إيلاف من باريس: نصح معهد استراتيجي فرنسي الحكومة الفرنسية بتغيير سياستها العربية، والتركيز على المغرب العربي، وترك المشرق العربي والخليج لأنهما أنكلوساكسونيان، ولا مكان لفرنسا فيهما.

أصدر معهد مونتانيي (Montaigne) للدراسات الإستراتيجية دراسة بعنوان "عالم عربي جديد، سياسة عربية جديدة لفرنسا" حول سياسة فرنسا في عالم عربي مستجد، يشرح معدها حكيم القروي، المستشار في الشؤون الإستراتيجية ومساعد رئيس الوزراء الأسبق جان بيار رفارين، أخطاء فرنسا في عالم عربي يعيش تحولات كبيرة منذ ست سنوات.

تقدم الدراسة عرضًا لما يجب أن تكون عليه سياسة فرنسا في عالم عربي، تجمعها فيه علاقات تخطت المصالح لتصبح علاقات أخوة وتعاون مع دول كانت مستعمرات أو محميات فرنسا على غرار المغرب والجزائر وتونس اضافة إلى سوريا ولبنان، وهي دول تقع في منطقة الشرق الأوسط التي تمتد من موريتانيا إلى العراق، وتمر بالخليج ودول الشرق التي لا تغيب عنها قوتان اقليميتان غير عربيتين هما تركيا وإيران في مثلث وصفه معد الدراسة بـ 'هلال الأزمات'.

تراجع فرنسا عربيًا

يقول معد الدراسة إن ثقل فرنسا في المنطقة بات خيالاً، نراه في التناقضات فهي تقف وراء الثورات وتدعم انقلابات عسكرية، وهي خلف أنظمة ديكتاتورية ومدافعة في الآن معًا عن الديمقراطية، تدعم ميليشيات مسلحة وتشارك في مكائد.

في المقابل، حافظت فرنسا على ثقلها الإقتصادي في دول المغرب العربي، لكنها كانت اتفاقيات راعت المصالح الشخصية للقادة في هذه الدول، مثل اتفاقيات الشراكة الموقعة مع الشركة القابضة للعائلة المالكة المغربية، هذا من دون تغييب الإتفاقيات الأمنية والتعاون العسكري مع دول المنطقة الذي يؤمن لفرنسا حضورًا عسكريًا في منطقة واجهت فيها أول انتكاستها الديبلوماسية الفرنسية حين وقفت عاجزة عن وضع حد للأزمة في سوريا بعد سنوات عرفت فيها مجدها العالمي، وكان لسياستها موقف في الأزمات حين وقفت إلى جانب العراق في حربه ضد إيران في عام 1980 ورفضت الإجتياح الأميركي للعراق في عام 2003.

تركيز على المغرب العربي

يدعو معد الدراسة فرنسا إلى التوجه نحو دول المغرب العربي، وجعلها اولوية عوضًا عن الشرق الأوسط، وعن الخليج الذي يتأثر بالثقافة الأنكلوساكسونية التي تجعله بعيدًا جدًا عما تمثله فرنسا سياسيًا وثقافيًا، على الرغم من الإستثمارات الخليجية في فرنسا.

من هنا، يطرح معد الدراسة سياسة لفرنسا تجاه دول المغرب العربي تقوم على ثلاثة محاور، يتصدرها التعاون الأمني بين الجانبين انطلاقًا من اعتبار امن دول المغرب العربي أساسًا لمواجهة الإرهاب ثم التطور الإقتصادي مع المغرب والجزائر وتونس عبر إعادة إطلاق المفاوضات لإرساء معاهدات للتبادل الحر معهم والتأثير الثقافي عبر تطوير المعرفة الثقافية لدول المغرب العربي وعلى فرنسا العمل لأن تصبح دولة مراقب في منظمة التعاون الإسلامي.

كيف تكون فرنسا عربية؟

يستعرض معد الدراسة نماذج لما يجب أن تكون عليه سياسة فرنسا، يبدأها من لبنان حيث عليها أن تبقى حيادية، وأن تبتعد عن دعم طرف على حساب آخر، وأن تستعيد دورها كوسيط في الأزمات.

أما في سوريا، فيُحتم عليها اليوم دعم التوصل إلى حل سياسي يراعي مصالح القوى الإقليمية من دون أن تجعل من رحيل بشار الأسد شرطًا، وإنما يجب أن يكون رحيله في اطار حل سياسي على المدى القصير أو المتوسط، هذا من دون تغييب عملية السلام حيث على فرنسا دعم حل الدولتين كأساس لحل الصراع بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي.
يستعرض الباحث علاقات فرنسا مع مصر، حيث على فرنسا أن تعمل على ايجاد مناخ داخلي يكون للمعارضة فيه مكان لكي تستطيع أن تلعب القاهرة دورًا في أزمات المنطقة، خصوصًا في حل النزاع الليبي.

ينهي معد الدراسة بحثه بالقول إن فرنسا ألهمت العالم العربي سنوات وما يحصل اليوم هو العكس، حيث تنعكس الفوضى التي تعم العالم العربي على الداخل الفرنسي خصوصًا في ما يتعلق بالإسلام والتطرف والجهاديين.

للاطلاع على الدراسة كاملة بالفرنسية:
http://www.institutmontaigne.org/fr/publications/nouveau-monde-arabe-nouvelle-politique-arabe-pour-la-france