في البداية دعونا نعترف من دون مكابرة أن النخب الفكرية والسياسية والدينية في كافة بلدان المنطقة العربية، باتت تتنازعها الآن ثلاث قوى، تشكل فيما بينها تحالفاً شريراً، وهي: قوى التعصب والرجعية المتأسلمة، وفلول القومجيين العروبيين، وأخيراً ثلة الانتهازيين بالفطرة، والفاسدين المستعدين دائماً للأكل على جميع الموائد، مادامت عامرة بالثريد.
ولعلنا لسنا بحاجة لأن نسوق مزيداً من الأدلة على الخبرات المريرة لشعوب المنطقة مع الإسلاميين خاصة حين يحكمون، فعندك مثلاً أحدث طبعة منهم وهم quot;أشاوس حماسquot; في قطاع غزة، الذين جلبوا لبلادهم وأهلهم الحصار والدمار والعار، مقابل بضعة صواريخ بدائية، وشعارات نارية خرقاء، وإصرارهم على التصرف بذهنية quot;التنظيم السريquot;، وليس كدولة أو حتى نواة لها، تكون مسؤولة عن التزاماتها وتعهداتها، سواء أمام مواطنيها أو في محيطها الإقليمي والدولي.
هذا ناهيك عن تجارب إسلاموية مريرة أخرى، بلغت من العبث حداً إجرامياً أتى على البلاد والعباد، كما حدث في أفغانستان مثلاً، التي لم تتركها سيئة الذكر حركة quot;طالبانquot; إلا بعد أن اطمأنت تماماً إلى احتلال البلاد، وسقوطها في مستنقع الفوضى والخراب الشامل، ومع ذلك مازال مجاهدو الحركة يواصلون جهادهم المزعوم ربما حتى آخر مواطن أفغاني.
ثمة تجربة إسلاموية أخرى مازالت مرارتها تشرخ حلوقنا، لأنها أكثر حضوراً وتآخماً، وهي خبرة حكم نظام البشير في السودان، إذ أنه لم يعد سراً الآن أن البلاد باتت قاب قوسين أو أدنى من خطر التقسيم، فالجنوبيون على ما يبدو ليسو راغبين في الاستمرار تحت لواء نظام البشير، الذي يصر على تطبيق ما يزعم أنه الشريعة الإسلامية، ودارفور فاض بأهلها الكيل، وانتهكت حياتهم على نحو لم يعرفه الإقليم من قبل، وشرق السودان ممزق، ومشكلات لا حصر لها مع جيرانه، بدءا من مصر، وصولاً إلى تشاد، مروراً بإريتريا وغيرها، ومع ذلك مازال مولانا الفريق الركن عمر البشير يواصل إلقاء الخطب العصماء عن الشريعة، ويزايد على المتشنجين والمتعصبين، ويبدو أنه أقسم ألا يدعها إلا بعد اطمئنانه لخرابها تماماً.
ولعلنا لسنا بحاجة لأن نسوق مزيداً من الأدلة على الخبرات المريرة لشعوب المنطقة مع الإسلاميين خاصة حين يحكمون، فعندك مثلاً أحدث طبعة منهم وهم quot;أشاوس حماسquot; في قطاع غزة، الذين جلبوا لبلادهم وأهلهم الحصار والدمار والعار، مقابل بضعة صواريخ بدائية، وشعارات نارية خرقاء، وإصرارهم على التصرف بذهنية quot;التنظيم السريquot;، وليس كدولة أو حتى نواة لها، تكون مسؤولة عن التزاماتها وتعهداتها، سواء أمام مواطنيها أو في محيطها الإقليمي والدولي.
هذا ناهيك عن تجارب إسلاموية مريرة أخرى، بلغت من العبث حداً إجرامياً أتى على البلاد والعباد، كما حدث في أفغانستان مثلاً، التي لم تتركها سيئة الذكر حركة quot;طالبانquot; إلا بعد أن اطمأنت تماماً إلى احتلال البلاد، وسقوطها في مستنقع الفوضى والخراب الشامل، ومع ذلك مازال مجاهدو الحركة يواصلون جهادهم المزعوم ربما حتى آخر مواطن أفغاني.
ثمة تجربة إسلاموية أخرى مازالت مرارتها تشرخ حلوقنا، لأنها أكثر حضوراً وتآخماً، وهي خبرة حكم نظام البشير في السودان، إذ أنه لم يعد سراً الآن أن البلاد باتت قاب قوسين أو أدنى من خطر التقسيم، فالجنوبيون على ما يبدو ليسو راغبين في الاستمرار تحت لواء نظام البشير، الذي يصر على تطبيق ما يزعم أنه الشريعة الإسلامية، ودارفور فاض بأهلها الكيل، وانتهكت حياتهم على نحو لم يعرفه الإقليم من قبل، وشرق السودان ممزق، ومشكلات لا حصر لها مع جيرانه، بدءا من مصر، وصولاً إلى تشاد، مروراً بإريتريا وغيرها، ومع ذلك مازال مولانا الفريق الركن عمر البشير يواصل إلقاء الخطب العصماء عن الشريعة، ويزايد على المتشنجين والمتعصبين، ويبدو أنه أقسم ألا يدعها إلا بعد اطمئنانه لخرابها تماماً.
..........
أما إخواننا quot;القومجيهquot; فقد أخذوا فرصهم وزيادة في أكثر من دولة من دول هذه المنطقة المنكوبة، ولم يحكموا بلداً إلا ووقع في حبائل الاستبداد والفساد، وحاصرته الأزمات، وحلت عليه الكوارث والحروب، وأمسك بتلابيبه قراصنة المال العام، وخضع مواطنوه لأسوأ عملية quot;تجريفquot; لشخصيتهم الوطنية، وشوهت نفوس أبنائهم، ونجحت في إفساد ضمائرهم وعقولهم، فضلاً عن قتل رغبتهم في الحياة.
ولعله ليس من الحكمة أن يخوض المرء في المعلوم من الخراب بالضرورة، كما حدث مثلاً في مصر وسورية وليبيا واليمن وقبل ذلك العراق وغيره من البلدان التي امتطاها quot;عسكر القومجيةquot; ولم يدعوها إلا كما ترى أحوالها الآن سيدي القارئ التي لا تسر حبيباً ولا عدواً.
بعد أعوام من شعارات الاستقلال الوطني والكرامة والتحرر، تحولت دول القوميجية والعسكريتاريا العربية إلى مجرد مزارع للأبناء والأحفاد والعشيقات والشماشرجية، ومهرجي البلاط وحملة المناشف والمباخر، ومن لغو القول أن واقع هذه البلدان بات يراوح بين كارثة قد حلت بالفعل، كما حدث في العراق، أو أخرى تترقبها حين تتاح لها الظروف المواتية كما هو حال عدة بلدان بالمنطقة، أراهن بما تبقى من عمري أنها لو تقدمت الآن بطلبات إلى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وغيرهما لاحتلالها، لما وافقت على ذلك.
وإذا كان حقاً أننا quot;كما نكون يولى عليناquot; وإن quot;الناس على دين ملوكهمquot;، وإن quot;الله يزع بالسلطان ما لايزع بالقرآنquot;، فإن العدل يقتضي أن نلتمس لملايين البسطاء من الناس ألف عذر وعذر، فهؤلاء منكفئون وراء لقمة العيش وترتيبات أوضاعهم الحياتية المتردية، غير أنه لا يمكن أبداً أن نكون متسامحين حيال النخب في تلك البلدان، فهذه النخب هي القاطرة التي يفترض أن تقود المجتمعات إلى طريقة حياة أفضل، أو حتى أقل معاناةً، بما حباها الله به من علم ووعي ونفوذ.
غير أن هذه النخبة الانتهازية تاجرت بأوجاع الناس، وباعتهم الوهم، واتخذت منهم quot;دروعاً بشريةquot; من أجل مصالحها الخاصة، وأشاعت في نفوسهم سلوكيات مرضية كالتبرير والمكابرة والازدواجية وغيرها.
..........
وحتى نكون محددين أكثر في إظهار حجم الكارثة التي تحاصر الذهنية العربية، فإن أبسط مناقشة مع الكائن العربي الراهن، ستكتشف بعدها أنه يتصرف باعتباره (قنصل ربنا) على الأرض، فهو قطعي الدلالات دائماً، ولا يستخدم مفردات من نوع (أظن، أعتقد، أرى، ربما)، بل يبدأ بإطلاق زخاته من رشاش سريع الطلقات بعبارات من طراز (حكم الله، أمر الله، شرع الله.. الخ)، وكأنما صاحبنا العربي هو الوحيد في هذا الكون المخول بالحديث نيابة عن الله، وهو الوحيد الذي خصته السماء بمعرفة أسرارها، والوقوف على تعاليمها، لتكتشف في نهاية الأمر انك لا تتحدث مع بشر مثلك، ولا مع مجرد مجتهد، أو حتى عالم، بل مع كائن إلهي سرمدي، أو على أدنى تقدير وحتى نكون أكثر تهذيباً، الوكيل الوحيد المعتمد له على الأرض.
أما حينما تناقش العربي في السياسة، فبالتأكيد سيكون نهارك أسود، فصاحبنا عليم ببواطن الأمور، يعرف كل شئ، ويطلع على كافة الأسرار، ويدرك النوايا الحقيقية لجنرالات ورؤساء الدول الكبرى والصغرى، ومع ذلك تخيب حساباته السياسية دائماً، غير أن صاحبنا العربي رغم هذا لا يقترب أبداً من قناعاته، فلا يطورها ولا يراجعها، ولا حتى يتأملها، بل يطلقها أولاً مثل طلقات الكلاشينكوف، ثم يقضي ما تبقى من عمره مدافعاً عنها منافحاً دونها، مستخدماً كل أسلحته المشروعة والمحرمة لحمايتها، والزود عن حياضها
وإذا ألقت بك المقادير في حضرة أحد quot;حفريات القومجيةquot; فاعلم أنك هالك لا محالة إذا حاولت مناقشته ناهيك عن مخالفته، فالرجل لن يتورع لحظة عن ذبحك بكل رماح بني عبس وسيوف بني أسد، وإذا اقتضى الأمر فلن يتردد وقتها بإذابتك في برميل أحماض معدنية، وهذا الاختراع العروبي ـ لوجه الحقيقة والتاريخ ـ ترجع ملكية حقوقه إلى نظام الأخ quot;القائدquot; إياه، الأمين السابق للقومية العربية.
ولدى مناقشته في أي أمر كان، ربما يبدأ الأخ quot;القومجيquot; معك ناعماً، مكتفيا بتوجيه تهمة الجهل إليك بلغة العالم ببواطن الأمور، لكن هذه التهمة لن تلبث أن تتطور لتصل إلى العمالة، وبالتالي الخيانة، ثم ينحدر الأمر فجأة ليتحول إلى تهم أخرى لا صلة لها بالموضوع، فضلاً عن بذاءتها مثل الدياثة والعنة والتياسة والخنا والفجور، ولا مانع بالطبع من الكفر بالمرة، خاصة وأن ذلك يتسق مع لوازم المرحلة، حيث يتحالف إخواننا القومجية الآن مع خصوم الأمس، المنعوتين سابقاً بقوى التخلف والرجعية، وأقصد هنا الإخوانجية الذين أقر وأعترف بأنهم صاروا quot;نجوم المرحلةquot; في زمن الغروب العربي الراهن.
وأخيراً عزيزي القارئ القابض على جمر عقله، لو قادك حظك العاثر إلى كهوف الجماعات المتأسلمة وخاصة السلفية منها، فاعلم أيها الشقي انك تجاوزت مرحلة الهلاك إلى ما هو أسوأ، وهو أن تتمنى هذا الهلاك فلا تجد إليه سبيلاً، فأنت حينما تختلف معهم، تضع نفسك طائعاً مختاراً في خندق quot;أعداء اللهquot;، ولك أن تتصور ما يمكن أن يترتب على هذه العداوة من نتائج وخيمة، أبسطها استباحة حياتك ومالك وعرضك وكل شئ، استناداً إلى نظريات quot;الاستحلالquot;، وquot;الولاء والبراءquot; وquot;الغنيمةquot;، ليس هذا فحسب، بل سيؤجر هذا القاتل وذاك المغتصب على أفعاله، باعتبار أن كل ما اقترفه كان quot;جهاداً مقدساً في سبيل إعلاء كلمة اللهquot;.
وهو المستعان
[email protected]
التعليقات