عندما هاجم دونالد ترامب والدي جندي قتل في العراق، فإنه عمليًا، مسّ بأحد المحرمات الاميركية، لأن القوات والمحاربين القدامى، وخصوصًا الأهل الثكالى، يعتبرون جميعًا خطوطًا حمراء في المجتمع الأميركي.


نيويورك: تخص الولايات المتحدة ابناء المؤسسة العسكرية بمكانة فريدة. فإن كنت تصعد الى طائرة، تبقى الاولوية للعسكريين الذين هم في الخدمة. وان كنت تشاهد حدثًا رياضيًا، من واجبك الوقوف والتصفيق لمجموعة من المحاربين القدامى اثناء استراحة في وقت من الاوقات.

وعندما هاجم دونالد ترامب والدي جندي قتل في العراق، فهو مسّ بأحد المحرمات الاميركية، لأن القوات والمحاربين القدامى، وخصوصًا الاهل الثكالى، خط أحمر.

الاختلاف في الآراء السياسية جائز معهم، لكن لا بد من احترام تضحياتهم.

ويروي الكسندر ماكوي (28 عامًا) العنصر السابق في مشاة البحرية الاميركية (المارينز)، الذي يدرس العلوم السياسية في جامعة كولومبيا بنيويورك، انه تمت ترقيته خلال رحلات الى درجة الاعمال أو حتى الدرجة الاولى، وأن اشخاصًا لا يعرفهم قدموا له الجعة أو حتى دفعوا ثمن وجبات طعام له، وأنه تلقى حسومات لعروض سينمائية أو بطاقات لدخول منتزهات لمجرد كونه محاربًا سابقًا.

وقال ماكوي لفرانس برس "اعتقد أن الثقافة الاميركية تقدر الخدمة العسكرية. إن الشعب الاميركي نسج اسطورة حول الحرب، لان خبرته محدودة في هذا المجال في اميركا".

وعلى خلاف عدة دول، بما فيها المانيا، حيث كان يتمركز ماكوي، لم تشهد الولايات المتحدة حربًا على اراضيها منذ الحرب الاهلية في 1861-1865.

فالهجوم الياباني على بيرل هاربور في 1941 وقع على مسافة آلاف الكيلومترات من الاراضي الاميركية، واعتداءات 11 سبتمبر 2001 كانت اكبر خطر واجهه هذا البلد منذ ذلك الحين.

وساهمت هذه الاعتداءات التي ذهب ضحيتها ثلاثة آلاف شخص في نيويورك وواشنطن وبنسيلفانيا، في اضعاف الاحساس بالامان وعززت الدعم للجيش المدافع عن اميركا.

ثم ارسل الرئيس جورج بوش الابن قوات الى افغانستان، وقام بغزو العراق. ودعم الاميركيون المؤسسة العسكرية وأبقوها بمنأى عن الانتقادات التي تناولت السياسة الخارجية خلف الحروب.

مؤسسة عائلية

ويقول مايكل آلن استاذ التاريخ في جامعة نورث ويسترن إن "ادارة بوش والحكومة الفدرالية عمومًا نمت قومية شعبية بعد اعتداءات سبتمبر لاسباب مختلفة".

ويضيف "اعتمد بوش على حدسه وعلى كيفية تسويق الحرب على الارهاب وابدع في ذلك لانه كان امرًا فطريًا بالنسبة له".

لكن المؤسسة العسكرية لم تكن على الدوام في الماضي موضع تقدير كما هي عليه اليوم. فكانت المعارضة لحرب فيتنام شديدة لدرجة أن المحاربين القدامى عوملوا معاملة سيئة، رغم مقتل اكثر من 58200 جندي اميركي في هذا النزاع.

لكن ان كان الوضع تبدل الآن، الا ان المؤسسة العسكرية تبقى بعيدة جدًا عن المدنيين. فقد تم تجميع القواعد العسكرية الاميركية التي كانت منتشرة في كافة انحاء البلاد، كما ان الكثير من الجنود يتحدرون من أسر عسكرية، ويعتقد ماكوي ان ذلك يخلق "مؤسسة عائلية".

وتقول ديبورا غام، وهي محاسبة من فينيكس، خدم زوجها في صفوف الجيش الاميركي لاكثر من 20 عاماً، بما في ذلك في الصومال والعراق وافغانستان، إن "الناس يحترمون المحاربين القدامى".

وتضيف "لكن اعتقد أن درجة الاحترام ليست كبيرة انها سطحية جدا".

كما لم يتم الاستثمار بشكل كافٍ في البرامج التي تساعد الجنود على العودة الى الحياة المدنية. ويدرس الكونغرس اقتطاعات كبيرة في الاموال المخصصة لتعليم &المحاربين القدامى واسكانهم.

وتقول غام: "عندما نقطع وعودًا لاشخاص يبرمون عقودًا قد تدفعهم الى الموت، علينا احترامها. هناك اشخاص يقولون إنهم يدعمون العسكريين لكن في الواقع لا يفعلون".

أفكار نمطية مضرة

وتقول غام إنها قلقة للطريقة التي تصور فيها هوليوود المحاربين العائدين من ساحات حرب كأشخاص عنيفين أو يعانون من اضطرابات نفسية شديدة جراء ذلك، وترى أن الرأي العام غالبًا ما يصورهم على انهم ضحايا.

واوضحت لفرانس برس "اعتقد أن هناك افكارًا نمطية مضرة حقاً"، مضيفة "نادراً ما يرتكب المحاربون القدامى المصابون باضطرابات نفسية شديدة اعمالاً عنيفة".

عندما كان زوجها في العراق ذهبت الى مطعم مع ابنتها وكانت نساء جالسات الى طاولة مجاورة يتهمن الجنود بارتكاب جرائم قتل. وطلبت نقلها الى طاولة بعيدة لكي لا تصغي ابنتها الى هذه التعليقات.

ويرى آلن أن جذور تمجيد المحاربين القادمى اليوم تعود الى محاولات ريتشارد نيكسون تهميش الحركة المعادية لحرب فيتنام من خلال استخدام الرياضة للقيام بذلك.

وقال آلن إنه كان يصر بانتظام على مشاهدة مباريات كرة القدم ويصطحب سجناء حرب سابقين لحضور احداث رياضية. ومُنح سجناء حرب سابقون بطاقة مجانية مدى الحياة لحضور مباريات بطولة البيسبول الاميركية.

وبعد تقييم الاضرار الناجمة عن المشاعر المعادية لحرب فيتنام على المحاربين القدامى، انضم الديموقراطيون الى الجمهوريين لتقديم دعم ثابت للمؤسسة العسكرية.

وقال آلن "الدروس التي تعلمها اليسار تقضي بعدم انتقاد العسكريين أو المحاربين القدامى اطلاقًا، فهذا امر ممنوع بتاتًا".

وتقول غام تعليقًا على انتقاد ترامب والدي خان، الجندي المسلم الذي قتل في العراق في هجوم انتحاري، "لا يجوز على الاطلاق انتقاد أسرة بطل. هذا من المحرمات".