في أول رد فعل له على محاولة الانقلاب، اتهم الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، صديقه القديم وعدوه الحالي فتح الله غولن، بالوقوف وراء الأحداث. وكرر الاتهامات بعد فشل قوات الجيش في السيطرة على البلاد، فمن هو ذلك الرجل الذي استطاع تحريك القوات الجوية والبرية لإسقاط نظام الحكم في تركيا؟

إيلاف من القاهرة: بينما تنتشر الدبابات في الشوارع وتحلق الطائرات الحربية في سماء اسطنبول وأنقرة، في مشهد يؤكد سيطرة الإنقلابيين في الجيش التركي على الأوضاع في البلاد، ظهر الرئيس رجب طيب إردوغان في لقاء تلفزيوني عبر سكايب، واتهم فتح الله غولن وجماعته بالوقوف وراء المحاولة الإنقلابية".

وبعد ثلاث ساعات فشل الإنقلاب، وظهر إردوغان فجر السبت في مؤتمر صحافي، معلناً أن "هناك أفرادا في الجيش يتلقون "أوامر من بنسيلفانيا"، في إشارة إلى فتح الله غولن، الذي يقيم في منفاه في أميركا.

وأضاف إردوغان أن "محاولة الانقلاب تبرهن صحة اتهامات الإرهاب التي يوجهها لجماعة غولن" الذي يحظى بشعبية في صفوف قوات الأمن والسلك القضائي التركي، وتابع: "هذا الانقلاب، هذا التحرك هي هدية ثمينة من الله لنا. لأن الجيش سيتم تطهيره"، مشيراً إلى أن "الانقلابيين سيدفعون ثمن الخيانة باهظًا"، فمن هو فتح الله غولن، الرجل الذي استطاع تحريك قوات الجيش بينما يعيش في المنفى؟ وما سر عدائه لإردوغان؟

جماعة غولن

ولد فتح الله غولن بتاريخ 11 نوفمبر 1938، في قرية في محافظة أرضروم، وتلقى تعليمًا دينيًا منذ صغره، ودرس الفلسفة الإسلامية والصوفية. وفي أثناء دراسته قرأ رسائل النور التي ألفها سعيد النورسي، أحد أبرز علماء الإصلاح الديني والاجتماعي في تاريخ تركيا، وتأثر بكتاباته وسيرته الشخصية حتى أنه عزف عن الزواج تشبهًا به وتفرغاً للدعوة، وبدأ نشاطه الفكري والخدمي في تركيا بداية الستينيات من القرن الماضي، وأسس حركة أو جماعة "غولن" التي تقدم خدمات للشعب التركي.

وترجمت مؤلفاته البالغة نحو 62 كتاباً لأكثر من 30 لغة، ويجيد الحديث باللغات العربية والفارسية والانكليزية، ويرفض تطبيق الشريعة في تركيا، أو خلط الدين بالسياسة. وإذا كان نجم الدين أربكان، أستاذ إردوغان معروف بـ"أبو الإسلام السياسي"، فإن غولن يعرف بـ"أبو الإسلام الاجتماعي".

غولن مع الحاخام بكشي دوروم

 

الحركة تهاجم اردوغان

وتضم حركة "غولن" أنصارًا بالملايين في تركيا وخارجها، ولاسيما في دول أوروبا وآسيا، وتمتلك الحركة شركات اقتصادية وجمعيات أهلية لتقديم الخدمات الخيرية للفقراء والمعوزين. كما تضم نحو ألفي مدرسة و20 جامعة في مختلف التخصصات، وتمتلك الحركة أذرعًا إعلامية، دأبت مؤخراً على مهاجمة حزب العدالة والتنمية، وإردوغان شخصياً.

رغم أن حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا وصل للحكم بمساعدة حركة غولن، ورغم العلاقات الشخصية التي تجمع إردوغان وغولن، إلا أن الخلافات الأيديولوجية والسياسية احتدمت بينهما في أعقاب إغلاق الحكومة التركية في 2013 سلسلة مدارس تابعة للحركة، ضمن ما قالت إنها قوانين وتشريعات لإصلاح العملية التعليمية. وقال إردوغان وقتها: "الأمر يتعلق بإلغاء نظام تعليم غير شرعي لا يفيد إلا أولاد العائلات الثرية في المدن الكبرى ويقحم الأولاد في منافسة حامية".

غولن مع البابا يوحنا بولس الراحل

 

اردوغان الاسلامي وغولن الصوفي

غير أن الخلافات الإيديولوجية بين الطرفين هي الأبزر، فحزب العدالة والتنمية بقيادة إردوغان يعتنق فكر "الإسلام السياسي" الإخواني الهوي، الذي يسعى إلى تغيير الدولة إلى الصبغة الإسلامية، بينما يعتنق غولن الفكر الصوفي، ويرفض تطبيق الشريعة الإسلامية في تركيا أو في أية دولة في العالم، ويقول: "إن الغالبية العظمى من قواعد الشريعة تتعلق بالحياة الخاصة للناس، فيما الأقلية منها تتعلق بإدارة الدولة وشؤونها، فلا داعي لتطبيق أحكام الشريعة في الشأن العام". ويعتقد أن "الديمقراطية هي الحل"، ولذلك يحظى باحترام وتأييد الغرب، ويعتبره الإعلام الغربي "خميني تركيا"، بسبب تأييد قطاعات واسعة للشعب التركي وقيادات في الجيش والمؤسسة القضائية له، وانتقاده نظام إردوغان من الخارج، على غرار ما فعل الخميني في نظام شاه إيران، من فرنسا.

وتعرض غولن للتضييق الأمني والهجوم على شخصه، واضطر للسفر إلى أميركا والإقامة في ولاية بنسلفانيا، لاسيما في أعقاب إغلاق بعض المؤسسات الإعلامية التابعة لحركته، ومنها جريدة الزمان، واعتقال بعض الصحافيين العاملين فيها، ورغم أن جماعة "غولن" سارعت إلى نفي الإتهامات الموجهة إليها من إردوغان بالوقوف وراء الإنقلاب، إلا أن رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم، جدد الإتهامات لها، صباح اليوم السبت، وقال إن "أي دولة تحمي فتح الله غولن نعتبرها عدوًا لتركيا"،وأضاف يلدريم أن "أنقرة تطالب واشنطن بتسليمها فتح الله غولن المتهم الرئيس بمحاولة الانقلاب"، مشيراً إلى أن "المدبرين لمحاولة الانقلاب تم القبض عليهم وسيقدمون للعدالة لينالوا العقاب الذي يستحقونه".

وأشاد يلدريم بـ"وقوف الشعب التركي بمختلف مكوناته صفا واحدا، رافضا الانقلاب، وأثبت لكل أنحاء العالم أنه لن يتنازل عن الديمقراطية، وقدم بذلك أفضل رد على هذه العصابة الارهابية". على حد وصفه. وقال إن يوم الخامس عشر من يوليو، "سيكون عيدًا للديمقراطية".

هل تسلم أميركا غولن إلى تركيا، لمحاكمته بتهم الإشتراك في محاولة الإنقلاب العسكري ضد الرئيس رجب الحكومة، هل ينتصر إردوغان على صديقه القديم وخصمه اللدود الحالي؟