الاتفاق الذي وقّع في الدوحة بين الفرقاء اللبنانيين، اتفاق تاريخي جاء في وقته. اتفاق يكفل للبنان سنوات قادمة من الأمن والأمان، بعد سنوات طويلة من النكد والفرقة. ولو توفّرت له النوايا الحسنة في التطبيق، فهو كفيل بإخراج لبنان، المجتمع والدولة، من نفق الخلافات المريرة، التي كادت أن تعصف به، وتجعله قشّة في مهب ريح الدول الإقليمية. لذلك نقول: مبروك للبنان والشعب اللبناني، وشكراً لكل الأطراف التي ساهمت في عقد هذا الاتفاق، على أن تتواصل جميع الجهود، العربية واللبنانية، لضمان تنفيذه، وإنجاحه ومتابعته. ولدينا هذه المرة أملٌ بأن ينجح هذا الاتفاق، لأنّ الدول الفاعلة في الساحة اللبنانية، إيران وسوريا من جانب، والسعودية ومصر ومعظم الدول الغربية من جانب آخر، أيدت توقيعه، وأعلنت عن مباركتها له. بمعنى، ليس فقط أنّ الفرقاء اللبنانيين وصلوا إلى قناعة بأن لا مفرّ من الحوار والاتفاق، وإنما كذلك وبالأساس تلك الدولة الفاعلة، تأثيراً ونفوذاً ومصالح، وصلت هي أيضاً إلى ذات القناعة. فالاتفاق، كما قيل حقاً، هو اتفاق [لا غالب ولا مغلوب فيه]. ومع أنّ هذه النقطة بالذات، تجعلنا نخشى المستقبل على المدى الطويل، حيث ربما تتغيّر مصالح وحسابات هذه القوى، لأيّة أسباب، إلا أننا نكتفي الآن بالفرح، على أمل أن يُطوّر هذا الإنجاز الكبير، ويكون قاعدة صالحة للانطلاق منه إلى المستقبل، لتصفية الكثير من التعقيدات والأمور المؤجلّة في المعادلة اللبنانية شديدة التعقيد والحساسية. ذلك أنّ النظام كله في لبنان تمّ بناؤه على الحسبة الطائفية منذ الاستقلال. وما لم يخرج لبنان من هذه الحسبة التي لا تليق به وبأبنائه المتميزين [فضلاً عن مجافاتها لروح العصر] عن طريق علمنة الدولة والمجتمع بالكامل، فستظلّ مضاعفات هذا المرض [الطائفية] إرثاً باهظاً يُثقل الكاهل اللبناني. ويجعله قابلاً للانتكاس والارتكاس في أية لحظة. ومع ذلك فشيء خير من لا شيء، وغير مطلوب في هذه اللحظات البهيجة أن نفسد فرحنا باتفاق قطر. بل المطلوب هو البناء على ما تمّ إنجازه بالفعل، والعودة بالحياة في كل ربوع لبنان، إلى طبيعتها. فلقد صبر وتحمّل الشعب اللبناني بجميع طوائفه ومذاهبه، أكثر مما يجب. وأظن أنه لم يعد قادراً على المزيد من التحمّل والصبر. فهو لم يعش في السنوات الطويلة الأخيرة حياة طبيعية، مثل غيره من الشعوب. بل كان ساحة متقدمة للحسابات والأيديولوجيات والمصالح الخارجية، هذه المصالح التي أفقرته ونغّصت على مواطنيه العاديين، وسلبت لبنان، تميّزه عن دول المحيط. ونأمل في هذا السياق، ألا يكون مصير اتفاق الدوحة مشابهاً لمصير اتفاق مكة الفلسطيني. حاشا وكلا. كما نأمل أن يأخذ اللبنانيون العبرة من كل الأحداث المؤسفة الماضية. ففي البداية والنهاية لبنان لكل اللبنانيين، ولن ينزع أحد أشواكه سوى أبنائه المولودين فوق ترابه الوطني. ولن تُحلّ معضلاته ومشاكله سوى بالحوار والحوار، لا بالعنف ولا بتخوين طرف لطرف. فهذه لغة خشبية زالت وبادت من قاموس الشعوب المتحضرة، وآن لها أن تزول وتبيد من القاموس اللبناني.
أما فلسطين، جرحنا النازف وخيبتنا الكبيرة، فنأمل لها اتفاقاً قريباً بين الفرقاء الفلسطينيين، أسوة بالشقيق لبنان. اتفاق يُنهي هذا التيه وهذه المتاهة التي وقعنا وأوقعنا شعبنا فيهما.
لقد دمعت عيني وأنا أشاهد على الشاشة، فرح اللبنانيين بالاتفاق، والمباشرة بتفكيك خيام الاعتصام وسط العاصمة بيروت. وبقدر فرحي لهذا الشعب الشقيق، بقدر ما أضرع إلى قوة ما، بأن نفرح نحن أيضاً، خاصة في قطاع غزة، باتفاق قريب. اتفاق قادر على إخراجنا من سوء ما فعلَ الآخرون بنا وما فعلناه نحن بأنفسنا.
مبروك للبنان.
مبروك للبنانيين.
مبروك لكل محبي لبنان واللبنانيين.
وعقبال عند فلسطين.