ايلاف من لندن: في أوائل ابريل الماضي قُتل رفاعي احمد طه حليف اسامة بن لادن وقيادي في الجماعة الإسلامية المصرية ومستشار جبهة النصرة التي تنتمي الى تنظيم القاعدة - مع اربعة من رفاقه في هجوم نفذته غارة جوية أميركية من طائرة من دون طيار على مركبتهم قرب مدينة ادلب شمال سوريا.

وسلط مقتل طه الذي كانت تأويه تركيا قبل ان يقرر عبور الحدود الى سوريا للاجتماع مع "جهاديين" اسلاميين، الضوء على ما يسميه خبراء أميركيون انفصاماً تعاني منه تركيا حين يتعلق الأمر بمكافحة الجماعات الجهادية. ففي وقت تصعد تركيا حملتها ضد تنظيم داعش، تتستر على جهاديين آخرين بل توفر لهم الحماية رغم ان الولايات المتحدة أدرجتهم على قائمة الارهاب. تركيا تدافع

ودافعت تركيا عن سياستها في ايواء الاخوان المسلمين المصريين. ولكنها فتحت ابوابها واحضانها امام قياديين في الجماعة الاسلامية المصرية، وهم مسؤولون عن تنفيذ هجمات إرهابية في مصر إبان التسعينات. 

ويقول مسؤولون اميركيون ان بعض هؤلاء الذين يعيشون في الخارج ما زالوا يدعمون جماعات ترتبط بتنظيم القاعدة في سوريا مثل رفاعي احمد طه الذي كان يتوسط في نزاع بين جبهة النصرة وتنظيم اسلامي آخر في سوريا حين قُتل.

وقال جونثان شانزر المسؤول السابق في وزارة الخزانة الاميركية لشؤون مكافحة الارهاب ونائب رئيس قسم الأبحاث في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات في واشنطن "ان هؤلاء الأشخاص كانوا جزءًا من الكادر الأساسي لزعيم القاعدة ايمن الظواهري. وهذا الأمر مقلق لأن تركيا عضو في حلف الأطلسي ويُفترض انها متحالفة مع الغرب في محاربة عدو مشترك".

ويأتي تجدد قلق الغرب من الحماية التي توفرها تركيا للجهاديين بعد سنوات من الشكاوى بشأن دعم انقرة لتنظيمات ترتبط بجماعة الأخوان المسلمين٫ ومنذ عام 2013 تحولت تركيا الى قاعدة تنظيمية للاخوان المسلمين المصريين، والى مقر قناتين تلفزيونيتين على الأقل تبثان عبر الانترنت برامج معادية للحكومة المصرية تتضمن دعوات صريحة الى اسقاط نظام الحكم في مصر. 

سياسة إردوغان ضد داعش

وتتناقض سياسات التواطؤ هذه مع الموقف الجديد الذي اعلنه الرئيس رجب طيب اردوغان ضد داعش. وبعد الاجراءات التي اتخذتها انقرة لضبط الحدود ومنع عناصر داعش من العبور الى العراق وسوريا تعهد إردوغان بمواصلة حملته ضد داعش الذي قال انه تنظيم "غير اسلامي".

ولكن اردوغان اتخذ موقفا متساهلا من جبهة النصرة التي تنتمي الى تنظيم القاعدة. وكانت الجبهة واحدة من عدة جماعات "جهادية" دعمتها الحكومة التركية خلال السنوات الأولى من الحرب الأهلية السورية. وفي خطاب ألقاه إردوغان مؤخرا اشار مجددا الى ان صفة "الارهاب" لا تصح على عناصر جبهة النصرة الذين يقاتلون داعش. 

ويرفض المسؤولون الاتراك الانتقادات التي توجه الى سياسات انقرة بوصفها نفاقاً. ونقلت صحيفة واشنطن بوست عن دبلوماسي تركي رفيع قوله ان بلدانا غربية بينها الولايات المتحدة تقوم بتسليح وتمويل جماعات كردية تُعد ارهابية بنظر انقرة. 

هروب الجهاديين من مصر

وكان عزل الرئيس الاسلامي محمد مرسي في صيف 2013 اسفر عن هروب مئات من انصاره الى تركيا حيث استقبلتهم حكومة إردوغان التي شجبت عزل مرسي وهاجمت الرئيس عبد الفتاح السيسي بوصفه دكتاتورا مستبدا. ولكن كان بين الهاربين العديد من الجهاديين المخضرمين المعروفين لأجهزة مكافحة الارهاب الغربية مثل رافعي احمد طه ومحمد شوقي الاسلامبولي، وهو قيادي سابق آخر في الجماعة الاسلامية المصرية.

وكان الاسلامبولي الذي اعلن في صفحته على فايسبوك ان تركيا منحته حق الاقامة بوصفه لاجئاً سياسياً من اكبر حلفاء اسامة بن لادن في الثمانينات والتسعينات. وما زال اسمه مدرجاً على قائمة الارهاب في الولايات المتحدة.

ومنذ عام 1014 ربط المسؤولون الاميركيون طه والاسلامبولي بجماعة خراسان وهي فرع من فروع تنظيم القاعدة يُقال انه متخصص بتخطيط هجمات ضد الغرب. ومع ذلك كان طه والاسلامبولي يعيشان في اسطنبول بصورة مكشوفة يشاركان في مؤتمرات وفعاليات اعلامية علنية. وكانت القنوات التلفزيونية الموالية للرئيس المعزول مرسي تستضيف طه بين حين وآخر ليحرض المصريين على رفع السلاح ضد حكومة بلدهم.

واكدت مصادر قريبة من طه لصحيفة واشنطن بوست ان طه قتل حين كان يتوسط لتسوية نزاع بين جبهة النصرة وجماعات جهادية أخرى في سوريا. وأُقيم له مجلس عزاء في اسطنبول حضره اصدقاء ورفاق سابقون بينهم الاسلامبولي ، كما تظهر لقطات فيديو وصور فوتوغرافية لمجلس العزاء.وأدانت الحكومة المصرية احتضان تركيا هاربين مثل طه والاسلامبولي متهمة إردوغان بدعم الارهارب والمساهمة في زعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط. 

إردوغان والاسلاميون المضطهدون

وكان اردوغان قد اعلن في الأمم المتحدة عام 2014 "إذا كنا نحترم الديمقراطية فلنحترم صندوق الاقتراع". ولكن التاريخ الدموي لضيوف إردوغان مثل الاسلامبولي وطه يدحض مثل هذه الادعاءات ويسلط الضوء على مخاطر سياسة تسعى الى حماية بعض المتطرفين بل وتشجعهم فيما تخوض تركيا حرباً ضد متطرفين آخرين ، بحسب مسؤولين ومحللين اميركيين.

وأكد سونر جاغابتاي مدير برامج الابحاث التركية في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى "ان حزب العدالة والتنمية الحاكم بزعامة إردوغان متحالف مع التنظيم العالمي للاخوان المسلمين وان اردوغان شخصياً سعى الى تصوير نفسه مدافعاً عن الاسلاميين المضطهدين ، من القاهرة الى الأراضي الفلسطينية".

وقال جاغابتاي لصحيفة واشنطن بوست "ان حزب العدالة والتنمية نسخة معتدلة من الاخوان المسلمين ولكنه حتى بنسخته المعتدلة مرتبط ومتعاطف مع النسخة المتطرفة ، التي تشمل حركة حماس وجماعة الاخوان المسلمين المصرية".

ويذهب المسؤولون الاتراك الى انهم يستطيعون السيطرة على مثل هذه الجماعات من خلال السماح لها بالعمل العلني. ولكن انقرة اطلقت ادعاءات كهذه بشأن جماعات جهادية سورية سمحت لها بالعمل بحرية على امتداد الحدود ، كما لاحظ جونثان شانزر المسؤول السابق في وزارة الخزانة الاميركية.

وقال شانزر "ان الاتراك غضوا الطرف وهم الآن يدفعون الثمن. وكانت الفكرة انهم يستطيعون التمييز بين هذه الجماعات ، بين شخص من الجماعة الاسلامية المصرية أو جبهة النصرة وآخر من داعش. ولكنهم في الحقيقة لا يستطيعون التمييز ، وهم الآن ضلوا طريقهم". 

اعدت ايلاف المادة عن صحيفة واشنطن بوست

المادة الاصل هنا