يفرض التراجع الذي أصيب به حزب أردوغان في الانتخابات التركية الأخيرة تغييرًا لازمًا في السياسة الخارجية التركية، خصوصًا في ما يتعلق بالأزمة السورية.

إعداد عبد الاله مجيد: جرى في 2011 تصوير السياسة الخارجية التركية على أنها نموذج يُقتدى به في مجال العلاقات الدولية. وكان رئيس الوزراء وقتذاك رجب طيب أردوغان يُستقبل في عواصم الربيع العربي استقبال الابطال.

لكن مثل هذه اللحظات تبدو اليوم زمنًا غابرًا في القدم. فإن اردوغان، الرئيس الآن، وحزب العدالة والتنمية تلقيا ضربة موجعة بعد الأداء الهزيل في الانتخابات البرلمانية، حتى أن الحزب يواجه اليوم خيار تشكيل حكومة ائتلافية لأول مرة منذ 2002 أو إجراء انتخابات جديدة.

نهاية السياسة الخارجية

يقول محللون إن نتيجة الانتخابات تنبئ ايضًا بنهاية سياسة خارجية "امبراطورية" ذات بُعد ايديولوجي واضح انتهجها اردوغان. وتتكرر صفة "الفشل" في تقييم المراقبين لحصاد هذه السياسة.

ويشير المحللون إلى أن سياسة "صفر مشاكل مع الجيران" أصبحت نقيضها خلال السنوات الأخيرة وان دعم تركيا لقوى الاسلام السياسي، مثل جماعة الاخوان المسلمين، كلفها غاليًا. ويكفي للتدليل على ذلك أن تركيا اليوم ليس لديها سفراء في خمس دول في الشرق الوسط بينها مصر وليبيا.

وقال حسين بقجي، استاذ العلاقات الدولية في جامعة سابانجي التكنولوجية: "من المرجح أن تسفر نتائج انتخابات 7 حزيران (يونيو) عن تغيير محوري في السياسة الخارجية التركية، لأن حزب العدالة والتنمية استنزف قدراته وموارده في إساءة التعاطي مع قضايا المنطقة".

أضاف لصحيفة كريستيان ساينس مونيتور: "ما كانت تركيا تعتزم أن تفعله حدث نقيضه، والقيادة التركية أخطأت في الحساب وفي قراءة التطورات".

الموقف من سوريا

لعل التغيير الأبلغ أثرًا سيحدث في الموقف من سوريا حيث يسيطر تنظيم الدولة الاسلامية "داعش" وجبهة النصرة التي تنتمي إلى تنظيم القاعدة على مناطق واسعة متاخمة لتركيا، التي نزح إلى اراضيها نحو 1,7 مليون سوري بسبب النزاع، دون أن تلوح له نهاية في الأفق.

وكانت احزاب المعارضة التركية كلها وعدت في برامجها الانتخابية بإنهاء تسليح الجماعات الاسلامية المتطرفة. وأعلن زعيم حزب الشعب الديمقراطي الكردي صلاح الدين ديمرطاش في مقابلة مع شبكة سي أن أن قائلًا: "الحكومة الائتلافية إذا شُكلت لن تكون قادرة على الاستمرار في دعم جماعات مثل داعش وغيره من الجماعات المتطرفة في سوريا".

وقال بهلول اوزكان، الاستاذ في جامعة مرمرة في اسطنبول، إن تركيا كانت خلال السنوات الأربع الماضية جزءًا من المشكلة، واصفًا سوريا بأنها اصبحت افغانستان تركيا حيث تقوم بدور باكستان في تيسير حركة الجماعات الجهادية عبر الحدود.

واضاف اوزكان لصحيفة كريستيان ساينس مونيتور: "تركيا ستواجه مشاكل خطيرة مع داعش في كل الأحوال".

مع العالم الاسلامي

صورت تركيا بزعامة أردوغان نفسها نموذجًا جديدًا للدولة العلمانية ذات الميول الاسلامية. لكنها سرعان ما اتخذت منحى ايديولوجيًا واضحًا وأقامت علاقات مباشرة مع احزاب الاسلام السياسي مثل جماعة الاخوان المسلمين في مصر وحركة حماس في قطاع غزة.

وقال بقجي إن القادة الأتراك اصبحوا في سياستهم الخارجية جزءًا من الاخوان المسلمين، "وأصبحت سياستهم سياسة خارجية ايديولوجية، لم تعد سياسة عقلانية أو تقوم على اساس المصالح".

ولاحظ اوزكان أن حزب العدالة والتنمية كان يتوقع مجيء الاسلاميين المصريين والسوريين والتونسيين والليبيين إلى السلطة على غرار الاسلاميين الاتراك، "لكن خبرة تركيا تختلف تمامًا فهي استثناء وهم أجروا مماثلة خاطئة".

وتابع اوزكان قائلاً إن القادة الاتراك ظنوا أن تركيا يمكن أن تكون قوة امبراطورية في المنطقة، "لكن بعد فشل الأحزاب الاسلامية لأسباب مختلفة انهارت هذه السياسة الخارجية الاسلامية أيضًا".

مع الولايات المتحدة

شهدت العلاقات التركية - الاميركية خلافات على جملة قضايا، من رفض تركيا، العضو في حلف الأطلسي، السماح لطائرات التحالف الدولي ضد داعش باستخدام قاعدة انجرليك الجوية لاستهداف مسلحي داعش في سوريا والعراق، إلى استمرار تعاملها مع ايران رغم العقوبات الدولية.

وقال فادي هاكورا، الباحث المختص بالشؤون التركية في معهد تشاتهام هاوس للشؤون الدولية في لندن: "الولايات المتحدة تجنبت إشراك تركيا في نقاشات استراتيجية بشأن برنامج ايران النووي والتطورات اللاحقة في سوريا وانفجار الوضع في العراق".

ما زال أردوغان وحزب العدالة والتنمية يسيطران على الكثير من جهاز أمن الدولة في تركيا، وهذا لم يتغيّر بعد هذه الانتخابات كما لاحظ هاكورا. ولكنه اضاف: "تركيا لن تكون لديها أي أجندة كبيرة في مجال السياسة الخارجية الاقليمية، لأن اردوغان وتركيا بعد الانتخابات سيكونان مهزوزين وينكفئان إلى الداخل".

ورغم التغييرات المتوقع أن تحدث في السياسة الخارجية التركية فمن المستبعد أن تشهد الفترة المقبلة تغييرًا جذريًا في علاقات تركيا مع الولايات المتحدة. وقال بقجي: "اميركا ستبقى أهم شريك أمني استراتيجي لتركيا، وستكون بينهما حالات مد وجزر، ولكنهما ستعودان دائمًا إلى المربع الأول".