يقول المفكر الاستراتيجي الأميركي جيمس كارافانو إن الارتقاء بعلاقة الهند بالصين إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية يمكن أن يوقف صعود المارد الصيني في آسيا، وأن يؤثر في أمن الخليج العربي.

وضع الكونغرس الأميركي قواعد عديدة تحدد كيف يجب أن تدبر أميركا علاقاتها الاستراتيجية. لكن جيمس جاي كارافانو، مدير بحوث الأمن القومي والشؤون الخارجية في مؤسسة هيريتج، يقول إن هذه القواعد لا تعمل بصورة جيدة في عالم القرن الحادي والعشرين.

يشير كارافانو إلى أن الولايات المتحدة أقامت منذ عقود نظامًا على مستويين: الأول يتألف من الحلفاء الرسميين أي التحالفات التي اتسمت بها العلاقات الأمنية الأميركية، خصوصًا بعد الحرب العالمية الثانية، مثل شركائها في حلف الأطلسي واليابان وكوريا الجنوبية.&

احتفظت هذه التحالفات بأهميتها. حتى بعد نهاية الحرب الباردة؛ الثاني يتألف من الأصدقاء الذين يسود بينهم فهم مفاده أن ترسيخ المصالح المشتركة مع الولايات المتحدة لا يحتاج إلى شراكات دفاعية رسمية، بل كانت ثمة خلافات تحول دون إقامة أحلاف رسمية. لكن التعاون الدفاعي مع هؤلاء الأصدقاء ظل وافيًا، وما زالت هذه الصيغ تخدم المصالح الأميركية مثل العلاقة الدفاعية بين الولايات المتحدة والسويد.&

مستويان

بحسب مقالة نشرها موقع "ناشونال إنترست"، يلاحظ كارافنو، أحد أهم المفكرين الاستراتيجيين المحافظين في واشنطن، والذي يعد المفكر الأقرب إلى إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، أن العلاقة بين الولايات المتحدة والهند لا تندرج في مستوى "الصداقة" ولا في مستوى "التحالف"، وما يحرك التقارب الاستراتيجي بين واشنطن ودلهي هو بكين، ولا تحتاج الولايات المتحدة والهند إلى تحالف مكرَّس بمعاهدة للتعامل مع الصين.&

هذا الكلام غاية في الأهمية إذ يأتي من كارافانو، الداعي إلى علاقة استراتيجية بين الولايات المتحدة والهند، يمكن أن تتحول إلى&العلاقة الأهم من المنظورين الاستراتيجيين، الجغرافي والاقتصادي.

يقول: "إن طوّرت الولايات المتحدة هذه العلاقة مع الهند، فإنها ستؤثر في أمن منطقة الخليج العربي ولذا يحرص المثقفون وصناع السياسة العرب على تقصي تفاصيل ديناميكيات هذه العلاقة. كما ستؤثر في منطقة جنوب شرق آسيا، خصوصًا في المنطقة الأخيرة حيث يمكن أن تؤدي دورًا مهمًا في الحدّ من صعود القوة الصينية هناك".

إطار إقليمي

يقترح كارافانو إيجاد إطار إقليمي لتدبير النفوذ الصيني المتصاعد في آسيا، قائلًا إن الصين تحاول أن تعيد كتابة المعايير الدولية، في حين أن ما يجمع بين واشنطن ودلهي ليس مواجهة الصين تحديدًا، بل الرغبة في إشاعة السلام والازدهار في المحيطين الهندي والهادئ.&

من جهة اخرى، يرى في المقالة المنشورة في "ناشيونال إنترست" أن ما تحتاجه الولايات المتحدة والهند هو أن تكونا أكثر من دولتين صديقتين، وأن النشاطات التي يجب أن تقوما بها مثل تسيير دوريات بحرية مشتركة وتطوير عمليات دفاعية مشتركة ضد الغواصات تتطلب&تعزيز قدرة البلدان على القيام بعمل عسكري موحد، وتحديث التعاون الاستخباراتي بينهما، وضمان وجود قدرات عسكرية يمكن تبادلها.&

إلا أن الولايات المتحدة والهند ليستا قريبتين من تحقيق هذه الدرجة من التعاون والتنسيق، لذا يقترح كارافانو إيجاد اطار أمني مشترك لا يتطلب تحالفًا رسميًا، لكنه يتيح بناء قدرات عملياتية مشتركة. وفي الوقت نفسه، يرى أنه يجب منح الهند حرية التعامل مع قضايا أمنها الإقليمي التي لا تشكل جزءًا من الجهد المشترك للتوصل إلى موقف مشترك من التحديات في المحيطين الهندي والهادئ، "وهذا النوع من الشراكة ليس موجودًا الآن"، بحسب كارافانو.

الهنود مستعدون

في الختام، يقول كارافانو، مدير بحوث الأمن القومي والشؤون الخارجية في مؤسسة هيريتج، أن الولايات المتحدة تحتاج إلى علاقة دفاعية فريدة مع الهند، "علاقة تحقق منافع التحالف من دون الهيكل الرسمي الذي يقترن به، وتمثل إقامة علاقات ثنائية متينة مع شركاء استراتيجيين في المنطقة مثل اليابان وأستراليا والهند، ركنا أساسيا في بناء نظام اقليمي مستدام. وهذا التوجه منطقي لأن الهند مستعدة للقبول به على الأرجح".

في وقت تبحث فيه الاستراتيجية الأميركية عن أصدقاء وحلفاء يساهمون بقسط أكبر في جهد الدفاع المشترك، يبدو أن الهنود أكثر من مستعدين للتجاوب معها. فدلهي تدرك أن نجاح مشروع المحيط الهندي-المحيط الهادئ يتطلب التزامًا اميركيًا، وارتقاءً بعلاقتها بالهند إلى مستوى الشراكة الفريدة مع الولايات المتحدة، وهذا سيمكنهما من أداء هذا الدور في المنطقة.

ويختم كارافانو في مقالته بالقول إن اعطاء هذا النوع من العلاقة اسمًا ليس بأهمية ترجمتها إلى الواقع، "وهذا يتطلب تفكيرًا جديدًا في السياسات الاميركية من جهة، وتغييرات في قواعد الكونغرس من جهة أخرى".