نعني بهذا العنوان نوعين مختلفين متباعدين من وهم التغيير، أولهما هو وهم منطقة الشرق الأوسط، بشعوبها وصفوتها الحنجورية المناضلة، وأيضاً بحكامها الجالسين على كراسيهم إلى الأبد، لا يقض مضاجهم سوى هواجس التغيير في بلادهم، الذي قد يطيح بهم من على عروشهم الوثيرة، وقد يرسلهم إلى غياهب السجون، أو تتخلص منهم شعوبهم بالطريقة العراقية، بالسحل عبر شوارع عواصمهم، والنوع الثاني من الوهم هو وهم قطاع من الشعب الأمريكي، ذاك الذي تصور في أوباما كشخص، القدرة على إحداث تغير حقيقي.
بالتأكيد نحن لا ننتوي في هذه السطور أن نخلص إلى أن الوهم أو التوهم هو الذي أتى بباراك أوباما إلى رأس السلطة في الولايات المتحدة الأمريكية، ليتبوأ مكانة أقوى رجل في العالم، شاء هذا من شاء، وأبى من أبى.. ليس الوهم وإنما ميزة -أو إن شئنا فلنقل آفة- التغيير، فللتغيير مفهوم مختلف عند الشعب الأمريكي، كما عند جميع الشعوب التي تعرف طريقها، فراراً من الماضي، وسعياً لمستقبل جديد دوماً ومختلف دوماً.. التغيير عند هؤلاء ليس عملية طارئة ووقتية، يقدمون عليها إذا ما واجهوا طرقاً مسدودة، وهو بالطبع ما نعتبره نحن انهزامية واستسلاماً وانبطاحاً وتفريطاً، وسائر تلك القائمة اللعينة من المفردات.. الشعوب الحية وأنظمتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية المرنة، تعتنق التغيير عقيدة، وآلية تتحرك بها نحو المستقبل، الذي تجتهد بأقصى ما تستطيع، أن يأتي مخالفاً للماضي.. بالطبع معدل ذلك التغيير رغم استمراريته، يتغير من فترة لأخرى، فلنا أن نتصوره يتسارع، ويصير أكثر عمقاً، إذا ما صادفت المسيرة عقبات أو إخفاقات، تلك التي تستدعي آلياً موجبات البحث عن طرق جديدة، ووسائل جديدة يتم توظيفها، للتغلب على تلك العقبات، ووصولاً إلى أداء أفضل، يقاس دوماً بما يتحقق من نتائج على أرض الواقع، وليس بالطبع قياساً على رؤى دوجماطيقية، وتنظيرات محلقة في عالم الشعارات والثوابت والعنتريات منقطعة الصلة بحقائق الواقع، كما نرى زعماء نكساتنا ونكباتنا يفعلون على مر التاريخ البعيد والقريب، وكما يفعل الآن زعماء العصابات الإرهابية، حين يعزفون أنغام النصر على جثث قتلى شعوبهم، وعلى أطلال الخرائب التي تخلفت عن انتصاراتهم الإلهية.
خلاصة القول أنه إذا كان من الطريف أن نجد تشابهاً أو تقابلاً بين أفكارنا ونهجنا، وبين أفكار ونهج الشعوب السائرة في طريق التقدم والحداثة، فإن لنا أن نقول أن لكلا الطرفين ثوابت، حيث ثوابتنا هي القعود حيث نحن، مولين وجوهنا شطر ذات الاتجاه أبداً، متشبثين بذات الوسائل، بغض النظر عن فاعليتها في تحقيق ما نأمل، كما نرى إلى الآن من لازال يردد بافتتان، شعار quot;ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوةquot;، رغم أن ذلك الخيار لم يزدنا إلا انهزاماً وتقهقراً، فيما ثوابتهم هي السعي الدائم نحو التغيير، في كل من التوجهات والوسائل، رغم أنهم يمتلكون بالفعل كل مقومات القوة، التي نحلم ببعض منها.. نستطيع أيضاً في معرض البحث عن تقابل بيننا وبينهم، أن نقول أن ثوابتنا هي إحكام أغلال الماضي وقيمه ونظمه وأفكاره حول رقابنا وأيدينا وأقدامنا، فيما ثوابتهم محلقة في فضاءات المستقبل، الواعدة دوماً بكل جديد ومختلف.
باراك أوباما إذن ليس في الحقيقة مجرد شخص يحمل أفكاراً جديدة، أو ساحر سيخرج حلولاً مبتكرة للمشاكل التي تواجه الولايات المتحدة من تحت قبعته، بل هو عبارة عن راية، أو اسم أُطلق على مسيرة التغيير في هذه المرحلة، التي أراد الشعب الأمريكي أن تكون مسيرة التغيير فيها أكثر سرعة وعمقاً.. وفق هذا المفهوم للتغيير فقط، يكون علينا جميعاً أن نرفع القبعات أو العمائم، تقديراً واحتراماً لباراك أوباما، ولما يمثله من رغبة صادقة في التغيير.
يختلف هذا جذرياً عن الوهم المتعلق بأوباما، والذي قد يخايل البعض من الأمريكيين، ومعهم البعض من مستنيري منطقتنا، من أن لدى أوباما حلولاً سحرية، تحيل الأرض التي سارت عليها الولايات المتحدة، في حملتها على الإرهاب، وسعيها لتوطين الديموقراطية والحرية في صحراواتنا، والمفروشة بالأشواك والصخور والمتفجرات، تحيلها إلى أرض سهلة، وممهدة لاستزراع الحداثة والتنوير.. نعم نحن معه، ونشد على يديه وهو يسعى لاكتشاف أساليب جديدة أكثر فعالية، مادام ما سبق تحقيقه من نتائج في هذه المجال، لا يمكن أن تعتبر مرضية وفق أي مقياس.. دون أن يعني هذا وقوعنا في شرك تصورات وتقييمات ساذجة، تصم أساليب ونهج الإدارة الأمريكية السابقة بالحماقة أو ما شابه، وتسند لتلك الحماقة المزعومة، ما قد نرصده من فشل، أو على الأقل تدني فاعلية تلك الأساليب.. الفشل المنسوب للإدارة الأمريكية، يرجع بالدرجة الأولى لقدرة شعوبنا المذهلة على مقاومة الحداثة، وإلى هيامها الانتحاري بأيديولوجيات العنف والكراهية ورفض الآخر، وهو ما لم يسبق لمعسكر الحرية مواجهته، في ألمانيا وإيطاليا واليابان مثلاً، بعد مآسي صراع الحرب العالمية الثانية، وما من المفترض أن يكون ذلك الصراع قد خلفه من مرارات وعداوات.. ردود أفعال شعوبنا على هجمة التحرير والتطوير والتطهير الغربية لمنطقتنا، كانت غريبة ومذهلة بكل المقاييس.. هنا المعضلة بالتحديد، تلك التي نأمل أن تجد لها بعثة التغيير بقيادة باراك أوباما حلاً.
على الشاطئ الشرقي هناك من ينتظرون نوعاً آخر من التغيير، سبق أن تناولناه في مقال بعنوان quot;أوباما والحلم العربيquot;، حلم بتغيير توجه أمريكا في محاربة الإرهاب واستزراع الديموقراطية والحداثة، وأن تترك أمريكا إيران تصنع قنبلة نووية، وتمد أياديها لتعبث بأحشاء الشعوب المسماة بالعربية، تزرع فيها الفتن والانقسام وعصابات المرتزقة.. من حق المرشد الإيراني الأعلى آية الله علي خامنئي أن يقول، أنه لا يرى أي تغيير في الموقف الأمريكي تجاه إيران، وأن يؤكد أن إيران مستعدة للتغيير في حال غير الرئيس الأمريكي الجديد باراك أوباما موقف بلاده منها.. من حق آية الله أو خليفة الله خامنئي أن يحلم بالتغيير الذي يشاء، أن تنقلب أمريكا على نفسها، وعلى ما تمثله من قيم إنسانية، هي القوة الدافعة لقاطرة تطور البشرية، ومن حقنا في نفس الوقت أن ننظر إليه في إشفاق، ونحن نرى مصيره، ومصير ما يمثله من توجهات، نراه على ضوء خبرات البشرية عبر مسيرتها الطويلة، فرغم الانكسارت بل والتراجعات، التي كثيراً ما واجهت مسيرة الحضارة، إلا النهاية كانت دوماً، هي المزيد من الانتصارات للحضارة وروادها، أما من حاولوا الوقوف لسد الطرق أمامها، فلا متسع لهم إلا في مزبلة التاريخ.
مع احترامنا لصناع السياسة ومخططيها في العالم الغربي، إلا أنه يبدو أننا دخلنا إلى موسم للسذاجات، تلك التي تصدر الآن عن الساسة الغربيين.. حين نجد أوباما يتوجه بدعوة إيران للحوار، وكأنه يأتي حقاً بجديد، وكأن إدارة بوش لم تلتزم بأقصى درجات ضبط النفس معها، ولم تترك الأمر للاتحاد الأوروبي، عله يكون أكثر قبولاً لدى الإيرانيين، مما يعتبرونه الصلف أو الهيمنة الأمريكية، ومع ذلك فشلت تلك المحاولات لإثناء إيران عن توجهاتها، عبر دورات ودورات من الحوار غير المجدي، لسبب واحد لا غيره، هو أن إيران وما تمثله، لايجدي معها أي حوار، فاللغة الوحيدة التي تفهمها إيران، وأذرعها الأخطبوطية الممتدة بالمنطقة، هي القطع والبتر، ولا شيء سواه.. نفس تلك النغمة الساذجة الواهمة نسمعها أيضاً، صادرة عن السياسة البريطانية، تتحدث عن حوار مع حزب الله، ولسنا ندري أي حوار بين حزب الله وحزب الشيطان الذي تمثله بريطانيا، على الأقل في مخيلة ومقولات هذا الحزب الإلهي، وقائده خليفة الله في أرضه؟!!
في ماذا تختلف سياسة العصا والجزرة، التي يتجه بها أوباما نحو إيران، عن سياسة العقوبات وحزم الحوافز، التي سبق تقديمها في مراحل عديدة للنظام الإيراني؟
وعن ماذا يمكن أن تسفر المحادثات البريطانية مع حزب الله، أكثر مما أسفرت عنه مباحثات جماعة 14 آذار اللبنانية، مع هذا الحزب العصابي الإرهابي والفاشي؟
بل وأي أمل يمكن أن يرجى في حوار جديد أو متجدد يجري الآن في القاهرة، بين السلطة الفلسطينية الشرعية، وبين عصابات المرتزقة والإرهابيين، خدام أولياء نعمتهم وثرواتهم، ومحركيهم كقطع الشطرنج في طهران.. أي تغيير هنا من الممكن أن يكون مفيداً، وأي أمل في ردع هؤلاء المجرمين والخارجين على القوانين الدولية والإنسانية، إن لم يكن الردع عن طريق تجريدهم من سلاحهم وتمويلاتهم، ووضعهم خلف قضبان العدالة؟!!
لا نقف منتظرين أوان الشماتة في دعاة التغيير، فالتغيير هو دماء الحياة والحضارة المتجددة، لكن يبقى السؤال: أي تغيير هو المطلوب، وأي السبل هي الأنجع، لتطهير أرضنا وشعوبنا من وباء الإرهاب والعنف والكراهية؟!!
[email protected]