فيما يستعد تنظيم "داعش" للاحتفال بذكرى سيطرته على مدينة الموصل ثاني أكبر مدن البلاد بعد العاصمة بغداد وما أطلق عليه "يوم الفتح" فان التحقيقات الجارية لتحديد المسؤول عن هذه العملية التي أتاحت للتنظيم التمدد إلى محافظات أخرى ولتدور معارك شرسة ما زالت تنزف دمًا منذ 12 شهرًا وسط فشل في القدرة أو الرغبة بتحديد الجهة المسؤولة عن وقوع هذه الكارثة التي يعاني منها العراق الان.

لندن: يصادف الاربعاء المقبل العاشر من الشهر الحالي الذكرى السنوية الاولى لسقوط مدينة الموصل مركز محافظة نينوى (375 كم شمال بغداد) بيد تنظيم الدولة الاسلامية "داعش" ولتدخل البلاد في نفق مظلم لم تستطع الخروج منه بعد رغم تشكيل تحالف دولي ضد التنظيم يضم 62 دولة ومنظمة لمواجهته وحيث لايزال يحقق تقدما على الارض في العراق نزح امام اختراقاته حوالى ثلاثة ملايين عراقي هربا من العمليات العسكرية الجارية لمواجهته.

وتتزامن الذكرى السنوية لاحتلال الموصل مع اعلان قائد عمليات نينوى اللواء الركن نجم الجبوري اليوم الاثنين وصول أعداد من طائرات A-10 الأميركية إلى العراق للمشاركة في عمليات تحرير الموصل والمباشرة بضرب مواقع "داعش" ومراكز تجمعاته في المحافظة.

وأوضح الجبوري في تصريح صحافي أن هذه الطائرات تمتاز بمدفعها الرشاش 30 ملم الذي يعمل على توفير مرونة أكبر في معالجة تكتيك مقاتلي "داعش" بالتنقل بشكل فردي سواء العجلات أو الافراد إضافة لمنظومة الصواريخ الذكية التي تحملها.

وأوضح أن طائرة A-10 تعتبر أول طائرة تصمم خصيصا من أجل القيام بمهام القذف الارضي ولتقديم الدعم للقوات البرية وهي تتمتع بالبساطة والفعالية في الوقت نفسه ويمنحها محركاها المزدوجان ،القدرة على الهجوم على العديد من الأهداف الأرضية بما فيها الدبابات والعديد من العربات المدرعة.

تشكيل قوات الحشد الشعبي.. والتحالف الدولي لمواجهة داعش

ولعل أكبر تطور شهدته البلاد على خلفية احتلال الموصل هو تشكيل قوات الحشد الشعبي من المتطوعين العراقيين وإعلان الرئيس الأميركي باراك أوباما عن تحالف دولي لمواجهة "داعش" يضم 62 دولة ومنظمة دولية.

فقد دخلت المرجعية الشيعية ممثلة بالمرجع الاعلى آية الله السيد علي السيستاني على خط مواجهة "داعش" من خلال فتواه بالجهاد الكفائي للتطوع من اجل خوض المعركة ضد التنظيم إلى جانب القوات الامنية التي كانت تشهد انهيارات متتالية امام تقدم التنظيم واحتلاله لمناطق جديدة عقب فرض سيطرته الكاملة على الموصل.

وفعلا فقد تطوع مئات الالاف من العراقيين وخاصة الشيعة منهم عبر تشكيلاتهم المسلحة المشكلة اصلا خلال السنوات الاخيرة التي اعقبت دخول القوات الأميركية إلى البلاد عام 2003.

وقد تم اطلاق تسمية "الحشد الشعبي" على تشكيلات المتطوعين هذه والتي خاضت معارك شرسة ضد التنظيم استطاعت من خلالها تحرير مناطق شاسعة في محافظات ديإلى وكركوك وصلاح الدين والانبار وما تزال متحفزة لاستكمال عمليات التحرير وخاصة في الرمادي والموصل. لكن اتهامات وجهت لبعض عناصر الحشد بارتكاب انتهاكات طائفية ضد سكان المناطق التي تم تحريرها من "داعش" وهي انتهاكات تبرأت منها السلطات واعتبرتها فردية كما أدانتها المرجعية الشيعية العليا.

وعقب ذلك شكلت الولايات المتحدة تحالفاً دولياً ضم حوالى 62 دولة بينها عربية ومنظمات دولية لقتال التنظيم المتطرف في العراق وسوريا باستخدام الطائرات المقاتلة واخرى من دون طيار إضافة إلى الدعم اللوجستي والانساني المقدم للقوات العراقية.

لكن انجازات هذا التحالف مازالت متواضعة وتثار بين الحين والاخر انتقادات لضعف ادائه وعدم وفاء دوله بالتزاماتها التي قطعتها لمساعدة العراق وهو امر عبر عنه رئيس الوزراء حيدر العبادي خلال مشاركته في اجتماع التحالف في باريس الاسبوع الماضي حين قال "تلقينا وعودا كثيرة بدعمنا ومساعدتنا لمواجهة تنظيم داعش لكننا استلمنا القليل منها".

البرلمان يشكل لجنة تحقيق

وازاء الاتهامات المتبادلة بين القادة العسكريين والقوى السياسية حول تحديد الجهة المسؤولة عن سقوط الموصل فقد شكل مجلس النواب قبل اشهر لجنة برلمانية للتحقيق في الامر استمعت خلالها إلى العديد من القادة العسكريين الذين كانوا يتولون مسؤوليات امنية في القيادة العامة للقوات المسلحة او في محافظة نينوى لدى احتلال عاصمتها الموصل.

لكن اللجنة لم تعلن عن نتائج تحقيقاتها لحد الان رغم تسرب معلومات بين الحين والاخر حول عملها وما توصلت اليه من تحقيقات الا انها لم تستطع استدعاء اي من المسؤولين السياسيين الكبار وفي مقدمهم رئيس الوزراء القائد العام للقوات المسلحة لدى احتلال المدينة نوري المالكي والذي تؤكد مصادر عسكرية وسياسية متعددة انه لايمكن لاي تشكيل عسكري الانسحاب دون امر من القائد العام للقوات المسلحة والذي كان يشغله المالكي.

ولذلك لجأت اللجنة مؤخرا إلى توجيه اسئلة مكتوبة إلى كل من: نوري المالكي ورئيس مجلس النواب السابق نائب رئيس الجمهورية الحالي اسامة النجيفي ورئيس اقليم كردستان مسعود بارزاني الذي أشار في تصريحات سابقة إلى أنّه نبه الحكومة الاتحادية ورئيسها السابق نوري المالكي إلى الخطر المحدق بالعراق من تقدم تنظيم "داعش" عارضاً تقديم المساعدة ، الا ان المالكي رفض ذلك بحسب قوله. وما يزال العراقيون بانتظار نتائج التحقيق في سقوط الموصل وسط شكوك بقدرة اللجنة على تحديد المسؤول عن العملية او محاسبة المقصرين فيها.

داعش يحتفل بيوم "الفتح"

واليوم الاثنين كشف عدد من أهالي محافظة نينوى وعاصمتها الموصل عن استعدادات يقوم بها تنظيم "داعش" للاحتفال بما اطلق عليه "يوم الفتح" ومرور عام كامل على فرض سيطرته على مدينة الموصل فيما أكدوا أن التنظيم ابلغ الأسر بالاستعداد لذلك يوم العاشر من حزيران (يونيو) الحالي الذي سيصادف الاربعاء المقبل بحسب ما نقلت عنهم وكالة "ألمدى بريس".

وقال المواطن أحمد جرجيس إن تنظيم داعش بدأ بالتحضير للاحتفالات بذكرى مرور عام كامل على سيطرته على مدينة الموصل التي ستصادف الاربعاء.. مبينا أنه "قام باستغلال آليات الدوائر الحكومية لغسل وتنظيف الشوارع والجزرات الوسطية وصبغ الأرصفة". وأضاف جرجيس أن التنظيم بدأ بتعليق نشرات الزينة في المناطق العامة وأبلغ عناصره السكان بالاستعداد للاحتفالات التي ستقام يوم العاشر من حزيران بمناسبة مرور عام على ما أسموه بـ "يوم الفتح ".

من جهته قال المواطن مصطفى لؤي ان هناك انتشارا عسكريا كبيرا من قبل عناصر "داعش" في الشوارع من خلال إقامة نقاط التفتيش وتدقيق العجلات والأشخاص.. لافتا إلى أن "عناصر الحسبة شددوا من إجراءاتهم في متابعة مدى التزام السكان بتطبيق تعليمات التنظيم، وخصوصا ارتداء الخمار للنساء وإطلاق اللحى للرجال".

وأشار لؤي إلى أن "هناك اهتماما كبيرا ومتابعة من قبل عناصر التنظيم والمؤسسات المرتبطة به من إظهار معالم الاحتفالات حيث تم تعليق شرائط من الإنارة الكهربائية الحديثة الملونة بشكل متسلسل على أعمدة الإنارة في الشوارع ونصب أشجار الزينة الصناعية التي تعمل بالكهرباء بمصابيح إنارة ملونة".

وكان تنظيم "داعش" المتطرف قد سيطر في حزيران (يونيو) عام 2014 على نحو ثلث مساحة العراق معلنًا اقامة "الخلافة" في مناطق سيطرته في العراق وسوريا المجاورة ومرتكبًا فظائع شملت قطع رؤوس وإعدامات جماعية وسبي نساء.

ورغم استعادة القوات العراقية بعض المناطق الا أن التنظيم لا يزال يسيطر على مساحات واسعة من البلاد وتمكن من الاستحواذ على مناطق إضافية رغم المعارك المتواصلة منذ عام ونحو اربعة آلاف غارة نفذها تحالف دولي بقيادة واشنطن خلال الاشهر العشرة الاخيرة.
&
&فقد سيطر التنظيم في العاشر من حزيران (يونيو) عام 2014 على مدينة الموصل ثاني كبرى مدن البلاد بعد اقل من 24 ساعة على بدئه هجومًا شارك فيه حوالى 300 مقاتل لداعش فقط وواصل التنظيم في حينه بدعم من فصائل مسلحة موالية التقدم جنوبًا ما أثار مخاوف من قدرته على الوصول إلى بغداد.

وانهارت امام تقدم التنظيم العديد من قطعات الجيش وترك الضباط والجنود مواقعهم واسلحتهم الثقيلة صيداً سهلاً للتنظيم الذي استحوذ على آلاف العربات المدرعة والبنادق والتجهيزات ما كشف مستوى العجز والفساد الذي تعاني منه القوات الامنية رغم استثمار مليارات الدولار فيها.

وساهم احتلال "داعش" مناطق شاسعة من العراق في تغييرات جغرافية وسكانية للعديد من المناطق خلال العام المنصرم.. ففي شمال البلاد ملأت قوات البشمركة الكردية الفراغ الذي تركته القوات العراقية المنسحبة ولا سيما في مناطق متنازع عليها بين بغداد واربيل وابرزها مدينة كركوك الشمالية الغنية بالنفط شمال بغداد.. ومحاولات اخرى شهدتها مناطق وسطى وغربية لفرض سيطرة التشكيلات الشيعية ضمن قوات الحشد الشعبي وتهجير بعض سكانها بدوافع طائفية.