تحت شعار (محاربة الجهل والانغلاق وضيق الأفق) الذي أطلقه عاهل السعودية الملك عبد الله بن عبد العزيز، انعقد في مكة المكرمة (من 4إلى 6حزيران) مؤتمر الحوار الإسلامي الذي يهدف إلى بناء سبل للحوار بين أبناء المذاهب الإسلامية، وخاصة بين السنة والشيعة. وإلى تأسيس جسور للتواصل بين المسلمين وأتباع الديانات الأخرى. وقد تصادف انعقاد المؤتمر بعد الهجوم البشع الذي شنته في جاكرتا مجموعة من الإسلاميين الاندونيسيين المنغلقين، ضد بعض الناشطين الداعين للتسامح الديني بين أتباع الديانات المختلفة.
وقد سبق المؤتمر صدور بيان موقع من اثنين وعشرين رجل دين سعودي من خارج المؤسسة الرسمية، بعضهم معروف، وبعضهم الآخر غير معروف، يتهجمون فيه على الشيعة، ويحذرون من خطرهم، ويتهمونهم بزعزعة استقرار الدول الإسلامية وأمنها، ويحملونهم مسؤولية الفساد والاعتداء على المسلمين السنة، مستشهدين على صحة اتهاماتهم بما يحدث في اليمن مع الحوثيين، وما حصل في بعض مواسم الحج السابقة.
تناوب على إلقاء الخطب والمداخلات عدد من المؤتمرين. وقد تلا بعضهم الآية: (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون- العنكبوت 46) كما تلا بعضهم الآية: (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا إنا مسلمون- آل عمران 64).
وحبذا لو أن هؤلاء الخطباء تلوا مع الآيات التي تلوها، الآية (99) من سورة يونس التي تقول: (ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تُكره الناس حتى يكونوا مؤمنين- يونس 99) والآيات (فذكّر إنما أنت مذكّر 21 لست عليهم بمُصيطر 22 إن إلينا إيابهم 25 ثم إن علينا حسابهم 26ndash; الغاشية)* والآية (فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب- الرعد 40) وأيضا الآية (ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء- البقرة 272) والآية (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم تعملون- المائدة 105) والآية (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين- هود 118)وأخيرا وليس آخرا، حبذا لو تلوا أيضا الآية (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير- الحجرات 13).
لا أظن أن المؤتمرين قد فاتهم أن الله وحده هو الذي يغرس الإيمان في نفوس البشر، وأن الإيمان لا يكون بالإكراه. ولذلك قال لرسوله الكريم: quot;لست عليهم بمصيطرquot; أي لست عليهم بجبار كي تخلق الإيمان في قلوبهم، ولست الذي تُكرههم على هذا الإيمان. كما لا أظن أن المؤتمرين قد فاتهم أن الله وحده هو الذي يحاسب الناس على عقائدهم وما في ضمائرهم. وإنه لحكمةٍ أرادها سبحانه وتعالى أن جعل الناس شعوبا وقبائل مختلفة. وأن مسألة الإيمان والدين إنما هي علاقة خاصة بين الإنسان والله الذي إليه إيابه، وعليه حسابه.
إنه لمن المهم أن يتفاعل المؤتمرون بقلوب وعقول مفتوحة مع الشعارات التي أطلقها العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز، وانعقد المؤتمر تحت ظلها. وأن يسعوا مخلصين إلى الغايات التي رسمها وتوخاها للمؤتمر. وأن يعملوا على تجديد الخطاب الإسلامي بحيث يرفض الاتهامات والتكفير، وإطلاق الصفات والنعوت، ويؤكد على المساواة وحقوق الإنسان مهما كان جنسه ولونه ومذهبه ودينه. وأن لا يعمد بعض هؤلاء المؤتمرين إلى سياسة الخطاب المزدوج، والتسويق الإعلامي، أو وضع العصي في الدواليب.
ومن المهم أيضا في هذا الصدد تعديل المناهج التربوية والتعليمية في البلدان الإسلامية بما يعزز المساواة بين الجنسين، والانفتاح على الثقافات العالمية، وقبول الآخر. وبما ينبذ المفاهيم والتوجيهات والإيحاءات التي تنتقص أو تسخر من الديانات الأخرى، ومن مؤسساتها وكتبها وأتباعها، وتكفرهم وتحرض عليهم. وأن تدين تلك المناهج بصورة قاطعة لا لبس فيها ولا إبهام ولا تورية الإرهاب وقادة الإرهاب ومموليهم، والذين يقسمون العالم إلى دارين. وأن يطلقوا شعار الحرية الدينية، لإظهار تسامح الإسلام، وصورته الحقيقة.
لقد شخّص العاهل السعودي بدقة متناهية المرض الخطير، والهوة العميقة (الجهل والتعصب والانغلاق وضيق الأفق) التي تردت بها شريحة من المسلمين وشيوخهم الذين يتوهمون ويدّعون أن الله قد خوّلهم تقرير مصائر الناس، وإرسال هذا المرء للجنة، وذاك المرء للنار. فأساء هؤلاء النفر بأقوالهم وأفعالهم وأوهامهم للمسلمين والإسلام أكثر مما أساء له أعداءه. وأظهروه دينا يعادي العلم والبشرية والإنسانية والثقافات. ويرفض حرية الإنسان ويأكل حقوقه. ويحمل في طياته العنف والإكراه والعداء للآخر ويدعو لقتاله وقتله.
لا شك أن العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز لا يملك عصا سحرية تزيل من النفوس المريضة التعصب والتطرف، وتنير العقول والقلوب المظلمة. لكنه يملك الحق والقدرة على إصدار التعليمات والقوانين التي تنير الدروب وتمهد الطريق، ووضعها موضع التطبيق، ومعاقبة الداعين إلى التمييز والبغضاء، والمعتدين على حقوق ومشاعر الناس، المنفذين منهم والمحرضين.
* بمصيطر. وفي قراءة بالسين: بمسيطر.
[email protected]
- آخر تحديث :
التعليقات