موسى النمراني من صنعاء: من يصدق أن مدينة المكلا الساحرة ستخنقها المياه فجأة بلا رحمة فتقطع أوصالها بشكل قاس ومن بإمكانه أن يقدر حجم التراب الذي جرفه الماء من تاريخ مدينتها شبام، مدينة الطين الأزلي بأبنيتها المتقاربة الشامخة تحاصرها المياه في هذه اللحظة فتمنع عنها الاتصال بمحيطها وتذوب أطرافها لتعود إلى ماقبل عصر البناء . انهارت المدينة والصحراء في محافظة حضرموت جنوبي شرق اليمن بعد أن واجهت بحكم موقعها الجغرافي غضب الطبيعة التي جعلتها في مجال المنخفض الجوي لتحط فيها رحال بحار الماء التي كانت عالقة في السماء قبل أن تفجع المدينة التي لاتملك مايمكن أن نسميه بنية تحتية لمواجهة مثل هذه الكارثة بحسب إفادة الأهالي، وفجأة أعلن التلفزيون الرسمي عن زيارة ميدانية يقوم بها الرئيس اليمني علي عبد الله صالح لتفقد ضحايا السيول في حضرموت وجارتها المهرة لكن الأسوأ لم يكن قد حدث بعد ، فقد استمرت الأمطار ثلاثين ساعة غير أنها ألحقت أضرارا بالغة بما كان متوفرا لحضرموت من أشكال الحياة.

مابين 64 ضحية في اليوم الأول من الأسبوع و 116 ضحية في نتائج اليوم الأربعاء لايزال آلاف البشر محاصرون في مناطق صحراوية كانت جافة إلى الأسبوع الأخير ولايزال آلاف البشر أيضا معزولون في مناطق سكنية عشوائية البناء ذات مسالك وعرة بنيت في الليل وغرقت في الليل أيضا قدرتها الإحصاءات الرسمية الولية بأكثر من ثلاثة آلاف بيت.

وبدأت فرق الإنقاذ عملها بشكل عملي بحسب تأكيد الأهالي الذين يكنون لفرق الإنقاذ جميلا في قلوبهم إلا أن بعض الضحايا يشكون لوسائل الإعلام من عدم وصول المساعدات إليهم وهو أمر طبيعي بحسب المحامي عبد الرحمن برمان الذي قال أن ذلك يعد أمرا طبيعيا مع اتساع مساحة الكارثة إلا أنه يؤكد أنه من المحتمل أن هناك جريمة ترتكب الآن من خلال الإهمال الرسمي لإنقاذ مدينة شبام التأريخية ويقول في حديث لإيلاف أن الدستور ينص في المادة 34 أنه على الدولة وجميع أفراد المجتمع حماية وصيانة الآثار والمنشات التاريخيه وكل عبث بها او عدوان عليها يعتبر تخريبا وعدوانا علي المجتمع ,ويعاقب كل من ينتهكها او يبيعها وفقا للقانون، ويقول برمان أن الإهمال يعد شكلا من أشكال الانتهاك وهو مايعبر عنه بالمسئولية التقصيرية.

تتالت المساعدات والمبالغ المالية المخصصة للضحايا الذين أخرجهم الماء من بيوتهم إلى العراء وبدأت بطلب من الحكومة بتخصيص ملياري ريال لمعالجة نتائج الكارثة ثم وصلت مقدار التبرعات التي جمعها رجال أعمال يمنيون غاب عنهم التجار الحضارم أكثر مائة وتسعة مليون دولار أمريكي ثم أعلنت المملكة العربية السعودية تبرعها بمائة مليون دولار بينما اكتفت الحكومة الأمريكية بخمسين ألف دولار فقط.

وفي الوقت الذي يغرق فيه الأهالي ببحار حديثة التكوين من مياه السيول التي غطت الوديان فإنهم إلى اليوم يعجزون عن الحصول على مياة صالحة للشرب حيث أكد الكاتب الصحفي سعيد بامكريد في اتصال هاتفي بإيلاف أن الأهالي لا يجدون مياه الشرب إلا بصعوبة بالغة وأنهم يحصلون عليها بعد الوقوف في طوابير مرهقة في مناطق بعيدة من المدينة .
الكارثة على مأساويتها لم تمنع السياسيين من ممارسة أدوار المماحكة حيث سارعت أحزب اللقاء المشترك إلى انتقاد ما أسمته تباطؤ الأجهزة الحكومية عن إنقاذ المتضررين ولم يتاخر الرد عليهم من قبل الحزب الحاكم بل جاء أسرع من عمليات الإنقاذ حيث وصفهم بأنهم يعيشون في أوساط لاعلاقة لها بالشارع ويؤكد أن هذا هو السبب الذي جعل الشارع يرفضهم في صناديق الانتخابات.

إلا أن ممحاكات السياسيين لم تمنع الكاتب الشاب أحمد شوقي من الشعور بالألم تجاه ما حدث لمدينة شبام التأريخية على وجه التحديد حيث يقول أن ما حدث كانَ طاغياً، مضيفا ،اشعرُ بأننا أقلّ من أن نحتمل هذا، ما حدث كان كارثة مفتوحة الرصيد، وأصبح علينا التسديد، تألمتُ كثيراً وشعرتُ بأن بلدي تمرّ باسوأ أيامها خلال التاريخ المعاصر، ليست النكبة في كارثة بشرية ومادية فقط، ويؤكد شوقي أن أشدّ ما آلمه في كلّ هذا ما حدث في شبام، أول ناطحات سحاب في التاريخ يدمَّرُ كثيرٌ منها بدون حتى أن نفعل شيئاً لأجل حمايتها.

ليست المرة الأولى التي تصاب فيها اليمن بكارثة ما لكنها المرة الأخيرة حتى الآن وتاتي خصوصية هذه الكارثة من حيث موقعها الجغرافي إذ طالما كانت حضرموت بعيدة عن الكوارث إلى بدأت أولى كوارثها بالإرهاب وهاهي اليوم تتجرع كارثة الغرق دون أن يكون له وصف دقيق، حيث تتفاوت الأوصاف مابين إعصار وعاصفة ومنخفض جوي وسيل ناتج عن ارتاع منسوب المياه بحسب أدق التصنيفات.