باريس: تبذل الجزائر وتونس الحريصتان على البقاء على مسافة واحدة من معسكري الحرب في ليبيا، والرافضتان لأي تدخل اجنبي في البلد الجار، جهودهما للتوصل الى حل سلمي في ليبيا.

ووسط نشاط دبلوماسي حثيث، حضت الجزائر المجتمع الدولي وخصوصا الامم المتحدة على "تحمل المسؤولية" لـ"فرض وقف فوري لاطلاق النار وانهاء التصعيد العسكري" في ليبيا.

ومنذ قرار تركيا الاخير بنشر قوات في ليبيا، تكثف الدبلوماسية الجزائرية المشاورات بغرض تهدئة الازمة المهددة بالتدويل.

واعتبر مدير البحوث في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية بباريس كريم بيطار ان الجزائر التي تواجه حركة احتجاج شعبية، "تسعى خصوصا للحفاظ على استقرارها".

وأضاف أن "الجزائر ليست لها مصلحة في أن تكون في قلب هذه الحرب بالوكالة" في ليبيا.

واعترافا بدورها الاقليمي، رغم عدم ظهورها دوليا منذ اصابة رئيسها السابق عبد العزيز بوتفليقة بجلطة دماغية في 2013، تمت دعوة الجزائر رسميا للمؤتمر الدولي المقرر قريبا في برلين لمحاولة التوصل الى حل سياسي في ليبيا برعاية الامم المتحدة.

عدم التدخل

وليبيا الغارقة في الفوضى منذ الاطاحة بنظام معمر القذافي في 2011، منقسمة اليوم بين سلطتين، حكومة الوفاق الوطني المعترف بها من الامم المتحدة ومقرها طرابلس، وسلطة موازية في الشرق مدعومة من المشير خليفة حفتر.

وتحظى حكومة طرابلس برئاسة فائز السراج بدعم تركيا في حين يلقى حفتر دعما من السعودية ومصر والامارات.

وتواجه حكومة السراج منذ ابريل 2019 حملة عسكرية من قوات المشير حفتر قائد "القوات المسلحة العربية الليبية" للسيطرة على طرابلس.

وسيطر حفتر الاثنين على مدينة سرت، الموقع الاستراتيجي بين شرق ليبيا وغربها. وأشاد حفتر الخميس بالنداء الذي وجهته موسكو وأنقرة لوقف اطلاق النار الاحد، لكنه أعلن استمرار عملياته العسكرية ضد قوات حكومة السراج.

وتعتبر الجزائر التي ترفض "كل تدخل أجنبي" في ليبيا، طرابلس "خطًا أحمر لا يجب تجاوزه". وتدعو الى "عودة سريعة لمسار الحوار الوطني الشامل".

ورأى الصحافي الجزائري أكرم خريف المتخصص في مسائل الدفاع ان أولويات السلطات الجديدة في الجزائر واضحة "رفض كل تدخل أجنبي وتعزيز أمن الحدود وتجديد التأكيد على سيادة حكومة الوفاق وشرعية فائز السراج" الذي يستقبل بانتظام في العاصمة الجزائرية.

من جهته، قال المحلل جلال حرشاوي ان "الجزائريين ضد حرب حفتر على طرابلس، لانهم على قناعة تامة أنه لا يستطيع انهاءها".

وأضاف "هم يعتقدون أننا ازاء حرب مدن لا يمكن الانتصار فيها وبلا نهاية ما سيعني أزمة انسانية متعاظمة وموجات نزوح يمكن أن تؤثر على تونس والجزائر، دون نسيان مخاطر تصاعد الآفة الجهادية".

لا انحياز

وللجزائر وتونس، اللتين تتشاوران في الملف الليبي، الانشغالات الامنية ذاتها. فللجزائر نحو 1100 كلم من الحدود مع ليبيا، ولتونس حدود طولها 450 كلم مع جارتها الشرقية.

يذكر ان سلسلة الاعتدءات "الجهادية" التي شهدتها تونس في عامي 2015 و2016 تم التخطيط لها في ليبيا، كما حاول تنظيم الدولة الاسلامية انطلاقا من الاراضي الليبية الاستيلاء على مدينة بنقردان (ولاية مدنين، جنوب شرق تونس) في 2016.

وأثارت الزيارة غير المعلنة للرئيس التركي رجب اردوغان مؤخرا الى تونس تساؤلات.

وتساءلت صحيفة "لابراس" التونسية الحكومية "هل ستستخدم تونس قاعدة خلفية للتحالف المعادي لحفتر او ستكون وسيطا في هذه الأزمة؟".

ووضعت الرئاسة التونسية حدا للتكهنات بتأكيدها ان "تونس دولة ذات سيادة ولن تقبل أبدا ان تكون ضمن أي حلف".

ورأى المحلل السياسي التونسي يوسف الشريف "ان تونس باقية على السياسة الخارجية التقليدية القائمة على عدم الانحياز".

وأضاف "الامر المهم الذي بامكان تونس ان تفعله هو وضع مستشفياتها على ذمة الجرحى وعدم غلق حدودها أمام اللاجئين".

وكانت تونس آوت في 2011 مئات آلاف الاشخاص الفارين من النزاع في ليبيا، وهي تستعد لتدفق محتمل جديد للاجئين.

أما الجزائر فهي بحسب المنظمة الدولية للهجرة، تستقبل يوميا عددا من المهاجرين يفوق ما تستقبله أوروبا كلها.