برز صلاح الدين دميرتاش، زعيم حزب الشعب الديموقراطي الكردي، قوة لا يستهان بها في الساحة السياسية التركية، بعدما قاد حزبه في الانتخابات التشريعية الاحد ليتجاوز عتبة 10% ويضمن له عشرات المقاعد في البرلمان.

إيلاف - متابعة: بعد حملة شهدت توترًا، نجح صلاح الدين دميرتاش في جذب ناخبين من غير الاكراد، وأثار الاعجاب في رده الجدير برئيس دولة على هجوم بالقنبلة استهدف تجمعًا لحزبه، واسفر عن مقتل شخصين وسقوط مئات الجرحى قبل يومين فقط على اقتراع الاحد.

وسيحظى دميرتاش بـ79 مقعدًا في البرلمان الجديد، بعد فوز حزبه بـ 13% من الاصوات. وبفضل هذه النتيجة، بات حزبه في موقع يمكنه من عرقلة مشاريع الرئيس رجب طيب اردوغان توسيع صلاحيات رئيس الجمهورية. وكان دميرتاش السياسي الوحيد القادر على منافسة اردوغان في الخطابات الحماسية، وقد حل ثالثًا في الانتخابات الرئاسية في العام 2014 مع نتيجة قاربت عتبة 10%، ما شجع حزبه على المشاركة في الانتخابات التشريعية للمرة الاولى.

انتصار لليسار

يعود إلى دميرتاش (42 عامًا) الفضل في تحويل حزب الشعب الديموقراطي من حركة كردية قريبة من حزب العمال الكردستاني إلى حزب معاصر يهتم بالشؤون الاجتماعية ومنفتح على المرأة، وعلى كل الاقليات. واعلن دميرتاش في كلمة بعد اعلان النتائج أن حزبه لن يشكل تحالفًا مع حزب العدالة والتنمية الحاكم، مشددًا على أن الجدال حول النظام الرئاسي انتهى.

وقال في اسطنبول: "نحن الشعب الذي يعاني من القمع في تركيا، ويريد العدالة والسلام والحرية، حققنا اليوم انتصارًا كبيرًا، انه انتصار للعمال والعاطلين عن العمل والقرويين والمزارعين، انه انتصار اليسار".

وكان اردوغان شن حملة شرسة ضد دميرتاش ووصفه بأنه "فتى جذاب" ومجرد واجهة لحزب العمال الكردستاني المحظور، ورماه بـ"الكفر" عندما دعا إلى الغاء دروس الدين في المدارس، وبأنه نجم اعلامي لانه يعزف على آلة موسيقية. ورد دميرتاش عليه، وهو من يدعوه مؤيدوه "اوباما التركي"، قائلًا: "نحن حزب الشعب الديموقراطي سنجعل الأسد الذي يزأر في داخلك مجرد قطة صغيرة".

أعد الفطور

بعد الهجوم الدامي ضد تجمع لحزبه في معقله في ديار بكر الجمعة، دعا دميرتاش مؤيديه الى الامتناع عن النزول الى الشارع. وسعى إلى التركيز على اهمية الاسرة بالنسبة إليه فظهر مرارًا بصحبة زوجته باشاك وابنتيهما.

كما ظهرت اسرته خلال ايار (مايو) في برنامج تلفزيوني على قناة خاصة اعد خلاله دميرتاش الفطور في منزل الاسرة بديار بكر. وقال: "الفطور هو الوقت الوحيد الذي نجتمع فيه كلنا قبل ان ننصرف كل إلى عمله أو مدرسته"، علمًا أن زوجته مدرسة.

ودميرتاش مولود في مدينة ايلازيغ ذات الغالبية الكردية، هو الثاني في اسرة تضم سبعة اولاد. وقال في مقابلة مع وسائل اعلام تركية العام الماضي انه ادرك هويته الكردية في سن 15 خلال تشييع سياسي بارز يشتبه في أن قوات الامن قتلته في دياربكر، "فادركت حينها ما معنى أن تكون كرديًا".

وقتل ثمانية اشخاص خلال مراسم التشييع عندما فتح مسلحون مجهولون النار على المعزين. بعد أن أتم دميرتاش دراسته في جامعة انقرة، عمل محاميًا في قضايا حقوق الانسان في دياربكر قبل أن ينتقل الى العمل السياسي في 2007.

الخطر القادم

كان واضحًا أن دميرتاش هو الخطر القادم من دياربكر على أردوغان. من أهم الصحف التي أشارت إلى خطورة دميرتاش على أردوغان، ولم ينتبه الرئيس التركي كما يبدو، هي "تايمز" البريطانية حين وصفت الزعيم الكردي في الأسبوع الماضي أنه وسيم وصاحب شخصية كاريزماتية عمره 42 عامًا فقط، مضيفة أن حزبه قد يُصبح العامل الرئيسي بهزيمة لم يسبق لها مثيل للحكومة التي تتظاهر بالإسلامية، ونتائج الاستطلاعات أظهرت أن حكومة العدالة والتنمية قد تضطر إلى حكومة ائتلافية للمرة الأولى منذ وصلت إلى الحكم في 2002 حتى الآن.

وطوال الحملة الانتخابية، ما توقف دميرتاش عن مهاجمة أردوغان. في 12 أيار (مايو) الماضي، هاجم دميرتاش رئيس الوزراء التركي، أحمد داود أوغلو خلال مهرجان انتخابي أمام 20 ألف شخص. صرخ دميرتاش مناديًا أوغلو: "زعمت أنك ستقطع أيدي أهل السرقة والفساد ولن تسمح لأحد بارتكاب هاتين الجريمتين، فهل قلمت ولو ظفر أحدهم قبل أن تقطع يده"؟

أضاف: "يخرج علينا شخص واحد ليقول عليكم أن تمنحونا كل الصلاحيات، ويحاول بالوقت نفسه تسويق ذلك وكأنه حملة ديمقراطية كبيرة"، وكان يقصد أردوغان.

أقصر قليلًا

وفي آب (أغسطس) الماضي، وصف دميرتاش الرئيس التركي بأنه نسخة عن هتلر، وقال: "بينما هناك أناس يتحدثون عن بناء مدن في القمر، أنت مشغول بتخويفنا بالأفكار الفاشية التي تعود إلى ما قبل 100 سنة، وكان شارب هتلر في 1940 أقصر قليلًا من شارب أردوغان. هذا هو الفرق الوحيد بينهما".

واصل دميرتاش هجومه، وقال: "تركيا مهددة بحكم استبدادي من رجل واحد بعد الانتخابات الرئاسية في حالة فوز أردوغان، وليدرك الإخوة المصوتون للحزب هذا الخطر ولا يخدعون أنفسهم".

وندد دميرتاش بإسراف أردوغان وبحياة الترف التي أحاطت به منذ صار رئيسًا للجمهورية، وقال: "إن قادة المسلمين، وعلى رأسهم الرسول الأكرم محمد صلى الله عليه وسلم، لم يعلمونا الثراء والعيش بإسراف وترف، فالرسول لم يترك ثروة بعد وفاته سوى أوامر الله تعالى ونمط معيشته في الحياة".

ورد أردوغان باتهام دميرتاش بأنه يأكل لحم الخنزير، مشككًا بالتزام حزب الشعوب الديمقراطي بالدين، واصفًا المنتمين إليه بأتباع زرادشت عبّاد النار. لكن هذا الدفاع كان أوهن من أن يؤثر في المزاج الانتخابي، الذي ظهر جليًا في نتائج الانتخابات الأخيرة.