عاش العراقيون على وقع الدهشة والذهول وهم يتابعون الاخبار المتواردة عبر شاشة التلفزيون وقد أصدر&رئيس الوزراء حزمة أولى من القرارات التي ما كان احد يتصور حدوثها، وتتعلق بالتصدي للفساد والفاسدين، ورغم الترحيب، هنالك من يبدي توجسا من الموضوع برمته.
عبد الجبار العتابي من بغداد: على الرغم من ان القرارات التي اطلقها رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي ادهشت جميع العراقيين بجرأتها الا ان هناك تباينا في وجهات النظر حولها، حيث يرى البعض ان العبادي سيتعرض لتحديات كبيرة تتمثل في رفض الكتل قراراته لاحقا، حتى وان اعلنت عن تضامنها معه في الوقت الحاضر، فيما رأى البعض الاخر ان القرارات جاءت انتصارا للارادة العراقية بقوة المرجعية الدينية والجماهير العراقية التي وجدت نفسها تقف خلف العبادي مساندة له ومشجعة على برنامجه الاصلاحي في محاربة الفساد ومحاسبة المفسدين .
قرارات جريئة
يؤكّد القاضي منير حداد أن القرارات ستواجه تحديات كبيرة.
ويقول إن "المفسدين دمروا البلد وضيعونا وكادوا يضيعون الوطن، لذلك لابد ان ندعم العبادي في ما اتخذ من قرارات، لكن المصيبة ان هناك مافيات تعمل في الليل والنهار من اجل مصالحها ولا اعتقدها سترضى بما قرره العبادي، ولكن علينا ان نتساءل هل دعمته ايران في هذا؟ وهل اميركا معه؟ هذا مهم جدا ، فإن كانا معه اعتقده سينجح".
يضيف: "القرارات جريئة وفي وقتها وتخدم العملية السياسية وستخدم الفقراء لكنها صعبة جدا، فالنواب الذين من الممكن الغاء حماياتهم وتقليل مخصصاتهم ترى هل سيسكتون ؟ لا اعتقد، وان سكتوا الان فسوف لن يسكتوا غدا بعد ان تهدأ العاصفة".
ختم بالقول: "أنا مع القرارات التي اتخذها العبادي بتوجيه من المرجعية وبضغط من الجماهير واتمنى ان تمر على خير من اجل الفقراء... كان الله في عونهم ومعهم"
تحديات كبيرة
من جانبها، أكدت انتظار الشمري، رئيسة منظمة صحفيات بلا حدود، ان القرارات أفشلت مؤامرة، وقالت: "كان المخرج الوحيد للعبادي ان يصدر هذه القرارات لتفويت الفرصة على اعداء العراق الذين ارادوا استغلال التظاهرات لاسباب معينة واستنادا الى معلومات مهمة جدا لاستقطاب اتباع الحركات المنحرفة لغرض تدريبهم وتوجيههم لفتح معركة داخل المناطق الجنوبية، والعمل على اهداف مرحلية منها استهداف قيادات دينية وسياسية والاستمرار بتأجيج الشارع من خلال التظاهرات واستغلال الاسباب الداعية لذلك، لكن القرارات جاءت لتخيب ظن هؤلاء فضلا عن انها اعادت الامل الى الناس الذين شعروا باليأس تماما فبذلوا طاقاتهم بالتظاهر كمحاولة اخيرة للدفاع عن حياتهم وعراقهم".
تضيف: "قرارات العبادي ممتازة وصائبة وقد وقف مع الشعب، وكانت قرارات دستورية في ما يخص اعفاء نوابه، اما في ما يخص نواب رئيس الجمهورية فهو غير دستوري& كون المادة 78 من الدستور العراقي تنص على ان "رئيس مجلس الوزراء هو المسؤول التنفيذي المباشر عن السياسة العامة للدولة، والقائد العام للقوات المسلحة، يقوم بادارة مجلس الوزراء، ويترأس اجتماعاته، وله الحق باقالة الوزراء، بموافقة مجلس النواب"، إذ لم يرد فيها إقالة نائب رئيس الجمهورية او نواب رئيس مجلس الوزراء.
وتابعت: "قد يواجه العبادي تحديات مختلفة ولكن اهم التحديات التي قد يواجهها العبادي من الكتلة النيابية دولة القانون، فمن المتوقع انها لن تصوت على قرارت العبادي في مجلس النواب ولن تصادق عليها، وقد صرح احد اعضائها بذلك".
نصر الارادة العراقية
يصف الدكتور حسين جبار وهو أستاذ جامعي، القرارات بكونها "نصرا للارادة العراقية".
يقول: "لم يحصل رئيس عراقي على تأييد عفوي، دون اطماع ودون مكافآت مثل التأييد الذي حصل للدكتور العبادي".
يضيف: "الناس تنتظر، وأولى البشارات وصلت، وينتظرون التطبيق، وسيخرجون داعمين له... العبادي مدججا بدعم المرجعية والضغط الشعبي يخطو الخطوة الاولى باتجاه التصحيح، وهو التأييد الأول من نوعه الذي يأتي بصفة عفوية غير حزبية او سياسية، لذلك فهي فرصة العراق بيد العبادي، وهي ايضا فرصة العبادي التي لم يحلم بها رئيس منذ عام 1958".
ويتابع: "هو نصر الارادة العراقية، نتمنى ان تكتمل ملامحه بالتطبيق السريع، وننتظر الخطوات الاخرى".
ضربة موجعة... ولكن
من جانبه، يرى مدير مرصد الحريات الصحافية هادي جلو مرعي ان قرارات العبادي تأتي لتخفيف الضغط الجماهيري واستجابة لضغوط المرجعية الدينية، وقد رمى الكرة في ملعب البرلمان، واعتقد ان سجالا سيحصل في البرلمان بين الكتل السياسية.
واضاف: "المرجعية الدينية هي التي تقود البلاد في هذه المرحلة ولابد من زيادة زخم الحراك الشعبي والإستمرار في الإصلاحات الحكومية، وإذا أردنا أن تنجح قرارات العبادي وتمر فلا بد من مساندته وهو يدخل معركة شرسة ضد مجلس النواب".
وتابع: "قرارات العبادي مثلت ضربة موجعة لدولة القانون والمالكي، وضربة للسنة، بينما إقالة الأعرجي غير مهمة للتيار الصدري وحتما فإن السيد مقتدى الصدر لا يمانع في إقالته، بينما الرابح الوحيد هو المجلس الأعلى الذي مايزال يراقب المشهد منتشيا".
الارادة الشعبية فوق الدستور
إلى ذلك، يؤكد الناشط المدني ابراهيم البهرزي أنّ الارادة الشعبية فوق الدستور.
ويقول: "رغم ان بوادر الاصلاح تبدو خجولة حين جاءت بصيغة بيان صحافي، فهذا دون قدر الحال، الا انها خير من الرتابة والتسويف الذي ظلل الحياة السياسية لعقد مر وطويل، وهي في كل حال تتطلب الاسناد الشعبي في حال رفض رافض برلماني او حكومي خطوات الاصلاح فإن الشارع سيقول كلمته بالطلب من العبادي بتسريح الجميع/ وزراء وبرلمانيين واعادتهم الى الجحور والقرى والاسواق والمزابل التي جاؤوا منها بغض النظر عن موافقة الدستور لذلك ام مفارقته".
واضاف: "الارادة الشعبية اكبر من دستور فضفاض يضم في تفاصيله كل ما يستر عورات الشياطين، على الجميع القبول بالاصلاح وان لاح خجولا، فبعد تظاهرة مساندة له سيقوى عوده وان ظل على خجله فالشوارع كفيلة برفع غلالات الخجل عن وجوه المترددين".
يتابع: "هذه خطوة خجولة وبسيطة تحتاج لاجراءات عملية كي تفصح عن صدقها، وليتذكر المتذمرون واللائذون بألاعيب الدستور ان ارادة الشعب اعلى من كلمات الدستور".
لا زعيم الا العراق
من جانبه، يؤكد المحلل السياسي ابو فراس الحمداني أنّ الشعب يستعيد سلطته ولا زعيم الا العراق.
ويقول: "بداية موفقة للدكتور حيدر العبادي، مهمته لاتقبل انصاف الحلول، إنه صراع من أجل بقاء العراق، فهو يحارب مافيات متشعبة ومتجذرة في جسد الدولة العراقية، يحارب اجندات خارجية عبثت بأمن البلاد، يحارب أناسا بلا ضمير ولاهوية، ولكن عندما يكون الشعب معه، عندما يسانده الفقراء والمعدمون من ابناء العراق، سيكون الله معه بالتأكيد".
وأضاف: "نصيحتي لكل الاخوة الحزبيين الابتعاد عن الصنمية وعبادة الاشخاص، لازعيم الا العراق في هذه المرحلة، لقد اثبتت السنوات العجاف التي مرت على العراق بعد التغيير ان الجميع مشارك في المصيبة التي ألمت بنا، الجميع تساهٓلَ مع الارهاب والفساد، لذلك عليهم ان يتحملوا مسؤولية أدائهم وتصرفاتهم،أخيراً، يجب ان لا نترك الساحات والشوارع الا بعد تحقيق كل مطالب المتظاهرين، لان المواجهة الحقيقية لم تبدأ بعد، ولأن ما أسستهُ مافيات الفساد خلال سنوات لايمكن تغييرهُ بأيام".
نعاني من&دولة الفساد
يؤكد الناشط في مجال حقوق الانسان منصور ناصر ضرورة إسقاط دولة الفساد.
وقال : قرارات العبادي عظيمة وهي خطوة كبيرة لكنها غير كافية ، لان المشكلة هي اننا لا نعاني من فساد الدولة بل من دولة الفساد، وزعماؤها بصراحة ودون مجاملات أغلب رؤساء الكتل بدليل أنهم يتعففون عن "السياسة" واستلام منصب في "الدولة" حتى انهم ينظرون باستخفاف لحكومة العبادي وبرلمان الجبوري ويعتبرانهما مجرد ذيل في "دولتهم" السرطانية العميقة التي يتحكمون بكل شيء فيها.
واضاف: لكنهم ولحسن الحظ، لم يستطيعوا حتى الآن التحكم في قوتين كبيرتين الأولى هي المرجعية والثانية هي الجماهير، وعليه لا مناص من مواصلة التظاهر واستكمال خطوات إسقاط دولة الفساد بالغة القبح والخسة والنذالة هذه، والإجهاز عليها.
وتابع: الكلمة الان للمتظاهرين ولا تقاعس ولا تواني عن نصرة العبادي ضد مافيات الفساد "المتدين" ولا يتم هذا إلا الخروج الى ساحات التظاهر بقوة اكبر وأكبر وعدم إبداء علامات الرضا والسرور على أية خطوة كبيرة، لأن الشعب يريد خطوة حاسمة وقاضية، لا ترقيعات بطيئة ولا أنصاف حلول، ليكن سقف مطالبنا عاليا جدا، بالضبط مثلما يفعل الفاسدون، وليتظاهر العراقيون جميعا إذا ودون توقف ولنطالب العبادي، تشجيعا ونصرة وتحفيزا له بالمزيد دائما والمزيد.
نكتة سياسية&
&
للكاتب والمحلل السياسي أحمد هاتف رأي مختلف، إذ يقول: "مع التقدير لشخص رئيس الوزراء، هذا من قبيل خلط اﻷوراق والإمعان في ارتباك حكومي، وعدم معرفة حدود الصلاحيات، ما أخذ على العبادي هو عدم عمله بصلاحيته، وها هو يتحدث مرة أخرى بحديث من ﻻيعرف، مع التقدير هذا تجاوز غير مهني وغير دستوري للصلاحيات، قالت المرجعية استخدم القانون، لكنها لن تستطيع أن تدافع عن الخرق الدستوري"
ويضيف: "أضحك بجدية وأنا أرى كل هذا الهراء عن قرارات العبادي، فهناك أكثر من نصف البرلمان ﻻ يعني بأمر المرجعية وأكثر من 80% من النواب ﻻيقلدون السيد علي السيستاني".
وتابع: أتمنى على الأخوة جميعا أن لا يشتروا بخار الطعام برنين الدراهم، كما تقول الحكاية،& فما حصل هو تمرين لحراك كبير، وما صدر عن العبادي تمنيات مضحكة لن تصل الى شيء، هذا يعني أن الطريق طويلة، وأن المطلوب هو زيادة الضغط، لأن البرلمان لن يمرر كلمة من بيان العبادي مهما كان، رغم أني أجد في البيان كوارث حقيقية، لأنها محاولة لخلط الأوراق، ورمي الكرة في ملعب الآخرين، وتجاوز على الدستور ، وبيان لا رأس له ولا رجلين.
واضاف ايضا: "طالبنا العبادي بالتأني والدراسة، وإعداد ورقة إصلاح جذري حقيقي، طالبناه باستثمار العقول الكبيرة في العراق، والإصغاء الى المفكرين والمنظرين وأصحاب الخبرات فلم يسمع، وعاد الى مربعه الأول وضحك علينا بكلام لا يسمن ولايغني، وعلى الجميع قبل أن يعودوا الى ماتعودوا عليه من التصفيق ان يفكروا بالبيان ان يراجعوه جيدا، سيجدون أنها أكبر نكتة سياسية قيلت، لا أمل والرب لأننا اناس عاطفيون ولا نفكر، من يراجع البيان، ويراجع الدستور، سيجد أنه يريد أن يهرب بفعلته، لا أن يصلح الدار والأمر".
التعليقات