اسطنبول: تعهد الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، الاحد، القضاء على "الفيروس" المنتشر داخل الدولة، متحدثًا امام حشد من انصاره غداة محاولة الانقلاب التي قامت بها مجموعة من العسكريين.

وقال اردوغان في مسجد الفاتح، خلال احتفال تكريمي لضحايا محاولة الانقلاب، "سنواصل تطهير كل مؤسسات الدولة من الفيروس (...) هذا الفيروس ويا للاسف، مثل السرطان، انتشر في الدولة برمتها".

كذلك، دعا الرئيس التركي انصاره الى البقاء في الشارع للتظاهر تأييدًا للنظام.

عقوبة الاعدام

اشار الرئيس التركي الى احتمال اعادة العمل بعقوبة الاعدام في تركيا التي الغيت في 2004 في سياق ترشح تركيا للانضمام الى الاتحاد الاوروبي، وذلك بغرض التصدي لهذا "الفيروس" المتآمر.

وقال اردوغان مخاطبا انصاره في اسطنبول الذين طالبوا باعدام الانقلابيين "كحكومة وكدولة نحن نصغي لطلبكم هذا ولا يمكن ان نتجاهله".

واضاف "اعتقد ان حكومتنا ستبحث الامر مع المعارضة وسيتم اتخاذ قرار بلا ادنى شك".

وتابع "في الديموقراطيات القرار هو ما يريده الشعب (..) ولا يمكن ان نؤخر كثيرا هذا القرار لانه في هذه البلاد على من ينفذون انقلابا ان يدفعوا الثمن".

ويعتبر اقرار حكم الاعدام مجددا في تركيا متعارضا مع معايير الانضمام الى الاتحاد الاوروبي.

الجيش ينقذ الرئيس 

ورغم ان علاقاته مع الجيش كانت دائما معقدة، فان نجاة الرئيس التركي رجب طيب اردوغان من المحاولة الانقلابية تعود بشكل اساسي الى رفض قيادة هذا الجيش ما قامت به مجموعة من الجنود المتمردين.

ومنذ انقطاع العلاقات بينه وبين حليفه السابق الداعية فتح الله غولن المقيم حاليا في الولايات المتحدة نهاية العام 2013، تقرب اردوغان كثيرا من الجيش وخصوصا انه بحاجة اليه في المعركة التي اعلنها ضد المتمردين الاكراد في جنوب شرق البلاد.

ويتهم اردوغان غولن بالوقوف وراء المحاولة الانقلابية التي حاولت الاطاحة به ليل الجمعة السبت.

ومن سخريات القدر ان اردوغان بعيد وصوله الى السلطة عام 2003 تقرب من الامام غولن لتعزيز موقعه بمواجهة نفوذ الجيش الذي كان يعتبر التهديد الاساسي للحكومة الاسلامية المحافظة. في حين ان قيادة الجيش هي التي انقذته اليوم من المحاولة الانقلابية.

وينفي غولن تماما ان تكون له اي علاقة بالمحاولة الانقلابية.

"حراس العلمانية"

تعتبر القوات المسلحة التركية المدافع الاول عن العلمانية منذ اقامة مصطفى كمال الجمهورية عام 1923. وقام الجيش بثلاثة انقلابات ناجحة في الاعوام 1960 و1971 و1980، كما اجبر رئيس الحكومة الاسلامي نجم الدين اربكان على الاستقالة عام 1997.

وعندما ظهرت الاشارات الاولى للمحاولة الانقلابية ضد اردوغان سارع عشرات الضباط الاتراك من ذوي الرتب العالية الى تاكيد ادانتهم لهذه المحاولة عبر شاشات التلفزيون، ما اعتبر خطوة لافتة للغاية.

وقال المحلل السياسي فؤاد كيمان مدير مركز التحليل "بوليسي سنتر" في اسطنبول لوكالة فرانس برس ان "الانقلاب فشل نتيجة التحالف بين اردوغان والجناح العلماني داخل الجيش"، معتبرا ان هذا الجناح ازداد قوة للحد من تأثير غولن داخل الجيش، ونظرا للدور الكبير الذي بات يمارسه الجيش في المواجهة العسكرية مع المتمردين الاكراد.

وافادت شبكة التلفزيون الاخبارية التركية "ان تي في" ان قائد اركان الجيش التركي خلوصي اكار رفض رغم تهديده بالقتل توقيع اعلان يؤكد سيطرة الجيش على السلطة.

"حامي الديموقراطية"

يرى استاذ العلوم السياسية في جامعة غرونوبل الفرنسية جان ماركو ان "زواجا عقلانيا" قام بين اردوغان والجيش، ولم يفشل الانقلاب الاخير الا لانه لم "يحصل على موافقة قيادة الاركان" له.

ويقول مراقبون ان هذا التحالف بين الجيش واردوغان ظهر في البداية في نيسان/ابريل الماضي عندما نقضت اعلى محكمة استئناف تركية حكما صدر عام 2013 دان عشرات الضباط الكبار خلال محاكمة كبيرة تقول السلطات ان انصار غولن يقفون وراءها.

ووصف قائد الاركان السابق للجيش التركي ايلكر باسبوغ الذي كان حكم عليه بالسجن المؤبد خلال هذه المحاكمة، ما قام به الانقلابيون ب"العمل الارهابي"، مضيفا "آمل بان يخرج الجيش اقوى بعد هذه الاحداث".

وقد تدفع هذه المحاولة الانقلابية الفاشلة اردوغان الى العمل على الحد من سلطات الجيش، الذي يعتبر من المؤسسات النادرة التي لا تزال تتمتع باستقلالية نسبية. 

وقد باشرت السلطات منذ صباح السبت حملة تطهير واسعة شملت ضباطا كبارا وقضاة ووصل عدد المعتقلين الى اكثر من ستة الاف شخص.

واضاف ماركو "ان الجيش يمكن ان يفقد بعد هذه الاحداث وبشكل نهائي دوره كلاعب اساسي في النظام، ليقتصر على الدور التقليدي لاي جيش اخر".

وتوقع ان يعتمد اردوغان اكثر فاكثر على قوات الشرطة التي وقفت بقوة في وجه الانقلابيين.

واذا كانت اقلية صغيرة داخل الجيش قامت بالمحاولة الانقلابية فان هذا العمل ادخل الجيش بكامله في ازمة.

واوضح كيمان ان الجيش وبعد ان دعم الرئيس المنتخب اردوغان قد يقدم نفسه الان "ليس فقط كحام للعلمانية بل ايضا للديموقراطية".

وفي حال اتخذ اردوغان قرارا بفرض عقوبات على المؤسسة العسكرية فان هذا الامر لا يمكن الا ان يكون له تأثير سلبي وخصوصا ان الجيش في قلب مواجهتين عسكريتين ضد المتمردين الاكراد وضد تنظيم الدولة الاسلامية في سوريا.