطينية لم تطلق رصاصة على الاحتلال الإسرائيلي منذ عام 1967 من الحدود السورية، ولا توجد لها قواعد عسكرية داخل الأراضي السورية، فتعليمات الضابطة الفدائية فرع المخابرات السورية المسؤولة عن المنظمات الفلسطينية: لا لوجود السلاح الفلسطيني في داخل سورية ولا لإطلاق الرصاص ضد إسرائيل من داخل الأراضي السورية، لذلك من المفضوح أن تقوم هذه الجماعة في الأسابيع الأخيرة بتعزيز قواعدها بالسلاح القادم من سورية ، وافتعال مواجهات مع قوى الأمن اللبناني في محيط قواعدها، وكما تساءل الزعيم اللبناني وليد جنبلاط رئيس اللقاء الديمقراطي: هل قوات أحمد جبريل في تلال الناعمة من أجل تحرير مزارع شبعا؟. ونحن نتساءل ضمن نفس السياق: أم أنها لتحرير فلسطين؟. وضمن أجواء الاحتقان هذه قام أحمد جبريل في الاسبوع الأول من أبريل الماضي بزيارة إلى لبنان، بدا فيها كما تساءلت أوساط لبنانية وكأنه مبعوث سوري وليس فلسطيني، بدليل أن الاشتباكات مع قوى الأمن اللبناني وتعزيز مواقعه بسلاح جديد، جاءت بعد هذه الزيارة، لذلك من الواضح أن هذه الجماعة وسلاحها وقواعدها لا علاقة لها بأية عمليات مواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي، وهي مجرد أداة ضغط وتخويف سورية في مواجهة القوى اللبنانية الرافضة لسياسات النظام السوري في لبنان. إن هذا السلاح المنسوب إلى فلسطين لا علاقة له بفلسطين ونضال شعبها ضد الاحتلال الإسرائيلي، بدليل أن حركة حماس أكبر القوى الفلسطينية المتصدية للاحتلال عسكريا لا توجد لها قواعد عسكرية في لبنان، لذلك يجب نزعه كي لا يبقى ورقة تسميم وتوتير للعلاقات اللبنانية الفلسطينية، ومن الأفضل أن يسحب أحمد جبريل قواعده ورجاله وسلاحه قبل المدة التي حددتها قوى الحوار اللبناني في سبتمبر القادم، ولكن هذا لن يحدث لأن القرار بيد المخابرات السورية وطالما هذا السلاح يخدم تخويفها للقوى الوطنية اللبنانية فلن تأمر أحمد جبريل بسحبه الآن.

إن قوى الحوار الوطني اللبناني كانت واعية لخطورة دور هذا السلاح ، عندما حددت السلاح الفلسطيني خارج المخيمات، لأنها تدرك أن السلاح الفلسطيني في مخيمات الجنوب مرهون وجوده ببسط سيادة الدولة والجيش اللبناني على كافة أرجاء لبنان، لضمان أمن المخيمات وعدم تكرار الهجوم عليها سواء من الإسرائيليين أو من قوى لبنانية سبق أن شنت حروبا شرسة ضد المخيمات وسكانها. ونقولها صريحة: إذا أثبت لنا أحمد جبريل وجماعته أنهم أطلقوا يوما ما رصاصة واحدة ضد الاحتلال الإسرائيلي من قواعدهم في الناعمة والبقاع، سنكون أول من يدافع عن وجود هذا السلاح، وكذلك هل كان أحمد جبريل وجماعته يستقوون على لبنان واللبنانيين لولا دعم وأوامر المخابرات السورية، و إلا لماذا لا يجرؤ على إطلاق رصاصة على إسرائيل من الحدود السورية، وهو المقيم في دمشق منذ ما يزيد على نصف قرن وكان ضابطا في جيشها، أم أن تحرير فلسطين من الناعمة اللبنانية أسهل من دمشق السورية؟؟. وضمن نفس السياق من المهم صدور رأي في موضوع السلاح خارج المخيمات من قبل الحكومة والسلطة الفلسطينية، كي يعرف الشعب اللبناني أن من يستخدم هذا السلاح لتوتير العلاقات اللبنانية الفلسطينية هي فقط هذه الجماعة المحسوبة على المخابرات السورية، خاصة أن مسؤولي حركة فتح في الجنوب ، أعلنوا مرارا أن لا علاقة لهم بالسلاح المحسوب على الفلسطينيين خارج المخيمات، وأن السلاح داخل مخيمات الجنوب مرهون ببسط سيادة الدولة اللبنانية وضمان أمن المخيمات. ومن الملاحظ وما يدعم ضرورة نزع سلاح هذه الجماعة في الناعمة والبقاع اللبناني ، هو أن حزب الله نفسه الذي تصدى طويلا للاحتلال الإسرائيلي في الجنوب، منذ عام 2000 لا يستعمل سلاحه إلا للرد على الخروقات الإسرائيلية، ويعلن مرارا أن تمسكه بسلاحه كقوة لبنانية مرهون بتحرير مزارع شبعا...نستطيع فهم موقف حزب الله هذا، ولكن سلاح جماعة أحمد جبريل ومن خلال ممارساتهم لا يمكن فهمة إلا أنه أداة بيد المخابرات السورية، فلا دخل له بأي وجه من أوجه النضال الفلسطيني ضد الاحتلال الإسرائيلي...لذلك يجب نزعه!.
[email protected]