اعتبر خبراء أن السيسي نجح خلال أقل من ستة أشهر في استعادة دور مصر في محيطها الأفريقي، بعد غياب امتد لعشرات السنين، بسبب إهماله من قبل الرئيس السابق حسني مبارك، في أعقاب تعرّضه لمحاولة اغتيال في العاصمة الأثيوبية أديس أبابا في منتصف التسعينات من القرن الماضي.
صبري عبد الحفيظ من القاهرة: استطاع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي استعادة علاقات مصر مع أفريقيا، خلال فترة قياسية، فالتقى نحو 12 رئيسًا أفريقيًا، كما قصد العديد من الوفود الأفريقية الرسمية القاهرة، وعقدت لقاءات مع السيسي وكبار مسؤولي الدولة، إضافة إلى رئيس الوزراء إبراهيم محلب.
ويحاول الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي استعادة الدور المصري في أفريقيا بقوة، فعقد اجتماعات مع 12 رئيسًا أفريقيًا في القاهرة أو في العواصم الأفريقية أو في مدينة نيويورك الأميركية أثناء انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة.
بانزا بعد ديبي
وبعد أقل من أسبوع على زيارة الرئيس التشادي إدريس ديبي للقاهرة، ولقائه مع السيسي، تزور القاهرة حاليًا رئيسة أفريقيا الوسطى، كاترين سامبا بانزا، وعقدت جلسة مباحثات مشتركة مع السيسي اليوم، الخميس، في قصر الاتحادية في القاهرة، وذلك في إطار زيارتها لمصر التي تستمر ثلاثة أيام.
وقال السفير علاء يوسف المتحدث باسم رئاسة الجمهورية، إن الرئيسين استعرضا خلال المحادثات، العلاقات الثنائية التي تجمع البلدين، فضلًا عن أهم القضايا الدولية الراهنة، مُعربين عن ترحيبهما بعلاقات الصداقة، والتعاون الحالية، التي تجمع بين البلدين والشعبين، كما تبادل الجانبان وجهات النظر حول سُبُل ووسائل تنشيط هذه العلاقات وتعميقها، بحيث تسفر عن تحقيق التعاون المثمر الذي يلبي طموحات الشعبين.
أضاف: وناقش الرئيسان ضرورة وأهمية إعادة فتح سفارة مصر المُغلقة في بانغي، لضمان متابعة أفضل للروابط، التي تجمع بين البلدين، وفي إطار علاقات التعاون بينهما. وفي ما يتعلق بجهود إعادة الاستقرار السياسي والأمني في جمهورية أفريقيا الوسطى، قال يوسف: أطلعت كاترين سامبا بانزا، رئيسة جمهورية أفريقيا الوسطى، الرئيس عبد الفتاح السيسي، على خريطة الطريق، التي تبنتها الحكومة الانتقالية هناك، والتي ستؤدي بدورها إلى إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في 2015، ليعرب رئيس الجمهورية، عبد الفتاح السيسي، عن تشجيعه لمواصلة العمل على تحقيق الاستقرار والانتعاش الاقتصادي لجمهورية أفريقيا الوسطى.
قبِل دعوة بانغي
وأعربت كاترين سامبا بانزا، رئيسة جمهورية أفريقيا الوسطى للرئيس السيسي عن أملها في مواصلة مصر لدورها كوسيط في مختلف الأزمات التي يواجهها الشرق الأوسط والدول الأفريقية. كما دعا الرئيسان المجتمع الدولي إلى الانخراط بصورة أكبر في مكافحة الجماعات الإرهابية، وكذا تسوية النزاعات في الشرق الأوسط وأفريقيا.
وجّهت كاترين سامبا بانزا، رئيسة أفريقيا الوسطى، دعوة رسمية للرئيس السيسي إلى القيام بزيارة صداقة إلى جمهورية أفريقيا الوسطى، وقد أعلن الرئيس قبوله الدعوة، على أن يتم تحديد موعد الزيارة من خلال الطرق الدبلوماسية.
وكان الرئيس المصري السابق حسني مبارك ولى ظهره لأفريقيا بعد تعرّضه لمحاولة إغتيال فاشلة أثناء مشاركته في القمة الأفريقية في العاصمة الأثيوبية أديس أبابا في العام 1995. وقال السفير محمود عصام الدين، مساعد وزير الخارجية السابق، لـ"إيلاف" إنه منذ محاولة اغتيال مبارك ضعف التمثيل الدبلوماسي والسياسي لمصر في محيطها الأفريقي، وتحوّل العمل الدبلوماسي في العواصم الأفريقية إلى عقاب للمغضوب عليهم من السفراء أو الدبلوماسيين.
تلاشي أحلام
أضاف أن مبارك توجّه بكل ثقل مصر السياسي والإستراتيجي نحو الغرب، لاسيما أميركا، خاصة مع ظهور مشروع توريث نجله جمال الحكم، وحاول الحصول على مباركة الغرب وأميركا، إلا أن ثورة المصريين في 25 يناير 2011، قضت على أحلام نجله في الحكم.
ونبّه إلى أن مصر انشغلت بالداخل منذ الثورة، ولم تستطع استعادة دورها في أفريقيا، بل تكبدت المزيد من الخسائر، بعد ثورة 30 يونيو، عندما جمّد الإتحاد الأفريقي عضويتها، لأنه اعتبر أن عزل الرئيس السابق محمد مرسي بمثابة انقلاب عسكري. ولفت إلى أن السيسي استطاع خلال أقل من ستة أشهر استعادة الدور المصري في أفريقيا.
وتأتي زيارة رئيسة أفريقيا الوسطي، بعد أقل من أسبوع على زيارة الرئيس التشادي أدريس ديبي للقاهرة، وأعرب ديبي عن سعادته باستعادة مصر دورها في أفريقيا، وقال خلال مؤتمر صحافي مشترك مع السيسي: "كرم الضيافة الذي قوبل به هو والوفد المرافق له منذ وصولهم إلى القاهرة، ترك فيهم أثرًا كبيرًا"، وأضاف: إن مصر هي أم الدنيا"، مشيرًا إلى أن "أفريقيا تفخر بأنها قدمت إلى البشرية إرثًا حضاريًا عظيمًا، وأن مصر أثبتت قدرتها على مواجهة أصعب التحديات".
لمصلحة المنطقة
وامتدح ديبي الرئيس المصري، وقال: "بفضل شجاعتكم السياسية استطاعت مصر استعادة سلامها وأمنها، وهذا لن يؤثر باﻹيجاب على مصر فقط، بل على أفريقيا كلها والعالم العربي". وأضاف: "العلاقات بين البلدين توطدت أكثر من الماضي، وأن مصر ذات الحضارة العريقة تحظى باحترام كبير بين الأمم المحبة للسلام والحرية"، واختتم المؤتمر بالهتاف المصري الشهير"تحيا مصر.. تحيا تشاد.. يحيا التعاون بين الشعبين". مصر تمتلك علاقات تاريخية وعميقة مع دول أفريقيا، دشنت منذ عهد الفراعنة، واستمرت في التقدم والتعمق في العصر الحديث في عهد محمد علي باشا وأبنائه.
وقال السفير محمد يوسف، مساعد وزير الخارجية السابق، لـ"إيلاف"، إن تلك العلاقات وصلت إلى ذروتها في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وساهمت مصر في دعم حركات التحرر الأفريقي من الإستعمار الأجنبي، واستطاع الرئيس الراحل أنور السادات الحفاظ على هذه العلاقات، مشيرًا إلى أن مبارك أهدر علاقات مصر مع أفريقيا في أعقاب محاولة اغتياله في أديس أبابا. ولفت إلى أن غياب مصر عن أفريقيا كبّدها الكثير من الخسائر الإقتصادية والسياسية والإستيراتيجية.
وأوضح أن أثيوبيا أستطاعت البدء في بناء سد النهضة، الذي يضر بمصالح مصر المائية والإستراتيجية، كما إن إسرائيل استطاعت ملء الفراغ المصري في أفريقيا، وقال إنه يمكن لأي زائر إلى دول حوض النيل مثلاً أن يلحظ الوجود الإسرائيلي الكثيف هناك، في مختلف المجالات منها الزراعة والسياحة والتجارة. ونبه إلى أن الغياب المصري ساهم بقوة في وقوع العديد من الأزمات في السودان، فانفصل إلى دولتين، بعدما كان واحدًا.
محاولات "المقاولون العرب"
عملت شركات النصر لصناعة السيارات وشركة المقاولون العرب، وغيرها من الشركات المصرية في تعزيز التعاون مع دول أفريقيا، واستطاعت بناء إقتصاديات دول أفريقيا بعد التحرر من الإستعمار، في عهد الرئيسين جمال عبد الناصر وأنور السادات، إلا أن الوجود الإقتصادي المصري حاليًا يكاد يكون منعدمًا، في ظل تجاهل نظام مبارك لأفريقيا، وتوجّه رجال الأعمال المصريين نحو أوروبا وأميركا، وغياب الشركات الحكومية، بعد تبني مبارك برنامج الخصخصة، الذي بيع غالبية الشركات المصرية المملوكة للدولة.
أحرز الرئيس عبد الفتاح السيسي تقدمًا ملحوظًا في استعادة مصر دورها في أفريقيا، وقال السيسي خلال لقائه نظيره التشادي: "البُعد الأفريقي يمثل أحد أهم ثوابت سياسة مصر الخارجية"، مشيرًا إلى أن "مصر تتجه نحو تعزيز انفتاحها على أفريقيا بعد ثورتيّ الشعب المصري". وقال الدكتور أيمن شعبان، الخبير في الشؤون الأفريقية، إن توجه السياسة المصرية نحو تعزيز العلاقات مع أفريقيا بدا واضحًا جدًا منذ تولي السيسي الرئاسة.
أضاف لـ"إيلاف" أن أول زيارة خارجية للسيسي كانت للجزائر، ثم إلى غينيا الإستوائية لحضور القمة الأفريقية، ثم السودان، واستقبل العديد من الرؤساء والزعماء الأفارقة في القاهرة، وعقد لقاءات مع بعضهم على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.
السد وأزمة ليبيا
ولفت إلى أن السيسي يدري جيدًا أن انفصال مصر عن محيطها الأفريقي أضر بها كثيرًا، لاسيما في ما يخص أزمة سد النهضة، خاصة أن غالبية دول حوض النيل، بما فيها السودان، أيدت أثيوبيا في نزاعها مع مصر. ونبّه إلى أن السيسي يسعى أيضًا إلى تطويق الأزمة الليبية، من جميع الجوانب، لاسيما أنها تشكل خطرًا على دول الجوار الأفريقية، ومنها مصر والنيجر وتشاد والسودان.
وأوضح شعبان أن السيسي يهدف أيضًا من وراء تعزيز العلاقات مع دول أفريقيا إلى ضمان حصول مصر على مقعد أفريقيا الموقت في مجلس الأمن. ونبّه إلى أن أفريقيا غنية بالموارد الإقتصادية، ولديها ثروات هائلة من النفط، وتسعى مصر إلى الإستفادة من هذه الإقتصاديات في إطار شراكة حقيقية مع مختلف دول القارة.
انفتاح أثيوبي
ويزور وفد شعبي من أثيوبيا، مصر حاليًا أيضًا، إذ استقبل السيسي الوفد في مقر رئاسة الجمهورية، بحضور سامح شكري، وزير الخارجية، والسفير محمد إدريس، سفير مصر لدى أديس أبابا، والدكتور محيي الدين عفيفي، أمين عام مجمع البحوث الإسلامية، والأنبا بيمن، ممثلاً عن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، وقال السفير علاء يوسف، المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية، إن السيسي استهل اللقاء بالتأكيد على أن مصر تبدأ حقبة جديدة للانفتاح على أفريقيا، ولاسيما مع أثيوبيا، مُرحّبًا بالوفد الأثيوبي، ومؤكدًا أنهم في بلدهم الثاني مصر.
كما أبدى الرئيس استعداده لزيارة البرلمان الأثيوبي ومخاطبة نواب الشعب الأثيوبي، للتأكيد على أن مصر تتمنى لأثيوبيا ولشعبها الصديق كل التوفيق والتنمية والازدهار، ومنوهًا بضرورة التعاون من أجل الإعمار والبناء والتغلب على التحديات التي تواجه الشعبين المصري والإثيوبي. وقال السيسي خلال لقائه مع الوفد الأثيوبي إنه مع التأكيد على أن نهر النيل، وإن كان يمثل للأثيوبيين مصدرًا للتنمية، فإنه بالنسبة إلى المصريين مصدرٌ للحياة، وليس فقط للتنمية، فحصة مصر من المياه ظلت ثابتة عند 55.5 مليار متر مكعب منذ أن كان تعداد سكانها أقل من 20 مليون نسمة، ووصل الآن إلى تسعين مليون نسمة.
&
التعليقات