لسنوات طويلة كنت معجبا بنهج حزب الله اللبناني في المقاومة وقدرته على الصمود في الجنوب أمام جيش الاحتلال الإسرائيلي من جهة وجيش العملاء والمتعاونين من جهة أخرى فضلا عن استنكاف مسؤولي الحزب عن محاولة الاستفادة من مواقفه البطولية وشعبيته المتزايدة في الحصول على منافع شخصية مثل حال السياسيين في كل دول العالم وبالأخص في عالمنا العربي.
وحين وقعت الأحداث الأخيرة كنت مع من وقعوا في حيرة من أمرهم بين التعاطف مع أخوة لنا عرب بينهم مسلمين ومسيحيين يتعرضون لمحنة على يد عدو إسرائيلي يملك القوة العسكرية والغطاء السياسي الدولي المتمثل في الأصدقاء القابعين خلف مكاتبهم الفخمة في واشنطن فضلا مقابل العجز العربي المعتاد في مواجهة أي اعتداء على أي دولة عضو في الجامعة العربية ويفترض أن تستفيد من معاهدة الدفاع العربي المشترك ضد الاعتداءات الخارجية وبين الاندهاش من إقدام حزب الله ومسؤوليه الذين لا يشك احد في ذكائهم السياسي ولا في وعيهم بموازين القوى الإقليمية على اسر جنديين إسرائيليين حتى تطلق إسرائيل أسرى الحزب الموجودين في سجونها منذ زمن بعيد.
ثم جاءت الطامة الكبرى بالنسبة لي على الأقل في تصريحات السيد حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله وهو رجل يملك كاريزما الزعامة بشكل تلقائي ويحسب له انحيازه المستمر لمنهج وحياة الصمود على حياة الترف السياسي التي يعيشها غيره في لبنان وغير لبنان، لكن عندما يقول نصر الله انه لم يخبر الحكومة اللبنانية بموعد أو تفاصيل اختطاف الجنديين الإسرائيليين لأنه لم يكن اقرب الأصدقاء يعرفون ذلك بمن فيهم إيران وسوريا وذلك حفاظا على السرية فذلك ما لا يمكن أن يقبله عقلي على الأقل إذ أن عدم إخبار إيران وسوريا مسالة ترجع إلى تقدير مسؤولي الحزب والسيد نصر الله نفسه كما انه يمكن أن يخفي هكذا خبر عن زوجته وأولاده وربما بعضا من مساعديه المقربين أيضا دون أن يستطيع أي منهم لومه بداعي الحفاظ على السرية لكن أن يخفي تفاصيل الأمر عن مسؤولي الحكومة فذلك ما لا يمكن هضمه أو استيعابه لان هؤلاء ببساطة هم مسؤولو البلد الذي يضرب الآن وتستباح أراضيه وحرماته بسبب ما فعله حزب الله أو ما قدمه إلى إسرائيل ليكون ذريعة لعدوانها الوحشي على لبنان، واشك شخصيا في أن السيد نصر الله لو كان عرض الأمر على مسؤولي حكومة بلاده لقبلوا به أو وافقوه كما أن مبدأ المبادرة الشخصية في مسائل تندرج تحت بند الأمن العام مرفوض تماما وإلا لكان يمكن لأي حزب سياسي في أي دولة عربية أن يرسل قواته إلى أي دولة أخرى لاسترداد حقا له سلب منه أو لتحقيق غاية ما دون علم الدولة التي ينتمي لها الحزب.
ومع تسليمي الكامل باختلاف الحالة اللبنانية عن باقي دول العالم بحكم طبيعة التقسيم والثقافة الطائفيين السائدين هناك إلا أن فعل مثل الذي أقدم عليه حزب الله لا يمكن الموافقة عليه تحت أي اعتبار طائفي لان العواقب لم تقتصر عليه ولا الأراضي التي يقطن فيها الشيعة فقط وإنما طالت كل لبنان بشيعته وسنييه ومسيحييه وهي عواقب كان يمكن تجاوزها إذا ما عرض الحزب نيته على مسؤولي لبنان واستمع لما قد يطرحونه من ملاحظات وحتى إذا وافقوا على خطة حزب الله مسيرين أو مخيرين فربما كان يمكن تنسيق المواقف الدبلوماسية العربية والدولية لاستيعاب التعاطف الدولي الواسع مع إسرائيل على الأقل في الأيام الأولى للعدوان، أو ترتيب الأمور الداخلية في لبنان لتقليل الخسائر الفادحة التي يتكبدها بلد لا يزال يدفع فاتورة الحرب الأهلية الطويلة التي تربت على نارها أجيال عديدة.
ثم إذا سلمنا أن أسرى حزب الله موجودين في سجون إسرائيل منذ سنوات طويلة فانه من الطبيعي أن نطالب مسؤولي الحزب وعلى رأسهم السيد نصر الله باستعمال ذكائهم المعروف ودقة حسابهم للظروف الدولية ليختاروا وقتا آخر غير الآن الذي يشهد خلافا شيعيا سنيا مكتوما على خلفية ما يحدث في العراق ثم امتلاك إيران الشيعية أسلحة نووية دون كل دول السنة وما يثيره هذا من جدل، فهل اخطأ الأمين العام في حساباته هذه المرة أم انه انساق إلى شرك وضع بعناية وخبث لإثارة الفتنة في المنطقة كلها بين السنة والشيعة ومن ثم إتاحة الفرصة للانقضاض الاميركي على إيران دون اعتراضات إقليمية وفي الطريق تصفية حزب الله لإراحة تل أبيب من صداع المقاومة المستمر عند حدودها الشمالية ؟! هذا ما ستجيب عنه الأيام القادمة.
- آخر تحديث :
التعليقات