تزداد الادلة التي تربط سوريا بالهجمات الارهابية التي اجتاحت باريس أخيرًا، إذ تبين أن أحد المهاجمين كان في سوريا في عام 2012، دخلها عبر تركيا.&
إعداد عبد الاله مجيد: جمعت التحقيقات في اعتداءات باريس، التي تجري بوتيرة متسارعة على جانبي المحيط الأطلسي، خيوطًا بينها سيارة عُثر عليها في ضواحي باريس وبداخلها أسلحة ودلائل أخرى على علاقة بين تنظيم الدولة الاسلامية (داعش) والاعتداءات. ويشكل التحري عن ثلاثة أشقاء يعيشون في بلجيكا جانبًا أساسًا في مؤامرة حسنة التخطيط والتنسيق.
ومع تحرك المحققين على جبهات متعددة، ومطاردة مشتبه به قيل إنه خطير، فيما يبقى الكثير مما يرتبط بالاعتداءات مجهولًا، تشير أدلة متزايدة إلى أن واحدًا على الأقل من المهاجمين زار سوريا.
ضربة إستباقية تأخرت
ثمة مهاجمون آخرون كانوا يتصلون بعناصر معروفة في داعش قبل الهجوم على باريس، كما قال محققون. كما يحقق المسؤولون في إمكان إرسال مواطن سوري للانضمام إلى المهاجمين بدخوله اوروبا مع آلاف اللاجئين. وقال مسؤولون فرنسيون إن الاستخبارات الاميركية نبهتهم في ايلول (سبتمبر) الماضي إلى وجود معلومات مبهمة ذات مصداقية بأن جهاديين فرنسيين في سوريا يخططون لهجوم في باريس.
واضاف المسؤولون أن هذه المعلومات أسهمت في قرار فرنسا توجيه ضربات جوية كانت تأمل بأن تكون استباقية في 8 تشرين الأول (اكتوبر)، مستهدفة مواقع داعش في الرقة التي اعلنها عاصمة له.
وتأتي اعتداءات باريس، التي اوقعت حتى الآن 129 قتيلاً ومئات الجرحى بعد أقل من عام على الهجوم الارهابي على مكاتب مجلة شارلي ايبدو في كانون الثاني (يناير) الماضي. لكنّ مسؤولين اميركيين وفرنسيين قالوا إن ما اتسمت به الاعتداءات الأخيرة من تعقيد وتنسيق يشير إلى التطور المتزايد والمشؤوم الذي بلغته الشبكات الارهابية في تنفيذ عملياتها.
كما اظهرت الاعتداءات أن مثل هذه الشبكات العاملة في اوروبا لا تعترف بأي حدود، الأمر الذي يشكل تحديًا آخر للأجهزة الأمنية في دول القارة. واشارت السلطات إلى أن عددًا من المهاجمين عاشوا بعيدًا عن الأنظار في بلجيكا، فيما كانوا يستعدون لضرب فرنسا.
حسّ أمني عالٍ
قال مسؤولون استخباراتيون اوروبيون إن المهاجم الذي يعتقدونه سافر إلى سوريا هو المواطن الفرنسي عمر اسماعيل مصطفى الذي توجه إلى تركيا عام 2012، وتسلل منها على الأرجح إلى سوريا. ويعتقد المسؤولون الأوروبيون أن المهاجمين استخدموا اتصالات مشفرة من دون أن يقدموا دليلًا على ذلك. ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن مسؤول اوروبي رفيع في مكافحة الارهاب طلب عدم كشف اسمه: "ان هؤلاء الأشخاص كانوا على درجة عالية من الوعي الأمني، وافترضوا انهم يخضعون لمستوى ما من المراقبة، وكانوا يتحركون على هذا الأساس".
وقال مسؤول فرنسي إن بعض المهاجمين ابدوا مستوى من الانضباط يشير إلى تلقيهم تدريبًا عسكريًا، وإن جماعة حسنة التنظيم دبرت المؤامرة بقدر كبير من التخطيط والإعداد. لكنّ محللين لاحظوا فشل المهاجمين في عدد من اهدافهم مثل استهداف ملعب فرنسا بثلاثة تفجيرات من دون وقوع خسائر بشرية تُذكر. كما تبجح داعش بتنفيذ هجوم في المنطقة 18 من باريس، لكنّ هجومًا لم يقع في المنطقة.
كما أن المتفجرات التي استخدمها الانتحاريون في ست هجمات على الأقل لم تكن متطورة، بحسب بعض المحللين، بل إن احد الانتحاريين لم يتمكن إلا من قتل نفسه في أحد مقاهي باريس. وقال المسؤولون إن حزامه الناسف ربما انفجر قبل أن يصل إلى هدفه في المنطقة 18.
ومع ذلك، اتفق المحللون والمسؤولون الأمنيون على أن استعداد المهاجمين لتنفيذ تفجيرات انتحارية والقتل بلا وازع بأسلحة يدوية يشير إلى مستوى جديد من التزام تنفيذ هجمات في اوروبا.&
طلقة فطلقة
قال آلن باور، الخبير المختص بدراسة الجريمة ويعمل مستشارًا للحكومة الفرنسية: "إن الأمر الرئيس هو تصميم المهاجمين، وهذا جديد في فرنسا واوروبا حيث يميل المجرمون إلى القتل بطلقة فطلقة". واعرب وزير الداخلية الفرنسية برنار كازينوف عن اعتقاده بأن المهاجمين "اجروا تحضيراتهم في الخارج وجندوا فريقًا من المشاركين في بلجيكا وربما استعانوا بشركاء في فرنسا".
ويتمثل التحدي الآني الذي يواجه المحققين في التعرف على هويات جميع المهاجمين وجمع معلومات تبين كيف نفذوا المخطط. فالمهاجم الوحيد الذي تعرفوا على هويته من اصبعه في مسرح باتاكلان هو عمر اسماعيل مصطفى، الابن الأوسط لأب جزائري وأم برتغالية وعمل لفترة من الوقت في مخبز، بحسب جار سابق للعائلة في مدينة شارتر التي تبعد نحو 100 كلم جنوب غرب باريس.
وقال مسؤولون اوروبيون إن مصطفى سافر إلى تركيا عام 2012، ومنها إلى سوريا. ولا يُعرف أين ذهب خلال الرحلة والفترة التي امضاها وبمن التقى، لكنّ مسؤولين قالوا انهم واثقون أن مصطفى دخل سوريا وعاد إلى فرنسا.
ثلاثة اشقاء
تركزت جهود المحققين لمعرفة هويات المهاجمين الآخرين على بلجيكا؛ إذ اعتقلت السلطات عدة اشخاص في منطقة مولنبيك العمالية الفقيرة في بروكسل حيث يعيش الكثير من المهاجرين العرب، وارتبط اسمها بهجمات ارهابية. فمن هذه المنطقة تمكن احمد كوليبالي، الذي نفذ الهجوم على متجر يهودي في باريس، من شراء اسلحة، وكذلك مهدي نموش المواطن الفرنسي الذي هاجم المتحف اليهودي في بروكسل عام 2014. وفي عهد أقرب، يُعتقد بأن المغربي ايوب الخزاني الذي قام بمحاولة فاشلة لمهاجمة قطار في فرنسا عاش في مولنبيك فترة من الوقت.
واعلن رئيس الوزراء البلجيكي شارل ميشال الاحد انه لاحظ أن هناك في كل مرة علاقة بمنطقة مولنبيك.
وتعرف المحققون في بلجيكا على هويات ثلاثة اشقاء في مولنبيك قالوا انهم من أكبر المشتبه بهم في اعتداءات باريس. واعلن المحققون أن احدهم هو ابراهيم عبد السلام، الانتحاري الذي هاجم مقهى في شارع فولتير، والثاني شقيقه محمد الذي اعتُقل في مولنبيك السبت، والثالث صلاح عبد السلام (26 عامًا) الذي تطارده السلطات الفرنسية. ويبدو انه افلت منها بعد الهجمات مباشرة؛ إذ اوقفته الشرطة طالبة منه ابراز اوراقه الثبوتية، وسمحت له بالاستمرار في رحلته بعد أن قدمها لها.
استُئجرت سيارتان استخدمتا في الاعتداءات من محل في بلجيكا، كما اكد المدعي العام البلجيكي يوم الأحد.
وإلى جانب بلجيكا تركز التحقيقات على وجود شبكة اسناد في فرنسا وعلى اليونان التي من الجائز أن يكون احد المهاجمين دخل فرنسا عن طريقها، منتحلًا صفة لاجئ. ولا يُعرف حتى الآن إن كان احد الانتحاريين مواطنًا سوريًا وصل إلى اليونان على متن واحد من آلاف القوارب القادمة من تركيا محملة بالسوريين الهاربين من الحرب في بلدهم؛ إذ عثر المحققون على جواز سفر سوري قرب أشلاء أحد الانتحاريين.
إسناد فرنسي
وأكد مسؤولون يونانيون أن شخصًا يحمل هذا الجواز باسم احمد المحمد (25 عامًا) وصل إلى جزيرة ليروس اليونانية في 3 تشرين الأول (اكتوبر)، ثم واصل رحلته إلى كرواتيا وصربيا. وامكان اندساس ارهابيين بين اللاجئين لدخول اوروبا أجج السجال المحتدم اصلا حول المهاجرين في اوروبا.
لكن المسؤول الاوروبي في مكافحة الارهاب، الذي تحدث لصحيفة نيويورك تايمز، لفت إلى أن السلطات ما زالت غير مقتنعة بأن صاحب جواز السفر هذا هو أحد المهاجمين. وقال المسؤول إن داعش يحتفظ بجوازات سفر المقاتلين الأجانب الذين يصلون إلى سوريا، وإذا قُتلوا أو حتى إذا لم يُقتلوا يمكن اعطاء جواز السفر إلى شخص عائد إلى بلده في اوروبا. وحصلت الولايات المتحدة وفرنسا ودول اوروبية أخرى أخيرًا على معلومات تبين أن داعش يخطط لشيء ما في فرنسا لكنها لم تعرف متى وماذا يستهدف، كما قال مسؤولون اميركيون كبار.
ومنذ سيطرة داعش على مناطق واسعة من سوريا والعراق في 2014 رصدت الأجهزة الاستخباراتية الغربية جملة واسعة من الأحاديث والدردشات عن مخططات ومؤامرات محتملة ولكن العديد منها لم يجد طريقه إلى التنفيذ.
وقال مسؤول اوروبي: "كان لدينا مؤشر إلى أن شيئًا ما يجري، لكن لم تكن لدينا معلومات كافية للتحرك واجهاضه. فنحن لم نكن نعلم متى وأين".
التعليقات