هو يوم الرابع من مارس (آذار) عام 2009، الذي أصدرت فيه المحكمة الجنائية الدولية قرارها بتوقيف الرئيس السوداني عمر البشير، لمحاكمته بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في دارفور.. فما أعقب هذا القرار من ردود أفعال عروبية، سواء من الأنظمة الحاكمة، التي لا تختلف عن نظام البشير إلا من حيث الدرجة في الطغيان والدموية، أو من وسائل الإعلام الجهنمية التي تتصدرها قناة الخنزيرة، يكشف بوضوح للعالم أجمع من نحن، وما هي نظم المنطقة وفكرها وشعاراتها، التي يصرخ ويجأر بها ليل نهار، مرتزقة الدولار ومتهوسي التعصب والعنصرية.
قلنا ونقول وسنقول أن العروبة وخطابها ورؤاها وثوابتها، أيديولوجيا فاشية وعنصرية، ترتكز على قهر الإنسان، وإهدار قيم الحضارة والمعاصرة وحقوق الإنسان، لتعود بإنسان المنطقة إلى فكر وشريعة القبيلة، التي تسترخص كيان الإنسان ودماءه، لصالح هيمنة شيخ القبيلة وحاشيته، الذين يرفعون راياتهم وأحذيتهم العنصرية فوق أعناق ورؤوس الشعوب، المسخرة دوماً لخدمة أسيادها الجاثمين على أنفاسها إلى الأبد.
حين تحدثنا عن عنصرية العروبة ودمويتها، في معالجة ما سمي بقضية الصراع العربي الإسرائيلي، والذي تطور على يد مناضليها، ليصبح صراعاً إسلامياً يهودياً، لابد وأن يستمر حسب رؤاهم المحتقنة بالكراهية إلى يوم القيامة، حيث سيكونون وقتها قد انتهوا من ذبح آخر يهودي على سطح الأرض.. حين قلنا أن الأمر ليس أمر شعب فلسطيني مشرد ووطن سليب، وإلا لكانوا قد انتهجوا من السبل ما يحد من معاناة ذلك الشعب، لا ما يفاقمها مرات ومرات، وإنما الأمر هو ما يجري من حقن الشعوب بعقار الكراهية والحقد الأعمى على كل آخر، ومعاداة الحضارة وصناعها، تنفيساً لغل يعصف بالصدور الموبوءة بداء العروبة اللعين.. حين قلنا ذلك كان الاتهام الجاهز دوماً مسلطاً على رقابنا.. اتهام بالتفريط في حقوق الشعب الفلسطيني، والانسلاخ عن هذه الأمة وآمالها في العزة والكرامة، لصالح من يتربصون بها، ويتفرغون لتدبير المكائد لها وإذلالها بالهيمنة عليها.
وحين نادينا بالانفتاح على العالم، لنكون جزءاً من مسيرة الحضارة الإنسانية المعاصرة، سمعنا اتهامات أهونها أننا دعاة تغريب، وأننا طابور خامس للغزو الثقافي، الذي يهدف لمحو هوية هذه الأمة، ويستهدفها في كيانها ودينها، حتى صار العداء للعالم هو دليل إخلاص وأصالة، والحديث عن السلام والتسامح دليل تفريط وخيانة.
هكذا كانت سهام العروبة مشهرة دوماً، كأنها المدافعة عن شعوب المنطقة، في مواجهة اليهود والصهيونية تارة، والصليبيين والإمبريالية تارة أخرى، وكنا دوماً نرى أن هذا التوصيف الزائف والمصطنع ما هو إلا ورقة توت، تستر بها العروبة وأنظمتها الفاشية الحاكمة عورتها، وتروج بها ما تلوكه من شعارات، تخدع بها شعوبها المقهورة، وتدغدغ بها عواطفها الدينية ونوازعها العنصرية، المترسبة في وجدانها منذ عصور خلت، وخلفت سائر شعوب العالم الحية مثيلها وراءها، لتشق طريقها نحو مستقبل جديد كل الجدة، ومختلف كل الاختلاف.
الآن قد آن أوان سقوط ورقة التوت هذه، لتنكشف لكل ذي عينين، عورة خطاب العروبة، وبشاعة النظم الحاكمة في هذه المنطقة المضروبة بكل الأدواء، التي شفت منها سائر شعوب العالم، ماعدا شعوبنا المحشورة في نتوء زمني متكلس.. فموقف الأنظمة وزبانيتها وآلاتها الإعلامية الجهنمية من قرار المحكمة الجنائية الدولية بتوقيف عمر البشير، لمحاكمته بارتكاب جرائم حرب ضد الإنسانية، يكشف هذا الموقف بوضوح لا يستدعي شرح أو عناء، كم نحن غرقى في مستنقع العنصرية البغيضة، التي لا تنشب مخالبها فقط في أعناقنا، بل تسللت إلى دمائنا، مع ما رضعناه من حليب الكراهية والوحشية البدائية منذ الطفولة.
النظام المصري يعلن بوضوح وقوة انزعاجه من قرار توقيف البشير، لكن -فيما نذكر على الأقل- لم يسبق لذلك النظام أن أعلن انزعاجه بذات القوة مما ارتُكِب من مذابح في حق أهل دارفور، الذين هم ليسوا يهوداً وصهاينة، ولا صليبيين وإمبرياليين.. حوالي ربع مليون شخص قد قتلوا من أبناء دارفور، علاوة على ثلاثة ملايين من المشردين، كل هؤلاء لم يستدعوا انزعاجاً من نظامنا المصري المسمى معتدل، والذي يبذل مجهودات خارقة للتوحيد والمصالحة، بين جماعات فلسطينية تتدرج في درجة اعتناقها للإرهاب، ولا يمكن لها أن تتفق إلا على انتهاج أسوأ السبل لتحقيق أي هدف، أو للوصول بأي قضية إلى بر الأمان!!
حين يسعى النظام المصري إلى مجلس الأمن، ومعه المنظومة العربية المهلهلة، لتأجيل قرار توقيف المتهم بالإجرام لمدة عام قابل للتجديد، هل تراهم يسعون لاكتساب فرصة جديدة لإصلاح ما أفسدته الفاشية، وما أسالته من دماء وسببته من كوارث في دارفور، وقد كانت أمامهم السنوات الماضية بجرائمها طوال، لم يحركوا فيها ساكناً، وعندما اضطروا للتظاهر بالحركة أمام الضغوط العالمية، لم تأت تحركاتهم جدية، ولم تكن بنية إنقاذ الضحايا، بقدر محاولتها ستر عورة واحد من نظمهم الإجرامية، لهذا لم يكتسبوا مصداقية في عيون الضحايا، الذين اعتبروا تلك التحركات مناورات تهدف لاستمرار انتهاك الإنسانية، وتزيين نعوش ضحايا الفاشية العروبية بالورود؟
فصدور مذكرة اعتقال البشير من قبل المحكمة الجنائية الدولية لم يأت فجأة على غير توقع، وإنما مر بمراحل عديدة، على مدى زمني طويل، منذ أكتوبر عام 2004 حين شكل كوفي عنان أمين عام الأمم المتحدة وقتها، لجنة دولية للتحقيق فيما يجري في دارفور، ثم في يناير 2005 تم إبلاغ اللجنة الدولية للأمم المتحدة بأن هناك أدلة تدفع للاعتقاد بحدوث جرائم حرب، تستدعي التحويل للمحكمة الجنائية، وفي مارس 2005 قرر مجلس الأمن إحالة الملف للمحكمة الجنائية الدولية، بعدها بشهر تم إعلان قائمة من 51 متهماً بارتكاب جرائم حرب، وفي فبراير 2007 أعلن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية قرار اتهام كل من وزير الدولة السودانية لشئون الداخلية، وقائد إحدى الميلشيات المسلحة بدارفور، وأخيراً وجه مدعي المحكمة الجنائية الاتهام للرئيس البشير، فرفض السودان أي تعامل مع المحكمة الجنائية الدولية، وظاهرت البشير في ذلك الرفض جوقة العروبيين والأشاوس، بل واعتقل البشير في يناير 2009 حسن الترابي زعيم المؤتمر الشعبي المعارض، لدعوته للبشير بأن يسلم نفسه للعدالة الدولية.
فهل بالفعل يحتاج العروبيون ونظمهم الحاكمة سنة أخرى، علاوة على ما مضى من سنوات، يصلحون فيها ما أفسدته عروبتهم في دارفور؟
أم أنهم بسعيهم لتأجيل التوقيف يهدفون بدء حلقة جديدة من مسلسل المراوغة، التي يتقنها طغاة الشرق، للهروب من استحقاقات العدالة وحقوق إنسان تلك المنطقة المبتلاة بالتخلف والقهر، وعلى أمل التمكن من تهريب المتهم من قبضة العدالة الدولية، وتجميد قرار توقيفه، كما سبق وتم تجميد قرار توقيف اثنين من رجاله؟
ألا يستدعي الأمر بعد أن سقطت ورقة التوت، أن نتساءل لصالح من إذن تعمل تلك الأنظمة، ولصالح من يطلق الأشاوس صيحاتهم الحنجورية، إن لم يكن لصالح شعوب يقتلها الفقر والمرض، وبدلاً من أن تعمل أنظمتها وصفوتها على تخفيف معاناتها، تقوم تلك الأنظمة إما بالذبح المباشر لشعوبها، أو بالتستر والدفاع عن قادة المذابح والمجرمين، الذين أمسكت بهم أخيراً -أو توشك- يد العدالة الدولية؟
إن لم تكن العروبة ونظمها وأشاوسها يدافعون عن إنسان هذه المنطقة، وإنما يستهدفونه بنازيتهم وعنصريتهم وتشوهاتهم النفسية والفكرية، فمن لهذه الشعوب إذن؟
وهل من لوم على الشعوب المقهورة والحالة هذه -وقد ظهر جلياً بشاعة هذه النظم- أن يلجأوا لقوى الحرية والعدالة في العالم، ملتمسين منها العون والإنقاذ؟
هل من المأمول أن نرى نظاماً عربياً واحداً، يطالب البشير بتسليم نفسه، ويستنهض المجموعة الحاكمة في السودان أن تفرز المتهم من وسطها، وتسلمه للعدالة الدولية؟
هل لنا في فضائية تليفزيونية عربية واحدة، أو جريدة عربية رسمية أو خاصة، تندد بجرائم النظام الحاكم في السودان، وتنتصر لضحايا دارفور، وتطالب النظم الحاكمة بالكف عن حماية القاتل ومساندته ومحاولة تبييض وجهه وتزيين قلبه الأسود؟
لقد سقطت ورقة التوت بالتأكيد، وظهرت للعالم أجمع عورتنا وبشاعتنا ودمويتنا، لكن السؤال هو: هل نرى نحن ذلك، وهل ندرك الدرك الأسفل الذي انحدرنا إليه، بتسترنا ودفاعنا عن قاتل وذابح ومشرد شعبه، وليس قاتل ما نسميه العدو الصهيوني أو الصليبي؟
هنا لا أجد غير القول المأثور:
إن كنا ندري بوضعنا وحقيقتنا ونسكت عليها فتلك مصيبة، وإن كنا بعد هول كل ما جرى ويجري، مازلنا لا ندري وضعنا، فالمصيبة أعظم!!
فعمر البشير ليس مجرد متهم بارتكاب جنايات جنائية عادية، بل هو ممثل ومنفذ لسياسة عروبية، تستهدف محو الشعوب التي لا تنطبق عليها شروط العروبة التعسفية والفاشية، تماماً كما كان هتلر بجرائمه، ليس مجرماً جنائياً عادياً، بما ارتكبه من هولوكوست وجرائم حرب، وإنما كان منفذاً لأيديولوجيا تفوق الجنس الآري، والذي يعتبر استئصال وإخضاع الأجناس الأخرى مهمة مقدسة، لا تقل قداسة عن قداسة دعوة تعريب منطقة الشرق الأوسط.
فهل سيأتي اليوم الذي تنتصر فيه الإنسانية كما انتصرت على النازية، ليوضع العروبيون في المكان المناسب لهم، خلف القضبان، أو في سجل مزبلة التاريخ؟
[email protected]
قلنا ونقول وسنقول أن العروبة وخطابها ورؤاها وثوابتها، أيديولوجيا فاشية وعنصرية، ترتكز على قهر الإنسان، وإهدار قيم الحضارة والمعاصرة وحقوق الإنسان، لتعود بإنسان المنطقة إلى فكر وشريعة القبيلة، التي تسترخص كيان الإنسان ودماءه، لصالح هيمنة شيخ القبيلة وحاشيته، الذين يرفعون راياتهم وأحذيتهم العنصرية فوق أعناق ورؤوس الشعوب، المسخرة دوماً لخدمة أسيادها الجاثمين على أنفاسها إلى الأبد.
حين تحدثنا عن عنصرية العروبة ودمويتها، في معالجة ما سمي بقضية الصراع العربي الإسرائيلي، والذي تطور على يد مناضليها، ليصبح صراعاً إسلامياً يهودياً، لابد وأن يستمر حسب رؤاهم المحتقنة بالكراهية إلى يوم القيامة، حيث سيكونون وقتها قد انتهوا من ذبح آخر يهودي على سطح الأرض.. حين قلنا أن الأمر ليس أمر شعب فلسطيني مشرد ووطن سليب، وإلا لكانوا قد انتهجوا من السبل ما يحد من معاناة ذلك الشعب، لا ما يفاقمها مرات ومرات، وإنما الأمر هو ما يجري من حقن الشعوب بعقار الكراهية والحقد الأعمى على كل آخر، ومعاداة الحضارة وصناعها، تنفيساً لغل يعصف بالصدور الموبوءة بداء العروبة اللعين.. حين قلنا ذلك كان الاتهام الجاهز دوماً مسلطاً على رقابنا.. اتهام بالتفريط في حقوق الشعب الفلسطيني، والانسلاخ عن هذه الأمة وآمالها في العزة والكرامة، لصالح من يتربصون بها، ويتفرغون لتدبير المكائد لها وإذلالها بالهيمنة عليها.
وحين نادينا بالانفتاح على العالم، لنكون جزءاً من مسيرة الحضارة الإنسانية المعاصرة، سمعنا اتهامات أهونها أننا دعاة تغريب، وأننا طابور خامس للغزو الثقافي، الذي يهدف لمحو هوية هذه الأمة، ويستهدفها في كيانها ودينها، حتى صار العداء للعالم هو دليل إخلاص وأصالة، والحديث عن السلام والتسامح دليل تفريط وخيانة.
هكذا كانت سهام العروبة مشهرة دوماً، كأنها المدافعة عن شعوب المنطقة، في مواجهة اليهود والصهيونية تارة، والصليبيين والإمبريالية تارة أخرى، وكنا دوماً نرى أن هذا التوصيف الزائف والمصطنع ما هو إلا ورقة توت، تستر بها العروبة وأنظمتها الفاشية الحاكمة عورتها، وتروج بها ما تلوكه من شعارات، تخدع بها شعوبها المقهورة، وتدغدغ بها عواطفها الدينية ونوازعها العنصرية، المترسبة في وجدانها منذ عصور خلت، وخلفت سائر شعوب العالم الحية مثيلها وراءها، لتشق طريقها نحو مستقبل جديد كل الجدة، ومختلف كل الاختلاف.
الآن قد آن أوان سقوط ورقة التوت هذه، لتنكشف لكل ذي عينين، عورة خطاب العروبة، وبشاعة النظم الحاكمة في هذه المنطقة المضروبة بكل الأدواء، التي شفت منها سائر شعوب العالم، ماعدا شعوبنا المحشورة في نتوء زمني متكلس.. فموقف الأنظمة وزبانيتها وآلاتها الإعلامية الجهنمية من قرار المحكمة الجنائية الدولية بتوقيف عمر البشير، لمحاكمته بارتكاب جرائم حرب ضد الإنسانية، يكشف هذا الموقف بوضوح لا يستدعي شرح أو عناء، كم نحن غرقى في مستنقع العنصرية البغيضة، التي لا تنشب مخالبها فقط في أعناقنا، بل تسللت إلى دمائنا، مع ما رضعناه من حليب الكراهية والوحشية البدائية منذ الطفولة.
النظام المصري يعلن بوضوح وقوة انزعاجه من قرار توقيف البشير، لكن -فيما نذكر على الأقل- لم يسبق لذلك النظام أن أعلن انزعاجه بذات القوة مما ارتُكِب من مذابح في حق أهل دارفور، الذين هم ليسوا يهوداً وصهاينة، ولا صليبيين وإمبرياليين.. حوالي ربع مليون شخص قد قتلوا من أبناء دارفور، علاوة على ثلاثة ملايين من المشردين، كل هؤلاء لم يستدعوا انزعاجاً من نظامنا المصري المسمى معتدل، والذي يبذل مجهودات خارقة للتوحيد والمصالحة، بين جماعات فلسطينية تتدرج في درجة اعتناقها للإرهاب، ولا يمكن لها أن تتفق إلا على انتهاج أسوأ السبل لتحقيق أي هدف، أو للوصول بأي قضية إلى بر الأمان!!
حين يسعى النظام المصري إلى مجلس الأمن، ومعه المنظومة العربية المهلهلة، لتأجيل قرار توقيف المتهم بالإجرام لمدة عام قابل للتجديد، هل تراهم يسعون لاكتساب فرصة جديدة لإصلاح ما أفسدته الفاشية، وما أسالته من دماء وسببته من كوارث في دارفور، وقد كانت أمامهم السنوات الماضية بجرائمها طوال، لم يحركوا فيها ساكناً، وعندما اضطروا للتظاهر بالحركة أمام الضغوط العالمية، لم تأت تحركاتهم جدية، ولم تكن بنية إنقاذ الضحايا، بقدر محاولتها ستر عورة واحد من نظمهم الإجرامية، لهذا لم يكتسبوا مصداقية في عيون الضحايا، الذين اعتبروا تلك التحركات مناورات تهدف لاستمرار انتهاك الإنسانية، وتزيين نعوش ضحايا الفاشية العروبية بالورود؟
فصدور مذكرة اعتقال البشير من قبل المحكمة الجنائية الدولية لم يأت فجأة على غير توقع، وإنما مر بمراحل عديدة، على مدى زمني طويل، منذ أكتوبر عام 2004 حين شكل كوفي عنان أمين عام الأمم المتحدة وقتها، لجنة دولية للتحقيق فيما يجري في دارفور، ثم في يناير 2005 تم إبلاغ اللجنة الدولية للأمم المتحدة بأن هناك أدلة تدفع للاعتقاد بحدوث جرائم حرب، تستدعي التحويل للمحكمة الجنائية، وفي مارس 2005 قرر مجلس الأمن إحالة الملف للمحكمة الجنائية الدولية، بعدها بشهر تم إعلان قائمة من 51 متهماً بارتكاب جرائم حرب، وفي فبراير 2007 أعلن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية قرار اتهام كل من وزير الدولة السودانية لشئون الداخلية، وقائد إحدى الميلشيات المسلحة بدارفور، وأخيراً وجه مدعي المحكمة الجنائية الاتهام للرئيس البشير، فرفض السودان أي تعامل مع المحكمة الجنائية الدولية، وظاهرت البشير في ذلك الرفض جوقة العروبيين والأشاوس، بل واعتقل البشير في يناير 2009 حسن الترابي زعيم المؤتمر الشعبي المعارض، لدعوته للبشير بأن يسلم نفسه للعدالة الدولية.
فهل بالفعل يحتاج العروبيون ونظمهم الحاكمة سنة أخرى، علاوة على ما مضى من سنوات، يصلحون فيها ما أفسدته عروبتهم في دارفور؟
أم أنهم بسعيهم لتأجيل التوقيف يهدفون بدء حلقة جديدة من مسلسل المراوغة، التي يتقنها طغاة الشرق، للهروب من استحقاقات العدالة وحقوق إنسان تلك المنطقة المبتلاة بالتخلف والقهر، وعلى أمل التمكن من تهريب المتهم من قبضة العدالة الدولية، وتجميد قرار توقيفه، كما سبق وتم تجميد قرار توقيف اثنين من رجاله؟
ألا يستدعي الأمر بعد أن سقطت ورقة التوت، أن نتساءل لصالح من إذن تعمل تلك الأنظمة، ولصالح من يطلق الأشاوس صيحاتهم الحنجورية، إن لم يكن لصالح شعوب يقتلها الفقر والمرض، وبدلاً من أن تعمل أنظمتها وصفوتها على تخفيف معاناتها، تقوم تلك الأنظمة إما بالذبح المباشر لشعوبها، أو بالتستر والدفاع عن قادة المذابح والمجرمين، الذين أمسكت بهم أخيراً -أو توشك- يد العدالة الدولية؟
إن لم تكن العروبة ونظمها وأشاوسها يدافعون عن إنسان هذه المنطقة، وإنما يستهدفونه بنازيتهم وعنصريتهم وتشوهاتهم النفسية والفكرية، فمن لهذه الشعوب إذن؟
وهل من لوم على الشعوب المقهورة والحالة هذه -وقد ظهر جلياً بشاعة هذه النظم- أن يلجأوا لقوى الحرية والعدالة في العالم، ملتمسين منها العون والإنقاذ؟
هل من المأمول أن نرى نظاماً عربياً واحداً، يطالب البشير بتسليم نفسه، ويستنهض المجموعة الحاكمة في السودان أن تفرز المتهم من وسطها، وتسلمه للعدالة الدولية؟
هل لنا في فضائية تليفزيونية عربية واحدة، أو جريدة عربية رسمية أو خاصة، تندد بجرائم النظام الحاكم في السودان، وتنتصر لضحايا دارفور، وتطالب النظم الحاكمة بالكف عن حماية القاتل ومساندته ومحاولة تبييض وجهه وتزيين قلبه الأسود؟
لقد سقطت ورقة التوت بالتأكيد، وظهرت للعالم أجمع عورتنا وبشاعتنا ودمويتنا، لكن السؤال هو: هل نرى نحن ذلك، وهل ندرك الدرك الأسفل الذي انحدرنا إليه، بتسترنا ودفاعنا عن قاتل وذابح ومشرد شعبه، وليس قاتل ما نسميه العدو الصهيوني أو الصليبي؟
هنا لا أجد غير القول المأثور:
إن كنا ندري بوضعنا وحقيقتنا ونسكت عليها فتلك مصيبة، وإن كنا بعد هول كل ما جرى ويجري، مازلنا لا ندري وضعنا، فالمصيبة أعظم!!
فعمر البشير ليس مجرد متهم بارتكاب جنايات جنائية عادية، بل هو ممثل ومنفذ لسياسة عروبية، تستهدف محو الشعوب التي لا تنطبق عليها شروط العروبة التعسفية والفاشية، تماماً كما كان هتلر بجرائمه، ليس مجرماً جنائياً عادياً، بما ارتكبه من هولوكوست وجرائم حرب، وإنما كان منفذاً لأيديولوجيا تفوق الجنس الآري، والذي يعتبر استئصال وإخضاع الأجناس الأخرى مهمة مقدسة، لا تقل قداسة عن قداسة دعوة تعريب منطقة الشرق الأوسط.
فهل سيأتي اليوم الذي تنتصر فيه الإنسانية كما انتصرت على النازية، ليوضع العروبيون في المكان المناسب لهم، خلف القضبان، أو في سجل مزبلة التاريخ؟
[email protected]
التعليقات