ايلاف من لندن: فيما بدأ العراق الاحد بتطبيق قرار تخفيض قيمة عملته الوطنية بالترافق مع عقد الحكومة اجتماعا استثنائيا للتصديق على الموازنة العامة لعام 2021 باجراءات تقشفية لتقليص عجزها المالي البالغ 50 مليار دولار، فقد خير الكاظمي العراقيين بين الفوضى والانهيار أو القبول باصلاحات مؤلمة وصفها بالقيصرية.

وتعقد الحكومة العراقية اليوم جلسة استثنائية خاصة في مسعى للانتهاء من اجراء تعديلات على مسودة فقرات الموازنة العامة للبلاد لعام 2021 لم تستطع الانتهاء منها امس خاصة مع الاستياء العام الذي اثارته اثر تسريب نسخة اولية منها الى الاعلام الجمعة واطلاع المواطنين على تفاصيلها وسط ردود فعل شعبية وسياسية سلبية.

خياران أمام العراقيين: الفوضى او الاصلاح
وقد خير رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي العراقيين بين الذهاب الى الفوضى وانهيار النظام او اجراء اصلاحات مؤلمة من خلال عملية وصفها بالقيصرية لانقاذ البلاد من وضعها المالي الخطير.
وأشار الكاظمي في كلمة لدى بدء مجلس الحكومة بمناقشة مشروع الموازنة العامة قبل ارساله الى البرلمان للتصويت عليه الى انه "منذ عام 2003 نعاني من التأسيس الخطأ الذي يهدد النظام السياسي والاجتماعي بالانهيار الكامل ولذلك فإنه ليس امامنا سوى انهيار النظام والدخول في فوضى عارمة أو ندخل في عملية قيصرية للإصلاح"، كما نقل عنه مكتبه الاعلامي في بيان صحافي ليل السبت تابعته "إيلاف".

فيديو جلسة الحكومة العراقية لانجاز الموازنة العامة لعام 2021:

واعتبر الكاظمي ان "الأزمة السياسية في العراق مرتبطة بثلاث قضايا هي السلطة والمال والفساد ونعمل على معالجة الأزمة من منطلق اقتصادي وبقرار جريء لتذليل عقبتي الفساد والمال". وشدد بالقول " من غير المعقول أن نخضع لمعادلة الفساد السابقة فإما أن نصحح الأوضاع أو نضحك على الناس " .

واضاف " تبنينا ورقة إصلاح بيضاء فكل دول العالم المتطورة مثل كوريا الجنوبية وسنغافورة والإمارات اتخذت قرارات صعبة وبدأت بخطوات جريئة وبروح التضحية". وقال " أنا أول المتضررين من الموازنة المقبلة، حيث سأتعرض الى انتقادات عديدة. وبين قائلا " كان من الممكن أن أدخل للانتخابات وأخدع الناس لكن ضميري لايسمح لي فعل ذلك".
وأكد الكاظمي على انه "ليس مسموحا أن يتردد احد والذي يخاف مكانه ليس في مجلس الوزراء وعلينا أن نكون على قدر المسؤولية، كونها قضية تأريخية ومفصلية". وختم بالقول إن " الورقة البيضاء والإصلاحات التي نقوم بها حصلت على دعم دولي وإقليمي وسياسي".. مشددا "نسعى من خلال الإصلاحات التي اعتمدناها الى محاربة الفساد والفاسدين والنهوض بالاقتصاد العراقي وصناعة مستقبل قريب أفضل، يحفظ كرامة المواطنين".

الحكومة تسعى اليوم للاتفاق على مشروع الموازنة
وتسعى الحكومة الاحد في اجتماع استثنائي بدأته الى انجاز التعديلات على مشروع الموازنة العامة للبلاد لعام 2021 على طريق معالجة الازمة المالية التي تعصف بالبلاد بسبب انهيار اسعار النفط الذي يمول واردات الدولة بحوالي 90 بالمائة من احتياجاتها المالية، وكذلك بسبب انتشار جائحة كورونا ايضا.
وتشير مسودة مشروع قانون الموازنة المالية الاتحادية لعام 2021 التي اطلعت عليها "إيلاف" الى تثبيت سعر صرف الدولار بـ 1450 ديناراً للدولار الواحد واحتساب سعر برميل التفط الخام بمبلغ 42 دولارا وبمعدل تصدير 3 ملايين و250 الف برميل يومياً بضمنها 250 الف برميل مصدرة من اقليم كردستان.
كما تنص على تخفيض المخصصات الممنوحة لموظفي الدولة وتفرض ضريبة على البنزين ووقود الطائرات بنسبة 20 بالمائة وسيصبح سعر لتر البنزين 540 دينارا بدلا من 450 دينارا ورفع سعر وقود الغاز بنسبة 15 بالمائة اضافة الى فرض ضريبة مبيعات بنسبة 10 بالمائة على جميع المراكز التجارية والسكائر والسيارات والمشروبات الكحولية ومحلات الحلاقة الرجالية والنسائية.
وتأتي هذه الاجراءات في محاولة لمعالجة جزء من العجز الذي تعانيه الموازنة والبالغ 58 تريليون دينار عراقي (حوالي 50 مليار دولار).
وتشير مسودة الموازنة الى عدد موظفي الدولة يبلغ 3.25 ملايين شخص من ضمنهم 682 الف موظف في اقليم كردستان اذ تبلغ الرواتب 41،5 تريليون دينار والرواتب الاخرى 6 تريليونات دولار ورواتب المتقاعدين 20 تريليوناً والضمان الاجتماعي 9،6 تريليونات، والفوائد على قروض الديون 4،6 تريليونات ودفعات القروض الخارجية : 6،8 تريليونات دينار عراقي (الدولار يساوي 1450 دينارا).
وخولت الموازنة وزير المالية بسد العجز الفعلي في الموازنة من خلال اصدار حوالات خزينة واصدار سندات وطنية للجمهور واصدار سندات وحوالات خزينة للمصارف الحكومية وقروض من المصارف التجارية واصدار سندات خارجية والاقتراض من المؤسسات المالية الدولية والاقتراض بضمانة مؤسسات ضمان الصادرات الدولية.
وتوضح الموازنة ان جميع القروض والسندات والحوالات وتعاقدات المشاريع الممولة بالقروض ستكون معفاة من الضرائب والرسوم الجمركية للمشاريع المستمرة والجديدة بما فيها القرض الممنوح من البنك الدولي لوزارة المالية لمشروع عقد نظام الادارة المالية العامة للسنوات من 2016 الى 2019.
ووصلت المديونية المتمثلة بأقساط الدين الداخلي والخارجي إلى حوالي 15 ترليون دينار عراقي (حوالي 12 مليار دولار).

تطمين المواطنين بعد خفض قيمة الدينار
وفيما بدأ البنك المركزي العراقي الاحد بتطبيق قراره المتخذ امس بتعديل سعر صرف العملة الأجنبية ليكون 1450 ديناراً لكل دولار كسعر شراء العملة الأجنبية من وزارة المالية و1460 ديناراً لكل دولار كسعر بيع العملة الأجنبية للمصارف و1470 ديناراً لكل دولار سعر بيع العملة الأجنبية للجمهور فقد حاول وزير المالية علي علاوي طمأنة المواطنين من ان هذا الاجراء سيحفز الاقتصاد الوطني.
ووصف علاوي في بيان الاحد تابعته "إيلاف" تخفيص العملة المحلية بأنه قرار سياسي مدعوم من القوى السياسية مؤكدا انه لن يؤدي الى زيادة الاسعار مطمئنا بأن الاقتصاد العراقي سيزداد فاعلية مع دخول الاصلاحات الاقتصادية حيز التنفيذ.
واشار الى الاهمية القصوى لاجراء اصلاحات عاجلة في مختلف المجالات والمحاور الاقتصادية ومنها سعر صرف العملة .. منوها الى انه رغم ان هذا القرار هو احد القرارات الصعبة "ولكننا مضطرون لاتخاذه لكونه يعالج جانبا كبيرا من الازمة ولتجنب الحالات المشابهة التي تعرضت لها دول أخرى ولضمان حماية الاقتصاد العراقي وتفعيل نشاطه وتحقيق قفزة اصلاحية شجاعة واجراء تنمية حقيقية بمعونة ومشاركة الجميع حكومة وقوى سياسية وفعاليات اقتصادية واجتماعية".
واكد ان قرار تعديل سعر الصرف سيكون لمرة واحدة فقط ولن يتكرر مستقبلاً وستعمل الحكومة بالاضافة الى البنك المركزي على تثبيت السعر الجديد الذي ينسجم مع متطلبات الاصلاح فيما ستعمل الحكومة بشكل فوري على دعم القطاعات المتضررة والشرائح الفقيرة عبر اجراءات تتضمن زيادة مخصصات الرعاية الاجتماعية في الموازنة العامة من اجل تعويض الارتفاع المحتمل في اسعار بعض السلع المستوردة، كما تم توجيه المصارف الحكومية بزيادة معدلات سعر الفائدة تشجيعاً للمواطنين للاحتفاظ بمدخراتهم في هذه المصارف والاستفادة من الفائدة المرتفعة المقدمة اليهم .
وبين ان تعديل سعر الصرف هو قرار سياسي للقيادة العراقية يحظى بتأييد القوى السياسية والبرلمانية والفعاليات الاقتصادية التي شاركت مع الحكومة في نقاشات مطولة للتوصل الى هذا الاجراء بالاضافة الى الجهات الدولية المختصة ومنها صندوق النقد الدولي.
واكد وزير المالية العراقي ان الاقتصاد العراقي سوف يزداد فاعلية مع دخول الاصلاحات الاقتصادية حيز التنفيذ وان لا صحة للتفسيرات الخاطئة المتشائمة التي يحمل بعضها خلفية سياسية لعرقلة حركة الاصلاح ومنع احداث نقلة نوعية في مجالات الصناعة والزراعة والتنمية.
ويعاني العراق من أزمة مالية غير مسبوقة ناجمة عن جائحة فيروس كورونا وانهيار أسعار النفط الذي يعول العراق على مبيعاته لتمويل 90 بالمئة من موازنته العامة، ما ادى الى اضطراب مالي خطير زاد من معدل الفقر إلى نسبة 40 بالمائة من سكان البلاد البالغ عددهم 40 مليون نسمة.