بيروت: أكد رئيس الحكومة المكلف حسان دياب الخميس سعيه لتشكيل حكومة من اختصاصيين ومستقلين تحظى بدعم غربي كامل وتعالج الانهيار الاقتصادي، على وقع صدامات اندلعت بين مناصري رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، المحتجين على تكليف دياب، والجيش في بيروت، إثر قطع طرقات رئيسية.

وعشية بدء دياب مسار تشكيل الحكومة باستشارات يجريها مع الكتل النيابية، دعا وكيل وزارة الخارجية الاميركية للشؤون السياسية ديفيد هيل من بيروت المسؤولين إلى تشكيل حكومة تلتزم إجراء "اصلاحات هادفة ومستدامة".

وكلّف رئيس الجمهورية ميشال عون الخميس وزير التربية السابق والأستاذ الجامعي دياب (60 عاماً) تشكيل حكومة جديدة، إثر انهاء استشارات نال فيها تأييد نواب حزب الله وحلفائهم، بينما حجب أبرز ممثلي الطائفة السنية التي ينتمي اليها، أصواتهم عنه، في مقدمهم رئيس الحكومة السابق سعد الحريري ونواب تيار المستقبل الذي يتزعمه.

وقال دياب في تصريحات متفرقة الجمعة إن هدفه تشكيل "حكومة اختصاصيين ومستقلين" تتفرّغ لمعالجة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، أملاً أن يتمكن من تأليفها "خلال شهر أو خلال ستة أسابيع حدا أقصى".

ولا تجمع القوى السياسية الرئيسية على شكل الحكومة المقبلة. واصطدم إصرار الحريري، الذي كان المرشّح الأبرز لتولي رئاسة الحكومة، على تشكيل حكومة اختصاصيين، برفض قوى سياسية رئيسية أبرزها حزب الله، الذي يريد حكومة لا تقصي فريقاً سياسياً رئيسياً.

وبرز اسم دياب بشكل مفاجئ عشية استشارات التكليف، بعد اعلان الحريري أنه لن يكون مرشحاً لتولي رئاسة الحكومة نتيجة الخلاف على شكل الحكومة وعدم حصوله على دعم الكتلتين المسيحيتين الأبرز في بلد يقوم نظامه على التوافق بين الطوائف كافة.

حجارة ومسيل للدموع

وأثارت تسمية دياب غضب مناصري الحريري، الذين قطعوا طرقات رئيسية وفرعية الجمعة في بيروت وفي منطقة الناعمة جنوبها وفي طرابلس وعكار شمالاً والبقاع شرقاً. ويعتبر هؤلاء أن دياب لا يمثّل الطائفة السنيّة التي ينتمي إليها.

ونال دياب تأييد ستة نواب سنّة فقط من إجمالي 27 نائباً يمثلون الطائفة السنية في البرلمان، بعد حجب نواب تيار المستقبل، الكتلة السنية الأبرز، أصواتهم عنه، مقابل دعمه من نواب حزب الله وحليفته حركة أمل بزعامة رئيس البرلمان نبيه بري، والتيار الوطني الحر، حزب الرئيس اللبناني.

وفي محلة كورنيش المزرعة التي تعدّ من معاقل تيار المستقبل في العاصمة، قطع محتجون طريقاً رئيسياً وحصل تدافع بينهم وبين عناصر الجيش ظهراً. وتجددت الصدامات بين الطرفين ليلاً لدى محاولة الجيش فتح الطريق.

ورشق المحتجون الذين رددوا هتافات داعمة للحريري، عناصر الجيش بالحجارة والمفرقعات النارية بكثافة، ما تسبب بحالة من الفوضى والتوتر لا تزال مستمرة منذ نحو ساعتين. كما أشعلوا الاطارات المطاطية.

وتدخلت قوات مكافحة الشغب وأطلقت القنابل المسيلة للدموع لتفريقهم، تزامناً مع ازدياد أعداد المحتجين الغاضبين الذين توافدوا من مناطق قريبة تعد معاقل نفوذ تيار المستقبل.&

ودعا الحريري مناصريه الجمعة إلى الانسحاب من الطرق، بعد دعوة مماثلة وجهها ليل الخميس، حذّر خلالها من أن "الأزمة التي يواجهها لبنان خطيرة ولا تحتمل أي تلاعب بالاستقرار".

ورداً على سؤال حول افتقاده لغطاء سني جامع، أكد دياب أن تكليفه "دستوري"، نافياً أن تكون حكومته "حكومة حزب الله". واعتبر التسمية "أمر سخيف... فهذه الحكومة ستكون وجه لبنان، ولن تكون حكومة فئة سياسية معينة".

وجال دياب، ذو التجربة السياسية القصيرة بخلاف مسيرته الأكاديمية في الجامعة الأميركية في بيروت حيث يشغل منصب نائب رئيسها، الجمعة على رؤساء الحكومات السابقين، وفق ما يقتضي البروتوكول. والتقى الحريري للمرة الأولى بعد تكليفه.

وقال مصدر مقرب من الحريري لفرانس برس إن "تيار المستقبل لن يشارك في الحكومة المقبلة".

وغالباً ما يستغرق تأليف الحكومة في لبنان، البلد الذي يقوم نظامه على المحاصصة الطائفية والسياسية، أشهراً عدة جراء الخلاف بين القوى الرئيسية على توزيع الحقائب والحصص.

اصلاحات مستدامة

ويبدأ دياب السبت الجولة الأولى من استشارات التأليف مع الكتل النيابية في مقر البرلمان، والتي قال إنها ستتوسع لتشمل ممثلين عن المتظاهرين في الشوارع منذ 17 تشرين الأول/أكتوبر في حراك غير مسبوق بدا عابرا للمناطق والطوائف، مطالبين برحيل الطبقة السياسية مجتمعة.

وأوضح "نحن بصدد تحضير لقاءات عديدة بدءاً من يوم الأحد" مع ممثلين عن المتظاهرين الذين طالما رفضوا اختيار ممثلين عنهم لحوار السلطة، مصرين على عفوية تحركهم.

ولن تكون مهمة دياب في تشكيل الحكومة سهلة على وقع تدهور اقتصادي متسارع. فهو يواجه من جهة حركة احتجاجات شعبية غير مسبوقة تطالب بحكومة اختصاصيين غير مرتبطة بالطبقة السياسية، ومن جهة ثانية المجتمع الدولي الذي يربط تقديمه دعماً مالياً لبنان بتشكيل حكومة إصلاحية.

ولم يبد المتظاهرون الناقمون على الطبقة السياسية موقفاً جامعاً من تكليف دياب، الذي طالبهم بمنحه "الفرصة" لتشكيل "حكومة استثنائية".&

ويتوقّع دياب أن تنال حكومته "الدعم الكامل من الأوروبيين والولايات المتحدة"، مضيفاً "أعتقد أن الأميركيين عند تأليف حكومة بهذا الشكل سيدعمونها لأن هدفها إنقاذ الوضع في لبنان".

وتزامنت مواقف دياب مع جولة أجراها هيل على المسؤولين اللبنانيين شملت كلاً من عون وبري والحريري. وقال عقب لقاء عون، "ليس لدينا أي دور في قول من ينبغي أن يتولى رئاسة الحكومة وتشكيلها، أو بالأحرى أي حكومة"، إلا أنه حضّ القادة السياسيين على "إجراء إصلاحات هادفة ومستدامة، يمكنها أن تقود إلى لبنان مستقر ومزدهر وآمن".

واعتبر أن الوقت حان ل"تشكيل حكومة تلتزم بإجراء تلك الإصلاحات وتستطيع القيام بها".

وإثر لقائه الحريري، قال هيل "نحن على استعداد لمساعدة لبنان على دخول فصل جديد من ازدهار اقتصادي يتميز بالحكم الرشيد وخال من الفساد. ولكننا وأصدقاء لبنان الآخرين يمكننا فعل ذلك فقط عندما يقوم قادة لبنان بإلتزام صادق وواضح وظاهر بالاصلاح".

وتأمل القوى السياسية أن يفتح تشكيل الحكومة الباب أمام تقديم المجتمع الدولي مساعدات ملحة يحتاجها لبنان لتفادي انهيار اقتصادي أكبر، في بلد يعيش ثلث سكانه تحت خط الفقر ورجّح البنك الدولي أن يرتفع الى نحو خمسين في المئة.&

وتشهد البلاد انهياراً اقتصادياً ومالياً يُهدد اللبنانيين في وظائفهم ولقمة عيشهم مع أزمة سيولة حادة، تفاقمت مع شح الدولار وفرض المصارف قيوداً على حركة الأموال، تزامناً مع ارتفاع مستمر في أسعار المواد الأساسية.&

وتعدّ الأزمة الاقتصادية الراهنة وليدة سنوات من الفساد والنمو المتباطئ، مع عجز الدولة عن إجراء إصلاحات بنيوية، وتراجع حجم الاستثمارات الخارجية، عدا عن تداعيات الانقسام السياسي الذي فاقمه النزاع في سوريا.&