من مفكرة سفير عربي في اليابان
ولد جبل جليدي جديد في القطب الشمالي، وكان مليئا بالفضول، ويحب الاستماع إلى أحاديث أصدقائه ومغامراتهم على الكرة الأرضية، وقد أحتفل للتو الأصدقاء بعيد ميلاده وأطلقوا عليه أسم لولي. ولم يطل الوقت بالاستمتاع بعيد الميلاد، حتى سمعوا الخبر الأليم بتحطم أعلى برج جليدي، البرج الجنوبي. وأزداد القلق، حينما بدأت الجبال الجليدية البعيدة تذوب الواحدة تلو الأخرى. قلق جلالة الملك، وأصدقاء القطب الشمالي، وشعر لولي بقلقهم، وقرر السفر إلى القطب الجنوبي لاكتشاف سبب ما حدث.
قلق حيوانات القطب من قرار لولي المفاجئ. فقرر الثعلب القطبي محيط، مع صديقه الدب القطبي أبيض، بالسفر مع لولي. وقدم جلالة ملك القطب الشمالي للولي حزام الشجاعة، كما قدمت جلالة الملكة هرورا له وشاح الحكمة،وهنئ الأصدقاء لولي وأكدوا بحاجته لمعنى هاتين الجائزتين. وقام نجارو السفن الملكية ببناء سفينة جليدية قوية بكل ما لديهم من مهارة. وأكدوا للولي بأن براعة صناعة السفينة ستوصلها للقطب الجنوبي بسلام.
بدأ لولي مع أصدقائه رحلتهم المثيرة، وساعدهم الكثير من الحيوانات في محاولة الوصول للقطب الجنوبي. وكانت الرحلة صعبة جدا لذوبان الثلوج، وارتفاع درجة الحرارة، وازدياد الأمواج، وشدة الطوفان. واستمرت درجة حرارة أشعة الشمس ترتفع وسفينة الجليد تذوب رويدا رويدا ولولي وأصدقائه ينهارون من التعب. وحينما وصلوا للمحيط الكبير، لاحظوا فجاءه فتاة صغيرة تسقط في المحيط من القارب القريب. فاندهش لولي وأصدقائه وصرخ الجميع quot;يجب أن نساعدها.quot; وكانت معضلة البقاء في المحيط لإنقاذ الفتاة ستؤذي لذوبان سفينتهم الجليدية وغرقهم جميعا. وحاول الثعلب محيط والدب أبيض إيقاف لولي ولكنه أصر النزول في المحيط لانقاد الفتاة.
قصة بسيطة ولكن بها معاني كثيرة، الواجب، المواطنة الصالحة، ألصداقه، الوفاء، التضحية، الشجاعة، الحكمة، التناغم بين الشعب والحاكم، مواجهة المعضلات، وكيفية حلها. هذه مقدمة لمسرحية قدمها طلبة الفنون لجامعة أوساكا على مسرح مدينة طوكيو، وكتبت القصة صاحبة السمو الإمبراطوري الأميرة هيساكو تاكامادو، وحضرها عدد كبير من أطفال وطلاب طوكيو مع الأميرة. تحاول القصة وبشكل فني جميل، ومن خلال التمثيل والألوان والغناء، طرح مشكلة الاحتباس الحراري بحوار بين الجبال الجليدية.
في اليوم التالي الموافق الثالث من فبراير 2007، كتبت جريدة اليابان تايمز مقالا تعلن بأن لجنة خبراء الأمم المتحدة لشؤون الطقس، أكدت بأن حرارة الأرض قد ترتفع ست درجات مئوية خلال هذا القرن... وتوقعت اللجنة بزيادة الأمطار الشديدة، وذوبان الجبال الجليدية، مع زيادة الجفاف وارتفاع منسوب مياه البحار. وقد يستمر ذلك لقرون طويلة، حتى لو حاولنا منع زيادة نسبة ارتفاع الغازات المؤدية لذلك.
في يوم السادس عشر من فبراير2007، عقد في مدينة كيوتو اليابانية، مؤتمر عالمي لمحافظي خمسمائة مدينة كبيرة عالمية تعمل معا لخفض نسبة الاحتباس الحراري. وقد سجلت مدينة كيوتو جهدا بارزا في منع زيادة نسبة غاز ثاني أكسيد الكربون منذ عام 1990. وتبدل مدينة ملبورن في أستراليا ومدن عديدة في ولاية كاليفورنيا الأمريكية جهود مبدعة في الحد من الاحتباس الحراري بتطوير وسائل النقل وتصميم هندسة المدن الجديدة واستعمال الطاقة البديلة النظيفة. والجدير بالذكر بأن الولايات المتحدة وأستراليا لم توقعا اتفاقية كيوتو لمعالجة الاحتباس الحراري.
وتساءلت الصحافة اليابانية عن الحلول الممكنة لتخفيض نسبة غاز ثاني أكسيد الكربون في الهواء، حيث أن الجهود المبذولة لمنع الزيادة لن تكفي. ونشرت بعدها عدة مقالات عن اكتشافات جديدة لتقليل كمية ثاني أكسيد الكربون في الهواء، بجمع كميات كبير ة من هذا الغاز وحقنه في الطبقات الصخرية بقاع المحيطات، ليتجمد ويتحول إلى بلورات صلبة، ومع الوقت يتفاعل مع الترسبات الصخرية ويكون جزاءا منها.
تلاحظ عزيزي القارئ التناغم الجميل بين المؤسسات اليابانية التعليمية والفنية والعلمية والإعلامية والحكومية، في التعامل مع المعضلات الحياتية. فتطرح المشاكل الحياتية بشكل فني جميل على الأطفال والطلبة كمعضلة حقيقية للتفكير فيها ودراستها وإيجاد الحلول النظرية. ثم تعلن في الصحافة لتوعية وتثقيف المواطن بالتحديات، ثم تدرس في المؤتمرات لإيجاد الحلول العملية، ومن ثم تقدم للجامعات للدراسة والبحث للإبداع واكتشاف الوسائل والحلول التكنولوجية الممكنة. فلنتصور عزيزي القارئ نوعية التكنولوجيا التي سنحتاجها لجمع غاز ثاني أكسيد الكربون من الهواء وحقنه في الطبقات الصخرية في قاع المحيطات. فقد لا يؤدي ذلك لخفض نسبة ثاني أكسيد الكربون في هواء اليابان فقط، بل سيطور اليابانيون التكنولوجية ويصدروها حول العالم لتقوية اقتصادهم وبطريقة إنسانية جميلة. كما سيترافق ذلك بالإبداع في تطوير التكنولوجية البديلة للطاقة، كالطاقة النووية والشمسية، وإنتاج الطاقة من مروحيات الهوائية ومياه الأنهار وأمواج البحار. وقد تمت اتفاقيات مؤخرا بين اليابان والولايات المتحدة لبناء مفاعلات ذرية لإنتاج الطاقة الكهربائية في مدن الولايات المتحدة المختلفة. واتفقت اليابان والصين على تطوير التكنولوجية الصينية لإنتاج الطاقة الكهربائية من المفاعلات النووية. فمن المعروف بأن الصين تعتمد حتى الان على 95% من إنتاجها للطاقة على المحروقات المنتجة لثاني أكسيد الكربون كالنفط والفحم الحجري والغاز الطبيعي.
وسر المعجزة الاقتصادية التي حققها الشعب الياباني ترجع لهذا التناغم الجميل بين مختلف أفراد الشعب في العمل والإنتاجية، وتوجيهه التعليم لدراسة المعضلات الحياتية والتفكير في حلول تكنولوجية لها، واختراع تكنولوجيه متطورة للاستفادة منها في الصناعة والتصدير وتطوير الاقتصاد الوطني. فهل سنبدأ بخلق هذا التناغم الجميل في مجتمعاتنا العربية بين الإنسان والطبيعة، وبين الطالب والباحث والصانع والحاكم؟ فنخلق الاقتصاد التنموي وقد يضرب بنا المثل يوما، لمعجزتنا الاقتصادية العربية في القرن الواحد والعشرين مثل المعجزة اليابانية في القرن العشرين . أرجو إلا تقول عزيزي القارئ بأنني أحلم، فقيمنا العربية الإسلامية ومواردنا الطبيعية والبشرية لا يستهان بها والى لقاء.
سفير مملكة البحرين باليابان
التعليقات