اتخذت نقابة المحامين الأردنية خلال الأيام القليلة الماضية قرارا مهما للغاية، تمثل في رفضها الدفاع عن الإرهابية العراقية ساجدة الريشاوي التي شاركت في تنفيذ العمليات الإرهابية البشعة التي استهدفت فنادق عمان في التاسع من نوفمبر لعام 2005، وجاء رفض النقابة في ردها على طلب محكمة أمن الدولة الأردنية التي طلبت منها تكليف محام من النقابة للدفاع عن الإرهابية، ومن العرف القضائي أن الشخص المدان بأية جريمة حتى لو كانت إرهابا، فمن حقه وجود محام يدافع عنه في المحكمة أثناء محاكمته، وأعلنت نقابة المحامين الأردنية(أنها ستصدر بيانا توضيحيا حول ردها على طلب المحكمة بتكليف محام للدفاع عن ساجدة). ومن العرف القضائي أيضا أنه في حالة استمرار رفض النقابة تعيين المحامي فإن المحكمة تقوم بتعيين محام يتولى المهمة، وفي حالة هذه الإرهابية ربما يطلب المحامي المعين من المحكمة موافقة النقابة، كما أعلن المحامي محمد سلامة الدويك المتخصص في المرافعة في قضايا محكمة أمن الدولة.

إن رفض نقابة المحامين الأردنيين المبدئي يكتسب أهمية معنوية ومعرفية مهمة للغاية،لأنه خطوة مهمة من شأنها توجيه رسالة للإرهابيين ومن يدعمهم ويروج لهم، مفادها أنه رغم حقهم القانوني في وجود محام لهم، إلا أنه لا يشرف النقابة أن تعين هي هذا المحامي ليدافع عن مجرمة إرهابية شاركت في قتل وجرح العشرات من الأردنيين وهم في حفل زفاف إنساني، فأدخلت ومن معها من الإرهابيين الحزن في قلوب المشاركين بدلا من الفرح المفترض،وحولوا بيت الفرح إلى بيت عزاء، وكان من ضمن القتلى الأبرياء والد العروس والمخرج العربي العالمي مصطفى العقاد. وتأتي أهمية الخطوة هذه من نقابة المحامين الأردنيين لتصحح الصورة الخاطئة المضللة التي ارتبطت بالنقابة من خلال تطوع العديد من أعضائها للدفاع عن الديكتاتور صدام حسين، ومحاولة البعض الإساءة للأردن من خلال هذا التطوع، وهو القطر الذي كان ومازال داعما قويا لخيارات الشعب العراقي ومدينا لكافة أوجه الإرهاب التي يتعرض لها على مدى الأعوام الثلاثة الماضية.

ومما لاشك فيه أنّ مما يشجع الإرهاب والإرهابيين عاملان:

أولا: استمرار بعض الكتاب والصحفيين العرب في الترويج لهذه العمليات الإرهابية وتسميتها مقاومة وطنية، دون تفسير أية مقاومة وطنية هذه التي ما يزيد على خمسة وتسعين في المائة من ضحاياها في العراق من المدنيين العراقيين، وتسمية إرهابي مثل ابن لادن ب(الشيخ)، وهو الذي لم يكمل تحصيله العلمي الثانوي، ولم يدخل جامعة أو معهدا دينيا، وكل مؤهلاته اللحية الطويلة والدشداشة القصيرة، وهذه شهادة من عرفوه مباشرة، فقد قالت زوجة الشيخ عبد الله عزام في مقابلة مع جريدة الشرق الأوسط يوم الجمعة الثامن والعشرين من أبريل لعام 2006،(ابن لادن لم يكن شيخا أو فقيها بل كان تلميذا لعزام. إن ثقافته محدودة ومن السهل التأثير عليه، وكان يقتنع بالأمور التي تعرضها عليه جماعة الجهاد المصرية). وتدور شكوك حول أن ابن لادن هو من قتل أستاذه الشيخ عبد الله عزام في الرابع والعشرين من نوفمبر لعام 1989، ويؤيد هذه الشكوك ما قالته زوجته عن الخلافات بين الشيخ و ابن لادن: (ابن لادن كان يفضل معسكرات خاصة للمقاتلين العرب، فيما الشيخ عبد الله عزام كان يري من الواجب اختلاط العرب بالأفغان في معسكرات مختلطة ويكونوا نسيجا واحدا، لأن العرب جاءوا في الأساس لنصرة المجاهدين الأفغان، وكان عزام يرى أنه من غير اللائق أن يتأمر العرب على الأفغان في بلادهم، أما ابن لادن فكان يرى تدليل المجاهدين العرب، حتى طعامهم كان مختلفا عن طعام المجاهدين الأفغان). تخيلوا إسلام و جهاد ابن لادن، فلديه مجاهدون عرب(درجة أولى) في معسكرات خاصة وطعامخاص، ومجاهدون أفغان(درجة ثانية)، لهم معسكرات وطعام ما تيسر أو من بقايا طعام مجاهدي الدرجة الأولى.

ومما يكشف زيف هؤلاء حملة ألقاب (الشيوخ و المناضلين)، قيام واحد منهم هو المجرم أيمن الظواهري بقتل القائد الأفغاني احمد شاه مسعود، رغم أن الشيخ عبد الله عزام ألف عنه كتابا وقال عنه: (إنه أمل الأمة الإسلامية ليس في أفغانستان وحدها بل في العالم)، وقالت عنه زوجة الشيخ عبد الله عزام: (رجلا مسلما مجاهدا)، وقد أكدّ ذلك أيضا حذيفة ابن الشيخ عبد الله عزام في لقائه مع قناة العربية يوم السادس والعشرين من تموز لعام 2005، إذ قال: (قتلوه...نعم قتلوه واعترفوا بذلك، هم الذين قتلوه. لم تقتل مجاهدا؟ لم تقتل مسلما؟ لأنه خالفك في الفكر،لأنه خالفك في النهج). لذلك مما يردع الإرهاب والإرهابيين الكف عن التنظير لإرهابهم، واعتبار أن ما يحدث في العراق لا يختلف عما حدث في فنادق العاصمة الأردنية عمان، وما يحدث في طابا و شرم الشيخ و منتجع ذهب وكل مكان في العالم .

ثانيا: ضرورة تصدي شيوخ و فقهاء الدين الإسلامي الحقيقيين المتنورين لتفنيد ضلال هؤلاء الإرهابيين و منظريهم وإساءتهم البالغة للدين الإسلامي، فالسكوت على أفعالهم الإجرامية من قبل هؤلاء الشيوخ من شأنه أن يحدث اللبس في مواقف الملايين من المسلمين بالوراثة الذين لا يعرفون من أمر دينهم سوى الفروض الأساسية، خاصة في ظل نسبة لا تقل عن ستين بالمائة من الأميين في أقطار الوطن العربي. وخطورة هذا السكوت من شأنها أن تضفي مصداقية لدى هؤلاء المسلمين على أفعال أولئك الإرهابيين وتنظيراتهم، فمثلا لم نسمع شيخا أو فقيها أدان إعلان المجرم الزرقاوي بقتل الشيعة في العراق. ولم نسمع شيخا أو فقيها أدان بيان بعض هؤلاء القتلة المجرمين قبل أسابيع قليلة بتهديد ما يزيد على خمسين كاتبا ومفكرا وشيخا عربيا بالقتل. وتصوروا أن من بين هؤلاء المهددين بالقتل الشيخ الأزهري الدكتور أحمد صبحي منصور، هذا الشيخ المتنور العقلاني الذي دفاعه عن الإسلام الحقيقي أفضل نوع من أنواع الجهاد، وأشرف من الجهاد المزيف لهؤلاء القتلة الذين ينظّرون لقتل المسلمين الأبرياء.

من يتخيل هذا الوضع الراهن الذي تعيشه الأمة الإسلامية خاصة في الأقطار العربية، إذ أصبحت القيادة الفعلية المؤثرة للثلاثي المجرم: ابن لادن، الظواهري، والزرقاوي. وهذا الثلاثي يخطط للعالم الإسلامي أجمع وفي كافة الساحات، فالزرقاوي يدعو لقتل الشيعة،وابن لادن يريد نقل ارهابه لدارفور، والظواهري ينتقد حركة حماس لمشاركتها في الانتخابات وتشكيلها الحكومة الفلسطينية، ويطالب الشعب الباكستاني بعدم سماع تعليمات حكومة برويز مشرف....والحبل على الجرار، وما ذلك إلا بسبب سكوت العلماء والشيوخ الحقيقيين على دعوات هؤلاء المجرمين الإرهابيين. من هذه الخلفية تأتي أهمية رفض نقابة المحامين الأردنيين تكليف محام للدفاع عن المجرمة ساجدة الريشاوي، وهي خطوة على الطريق الصحيح.
[email protected]