إيلاف من لندن: في هذه الحلقة من مذكرات الرئيس السنغالي ماكي صال "السنغال في القلب"، يروي كيف بدأ توتر العلاقة بينه وبين الرئيس عبد الله ولد، ودور محيط الرئيس في تأليبه عليه، وكيف طلب منه حارس أمن في القصر الجمهوري الخضوع لـ " تفتيش بدني".

ويشير صال إلى أن الصحافة اعتبرت أن ابناء واد كانوا ثلاثة هم: إدريسا سيك (الابن المستعجل) وكريم واد (الابن المدلل) وماكي صال (الابن الخفي).

يروي صال ايضا قصة تضحية الرئيس واد بقيم الجمهورية واحتقارها من أجل إرساء دعائم حكم أسري في السنغال، ومطالبة الرئيس له بالاستقالة من الجمعية الوطنية بعد اتهامه بالتجاوز والتجرؤ على توجيه المساءلة لإبن الرئيس.

ويقول صال إن الرئيس واد أساء تقديره وفهمه لمعنى المقاومة عنده، مشيرا إلى أن واد كان يرى نفسه الدوحة العظيمة ويراه القصب الضعيف المترنح. وذكر صال أن والده نصحه أن يغادر مرفوع الرأس والسلاح في قبضة يده استعدادا للمعركة القادمة. وفي ما يأتي الحلقة السابعة.

الابنُ الَّذي يجب تصفيتُه!

عندَ اقتراب انتخابات 2007، كان كلُّ شيء يبدو على ما يُرام، حيث عُيِّنتُ مُديرًا للحملة الانتخابيَّة للرَّئيس عبد الله واد، ووضعتُ لنفسي هدفًا يتمثَّل في إعادة انتخاب الرَّئيس من الجولة الأولى.ولتحقيق هذا الهدف، تشكَّلَ فريقٌ مُختصٌّ للقيام بالدِّراسات الميدانيَّة واستطلاعات الرَّأي.وبعد التقصي، قُمنا بوضع استراتيجيَّاتنا في الوقت المناسب.

وعقب الجولة الأولى مِن الانتخابات، تمَّ إعلان الرَّئيس عبد الله واد فائزًا بنسبة 55، 90 في المئة من عدد الأصوات. خلالَ هذا الوقت بالذَّات، برزت بعض الإشارات الَّتي كان ينبغي أن تُنبِّهَني إلى قُرب تراجع مكانتي لدى الرَّئيس واد.

وكانت مضامينُ بعض الاجتماعات الاستراتيجيَّة تصل إلى الصَّحافة، ووصفي بأنَّني مكيافيلي، بالإضافة إلى التَّدخُّلات المتكرِّرة وغير النَّاضجة لابن الرَّئيس كريم واد، ناهيكَ من وجود تقرير مَزعوم للشرطة يدَّعي أنَّني عاجزٌ عن تحقيق إعادةِ انتخاب الرَّئيس من الجولة الأولى.

لا أرغب في قراءة الاخبار المتشائمة

لم أكن أرغب في قراءة هذه الأخبار المتشائمة، لأنِّي كنتُ مُقتنعًا بأنَّ الواقع سيُكذِّبها في المستقبل القريب.

وعندما تَمَّت إعادة انتخاب الرَّئيس، كنت قد ظننتُ بأنِّي نجوتُ من التَّوقُّعات السَّيِّئة، لأنِّي حقَّقتُ رهاني، ولكنِّي عشتُ حادثة أُخرى كان ينبغي أن توقظَ لديَّ المزيدَ من المخاوف، بأنَّ الخطرَ أصبح وشيكًا.

هذه الحادثة عشتُها كالتَّالي: في 19 يونيو 2007، كنتُ ذاهبًا لحضور اجتماع للحزب في رئاسة الجمهوريَّة. في هذا الوقت، كنتُ قد قدَّمتُ استقالتي، كالمعتاد، لكنِّي ما زلتُ الرَّقم الثَّاني في الحزب.

التفتيش البدني

في مدخل القصرِ الجمهوريِّ، طلبَ منِّي حارس الامن أن أقبلَ التَّعرُّض للتَّفتيش، وتركته يقوم بعمله، ودام الأمر طويلًا إلى حدِّ الاستفزاز،حتَّى نفدَ صبري المعروف لدى الجميع، لكنَّ حارس الامن أضاف قائلًا:
"يا سيِّدي، عليكَ أن تتعرَّض لتفتيشٍ بدنيٍّ"، فأجبتُه:

- عفوًا. ماذا قُلتَ؟!

أجابني: "مع الأسف، هذه هي الأوامر الَّتي تلقَّيناها".

فور سماعي هذه الكلمات، عدت من حيث أتيت. وبعدَ وصولي إلى البيت، اتَّصلَ بي الرَّئيس عبد الله واد، ليقولَ لي: "بلغتني الحادثة الَّتي وقعَت لك مع رجال الأمن، والآن حُلَّتِ المُشكلة، ويمكنك أن تأتي، ونحن ننتظرك". قلتُ له: "اعتذر،سيادةَ الرَّئيس، لن أعودَ مرَّةً أُخرى، ما جرى أمرٌ غير مقبول".

بلغني بعدَ ذلك بأنَّ الرئيس واد عقَّبَ على موقفي هذا بقولِه: "ماكي صال ما كان ينبغي أن يغتاظَ بهذا الشَّكل لأمرٍ هيِّن كهذا، وسلوكُه خطأ فادِح".

الرئيس عبدالله واد مع ابنه المدلل كريم

الأبناء الثلاثة

كُنَّا نحن ثلاثة أبناء لواد، حسب وصفِ الصَّحافة، وهؤلاء الأبناء هُم: إدريسا سيك، الابن المُستعجِل، وكريم واد، الابن المُدلَّل، وأنا، الابن الخفيُّ.

وكانت لكريم رابطةُ الدَّم مع والده، وهي أقوى من جميع الرَّوابط، ولكنِّي لم أكن أتوقَّع أن واد، الَّذي كنتُ مُعجبًا به، سيقبل أن يُضحِّي بقِيَم الجمهوريَّة ويحتقرَها إلى هذا الحدِّ، مِن أجل إرساء دعائمِ حُكْمٍ أُسَرِيٍّ في السِّنِغال.

كان الرَّئيس واد قد أنهى فترته الرِّئاسيَّة الأولى، وكانَت مُتألِّقة، ولكنَّ كبار السِّنِّ في الحزب، كانوا قد شعروا بأنَّهم عُزِلُوا لصالح الشَّباب الَّذين لم يتجاوزوا بعدُ أربعين سنة عند وصول واد إلى سُدَّة الحُكم.

والسَّبب في ذلك يرجع إلى أن الرئيس واد كان قد اعتمدَ على الشَّباب في سبيل انتخابِه، كما أنَّه أيضًا، كان قد وضعَ برنامجًا إنمائيًا، على طريقة روزفلت، تضمَّن بناءَ مُنشآت وبنى تحتيَّة ضخمة، بالإضافة إلى تحريرِ الاقتصاد مِن جميع القيود.

كنتُ دائمًا أتحمَّل مسؤوليَّتي بقيامي بمهامي إلى جانب واد، وكنتُ قد أمضيتُ معه إحدى عشرة سنة في المعارضة، وسبع سنوات في السُّلطة. والأمر الَّذي أثار سخطي وغضبي عليه سنة 2008، هو شعوري العميق بالظُّلم الَّذي تعرَّضتُ له.

إنَّ التزامي بالعمل مع واد، كان كاملًا، مثلما كان وفائي له مُطلقًا.

المستشار والوزير، ورئيس الحكومة

عملتُ تحت إدارة واد، أوَّلًا، كمستشار له، ثمَّ وزيرًا، ثمَّ رئيسًا للحكومة، ثمَّ رئيسًا للجمعيَّة الوطنيَّة.

أُذكِّرُ هنا بالأحداث كما عشتُها:خلال هذه الفترة، تحدَّثَت تقارير صحفيَّة كثيرة عن فسادٍ ماليٍّ مُتعلِّق بتنظيم قمَّة مُنظَّمة المؤتمر الإسلاميِّ بدكار. وكانت مسؤوليَّة تنظيم هذه القمَّة تقع على عاتق كريم واد، ابنِ الرَّئيس، وكانت هناك مبالغ ماليَّة ضخمة أُنفِقَت في سبيل بناء المنشآت الضَّروريَّة لعقدِ هذه القمَّة.

في هذا الإطار، أبدَت اللَّجنة الاقتصاديَّة العامَّة للجمعيَّة الوطنيَّة (البرلمان)، والَّتي ينتمي رئيسها للأغلبيَّة الرِّئاسيَّة، رغبتَها في مُساءلة كريم واد، وكذلك عبد الله بالدي، بوصف الأوَّل رئيسًا للوكالة الوطنيَّة المُكلَّفة تتظيم قمَّة مُنظَّمة المؤتمر الإسلامي، والثَّاني مُديرًا تنفيذيًا لها. وكانت مثل هذه المساءلات تدخل فعلًا وبحقٍّ ضمنَ صلاحيَّات الجمعيَّة الوطنيَّة.

إنَّ الأمرَ يخصُّ ابنَ رئيس الجمهوريَّة من دون شكٍّ، لكنَّنا في نظامٍ ديمقراطيٍّ، بحيث لا أحد فوقَ المساءلة، ولا يُعذَر أحدٌ بجهل القانون الَّذي يُطبَّق على الجميع.

بوصفي رئيس الجمعيَّة الوطنيَّة، فأنِّي أضعُ توقيعي على رسالة الاستدعاء الرَّسميَّة الموجَّهة إلى واد الابن.

وكان هذا الموقف هو الَّذي يُمليه عليَّ واجبي، ولو رفضتُ التَّوقيع على هذه الرِّسالة، لكنتُ مُخالفًا للقانون، وهو الأمر الَّذي لا يُمكن تخيُّلُه، ولستُ مُستعدًا للقيام به.

إنَّ رئيس الجمعيَّة لا يُشارك في هذه اللَّجنة الَّتي تعدُّ برنامجها مثل بقيَّة اللِّجان، كما ترى. وعندما يجتمعُ الرُّؤساء، يتمُّ استعراض جدول أعمال كلِّ لجنة برلمانيَّة. وهنا يحقُّ لأعضاء جميع اللِّجان أن يُوجِّهوا مُساءلةً إلى أيِّ شخصٍ أرادوا بخصوصِ هذه القضيَّة أو تلك.

مساءلة كريم واد

في ما يتعلَّق بمساءلة كريم واد، لم يُبدِ أيُّ برلمانيٍّ في اللَّجنة الماليَّة العامَّة أدنى اعتراض، بل العكس، طالبوا جميعًا بهذه المساءلة قبلَ بدئها وخلالَها وبعدَها. ولم يكن موقفُهم مبنيًا على أدنى مشاعر العِداء.

هل يُمكن للإنسان أن يتصوَّر مُطالبة الرَّئيس، في الولايات المتَّحدة أو فرنسا، رئيسَ البرلمان أو مجلس الشُّيوخ بالاستقالة، لأنَّه تجرَّأ على توجيه مساءلة إلى أحدِ أقاربه؟

عندما عيَّنَني السَّيِّد واد رئيسًا للجمعيَّة الوطنيَّة،وجَّهَ إليَّ هذه الكلمات: "لا بُدَّ لي مِن جمعيَّة وطنيَّة تتميَّز بالقطيعة عن سابقاتها، وانتظر ذلك منك".

بعد هذه الحادثة، فهمتُ معنى القطيعة الَّتي كان يعنيها. فمثلًا: في يوم من الأيَّام، استيقظتُ فإذا بي مُتَّهمًا بالتَّجاوز والتَّجرُّؤ على توجيه المساءلة إلى ابن رئيس الجمهوريَّة، وأنَّه يجب عليَّ الخضوع للمقصلة بسبب هذه الجُرأة، وأن أُقدِّمَ استقالتي أيضًا!.

ما أزال أتذكَّر كلماتِ واد في الهاتف، قائلًا: "يجب عليك أن تردَّ إليَّ ما سبقَ أن أعطيتُك، لأنَّني لم أعد أثق بكَ".

أجبتُه على الفور: لا!

ثمَّ سادَ صمتٌ في الهاتف، وأعتقد أن الرئيس واد لم يكن ينتظر أن يقاومَه، على هذا النَّحو، ماكي صال، خادمُه الوفيُّ والأمين.

إساءة التقدير والفهم لمعنى الشرف عندي

لقد أساءَ تقديرَه وفهمَه لمعاني الشَّرف والتَّعلُّق بالعدالة عندي.بهذه الطَّريقة، أبعدَ الرَّئيس واد كلَّ الَّذين كان يحسُّ بظلالِهم في جانبه. وهكذا عزلَ إدريسا سيك أيضًا.

إنَّ واد كان غارقًا في الارتياب المَرَضي النَّاتج عن السُّلطة الانفراديَّة، وكان يظنُّني في مناورات دائمة ضدَّ سُلطته، وأنَّني لمَّا استهدفتُ ابنَه، كنتُ أقصد الهجومَ عليه شخصيًا.

محيط واد المباشر أيضًا، لعب دورا كبيرا في تأليبه عليَّ بصفة مُؤكَّدة في هذه القضيَّة. إنَّه تعرَّض لتأثيرات سيِّئة ضدِّي. وكانت الفرصة ذهبيَّة للتَّخلُّص مِن خصمٍ سياسيٍّ مُحتَمل لدى البعض أيضًا.

فقدتُ أُمِّي في 23 ديسمبر 2008، وكنتُ في 4 أكتوبر 2008، قد وقعَّتُ على رسالة الاستدعاء الموجَّهَة ضدَّ كريم واد. وتفاعلَت الصَّحافة كثيرًا مع هذه القضيَّة، كما استغلَّها المُتملِّقون للرَّئيس لتحريضه ضدِّي.

إنَّ الطَّريقة الَّتي تمَّت بها كلُّ هذه الأشياء، زادَت مِن استيائي.

طلب الاستقالة

كان بإمكان الرَّئيس أن يدعوني ويقول لي: هنالك مشكلةٌ مَا، ودَعْنَا نحلُّها معًا، ولكنَّه طلبَ منِّي الاستقالة في الحال، لأنِّي ارتكبتُ خطأ في تقديره هو. هذا الأمر غير مقبول.

إنَّ استدعاءَ ابن الرَّئيس للمساءلة تمَّ، أوَّلًا، بواسطة اللَّجنة الاقتصاديَّة العامَّة كما سبق أن قُلت، ثمَّ، ثانيًا، بواسطة رسالة من رئيس الجمعيَّة الوطنيَّة لإخطار السُّلطة التَّنفيذيَّة.

كلُّ ما قمتُ به، كان مُنسجمًا مع الإجراءات القانونيَّة في هذا المجال.

رفضتُ إذًا أوامر الرَّئيس بالاستقالة مِن منصبي. كان بإمكاني أن أُذكِّرَ واد بأنَّني، في سنة 1998، كنتُ مِن بين الأشخاص الَّذين آمنوا بأفكاره ورفضوا مغادرتَه، في الوقت الَّذي كان غالبيَّة النَّاس يتركونَه، لأنَّهم لم يعودوا يؤمنون بخُطَّتِه في الوصول إلى السُّلطة، ولكونِه شيخًا أكلَ عليه الدَّهرُ وشَرِبَ.

ولكنِّي لم أُذكِّرْ واد بشيء من هذا وَلَا ذاك، لأنَّ المكيدة والمؤامرة ليستَا من طبيعتي، ولا في تربيتي، ولا في فلسفتي في الحياة.

إنَّني لا أومن بالتَّحايل، ولا بالضَّربات الخسيسة المسموح بها، كما يبدو، في المجال السِّياسيِّ. صحيحٌ أن منصبي لم يكن مُلْكًا لي، وأنِّي كنتُ مُقتنعًا بأنَّني سأغادره يومًا ما، وكنتُ أومن بأنَّ الأمر انتهى بالنِّسبة لي ما دام الرَّئيس واد الَّذي يتمتَّع بالأغلبيَّة لم يعد يرغب في العمل معي، ولكن مع كلِّ هذا، كنتُ أريد أن أقاوم وأخوض المعركة إلى نهايتها، عملًا بنصيحةِ والدي بأن أُغادر مرفوعَ الرَّأس، والسَّلاح في قبضة يدي، استعدادًا للمعركة المقبلة. هذا عينُ ما قمتُ به بالضَّبط.

رفض التنحي

جُنَّ جنونُ خصومي، لأنَّ ماكي صال يرفض أن يتنحَّى. إذًا، لا بُدَّ مِن تعديل الدُّستور وتخفيض ولاية رئيس الجمعيَّة الوطنيَّة إلى سنة واحدة بدلَ خمس. وكما هو متوقَّع، تمَّ التَّصويت على هذا التَّعديل.

بعدَ عزلي مِن منصبي، أصبحتُ مجرَّد نائبٍ برلمانيٍّ عاديٍّ. وفي مساء هذا اليوم نفسِه، أخذتُ قراري بالاستقالة من جميع مناصبي كنائبٍ برلمانيٍّ، وعمدة لمدينة فاتيك، وكعضوٍ في الحزب الدِّيموقراطيِّ السِّنِغاليِّ.

القطيعة القاسية

في التَّاسع مِن نوفمبر 2008 ، كنتُ قد أصبحت مواطنًا بسيطًا ومُجرَّدًا من جميع المناصب.

إنَّ قطيعتي مع الرَّئيس واد كانَت قاسيةً للغاية، وذلك لأنَّني، تقريبًا، خلال عشرين سنة كنتُ أناضل بجانبه. وبين عشيَّة وضُحاها، أصبحتُ الشَّخصَ المنبوذ والعدوَّ اللَّدودَ له ولكلِّ محيطه. في مثل هذه الظُّروف، يتجنَّب النَّاس الالتقاء معكَ في أيِّ شيء، أو في أيِّ مكان، وتكون في وحشةً قاتلة. ولِحُسن الظَّنِّ، كان هناك دائمًا الأصدقاء والأقارب الَّذين فهموا جيِّدًا ما يحدث، وأنَّه أمرٌ لا يُمكن قبوله.

إنَّ وجودَ مثل هؤلاء الأشخاص، يسمح للإنسان بالتَّقدُّم نحو الأمام مهما كانت الظُّروف قاسية عليه. فَلِمُناهضةِ هذه النَّزعة الاستبداديَّة، قمتُ بتعديل الدُّستور بعد انتخابي رئيسًا للجمهوريَّة.

لم أكتفِ بالمراجعة الدُّستوريَّة، لتخفيض مُدَّة ولاية رئيس الجمهوريَّة مِن سبع إلى خمس سنوات، لكنِّي حدَّدتُ ولاية رئيس الجمهوريَّة، بحيث لا يمكن تجديد انتخابِه أكثر من مرَّة واحدة.

وهذا الأمر أصبحَ مِن المكتسبات، فالآن لا يُمكن لأحد أن يتصرَّف في فترة الولاية، ولا أن يُعادَ انتخابُه بشكلٍّ مُستمرٍّ.

إنَّ السِّنِغال نجا مِن مهزلة الرَّئيس الماريشال مدى الحياة، وأرجو أن لا يقعَ في فخِّ المحسوبيَّة!.

إنَّ الرَّئيس عبد الله واد، لمَّا أراد تعديل الدُّستور، لكي يتمكَّن مِن تعيين نائب لرئيس الجمهوريَّة، جُوْبِهَ بمعارضة شعبيَّة عنيفة وواسعة خلالَ ما أصبح يُسمَّى (23 يونيو).

الرئيس عبدالله واد مع عائلته

منصب نائب رئيس الجمهورية

كان الرَّئيس واد قد أثار معي فكرةَ منصب نائب رئيس الجمهوريَّة فورَ انتخابات عام 2007، وكان التَّعيين في هذا المنصب بالمرسوم الرِّئاسيِّ، وكان نائبُ الرَّئيس مَدعُوًا لأن يكون خَلَفًا لرئيس الجمهوريَّة في حالة عجزِه عن أداء مهامه. وكنتُ أرى في ذلك لقبًا تشريفيًا بهدف عزلي بهدوء، كما كنتُ أرى في هذا أيضًا امتهانًا للدِّيموقراطيَّة وللجمهوريَّة معًا. وكنتُ قلتُ للرَّئيس بأنَّ هذا المنصب غير وارد بالمرَّة إطلاقًا. وهكذا، ماتَت هذه المحاولة، ولكنَّ المفهوم لم يمت في نفس صاحبه.

بقيتُ على رأس الجمعيَّة الوطنيَّة مدَّةَ سبعة عشر شهرًا، رافضًا الاستقالة، لأنَّها كانت تعني، في تقديري، التَّنازل.

دائرة الأصدقاء تضيق شيئًا فشيئًا

كانت دائرة الأصدقاء والمُقرَّبين تضيقُ شيئًا فشيئًا خلالَ هذه المِحنة القاسية الَّتي تعرَّضتُ فيها لمختلف أنواع الإهانة.

كنتُ أجدُ في زوجتي الوفيَّة مريم أفضلَ سند ودعم. وكنت أتحدَّث معها كثيرًا حولَ هذه المحنة، وكُنَّا نستبق معًا الأمور القاسية الَّتي يمكن أن تطالَنا من الجهة الأُخرى.

كانت مريم تُعبِّر لي عن رأيها، بكلِّ وضوح، وتقول لي: "إذا استمرَّ الرَّئيس واد في تهديداته لك، فإنَّ مِن شأن ذلك أن يُشجِّعكَ أكثر، ويُعرِّضه هو لخسارة أكبر، ولكنَّه لو عاد إلى رُشده وصوابِه وعاملكَ بمشاعر الأبوَّة الَّتي كان يُعاملك بها مِن قبل، بسبب طول المُصاحبة، فإنَّ ذلك سيجعلك تتنازل". وهي كانت مُحقَّة، ولكنَّ الرَّئيس واد ما كان ليرجعَ إلى الرُّشد والصَّواب.

إنَّ الطَّريقة الَّتي تمَّت بها هذه الإهانة، هي الَّتي آلمتني أكثر مِن الإهانة نفسها! ولكنِّي كنتُ مُصمِّمًا على مواصلة المواجهة إلى آخِر رمق.

لا شكَّ أن الرَّئيس واد، كان قد أساء تقديرَه وفهمَه لمعنى المقاومة عندي.والحاصل، أنَّه كان يظنُّ بأنَّه يعرفني بما فيه الكفاية، ولكنَّه كان بعيدًا كلَّ البُعد عن فهمي. وستُظهرُ الأحداثُ لاحقًا من خلال تصرُّفاته معي أنَّه لا يعرف شيئًا عن تربيتي وعن أصولي، وعمَّا تلقَّيتُه مِن وسطي الطَّبيعي في سبيل تكوين شخصيَّتي العميقة. إنَّ سلوكَه هذا، الَّذي أراد به أن يحشرني في زاوية ضيِّقة، يدلُّ دلالة أكيدة على أنَّه لا يعرفني حقَّ المعرفة.

نموت ولا نقبل الاهانة

بوصفِه رئيس الجمهوريَّة، والرَّئيس الأعلى للقوَّات المُسلَّحة، كان ينبغي أن يُفكِّرَ في شعار جيشنا المغوار والنَّبيل: "نموت ولا نقبل الإهانة"، إنه كان يرى نفسَه الدَّوحة العظيمة، وكان يراني القَصَب الضَّعيف المُترنِّح، ولكنَّه كان قد نسي قصَّة لا فونتين عن القَصَب الَّذي يتمايل لكنَّه لا ينكسر.

إنَّني لم أنسَ بعضَ القصص المليئة بالدُّروس الَّتي تعلَّمتُها في المدرسة. إن هذه القضيَّة عرفت تطوُّرات مذهلة، وكان غالبيَّة النَّاس في محيط رئيس الجمهوريَّة، يريدون كسرَ عظامي وتهشيمَ رأسي، ولكنَّ الله هيَّأ لنا هدنةً ما في نهاية 2008، وذلك أن الخليفة الجديد للطَّريقة المريديَّة، الشَّيخ محمَّد الأمين بارافاليلو امبكي ،عرضَ مساعيه الحميدة للإصلاح بينَنا، والرَّئيس عبد الله واد، بوصفِه مُنتميًا للطَّريقة المريديَّة، ما كان بوسعه أن يتجاهلَ مساعي الخليفة للصُّلح بيننا.

الوزير الأول السنغالي السابق إدريسا سيك

الطرق الصوفية والدور الحاسم

إنَّ الطُّرُق الصُّوفيَّة في السِّنِغال تقوم بدور حاسم في الحياة اليوميَّة لجميع طبقات المجتمع. وزعماء هذه الطُّرُق شخصيَّات لها تأثير عظيم على المستوى الوطنيِّ والمحلِّيِّ معًا.

وبسببِ هذه المساعي، قبلت أن أتقدَّم بخطوة إلى الرَّئيس عبد الله واد، لأعتذرَ له، لأنِّي أصغرَ منه سِنًَّا، بل في وضع ابن له، ومن ثمَّ فعليَّ القيامُ بالخطوة الأولى والاعتذار.

ونتجَ عن مساعي الخليفة العامِّ، تهدئة الأمر خلال ستَّة أشهر. وكانت هذه المدَّة تُشكِّل هدنة فقط، وإن صدرت بعض الصحف بعناوين من قبيل "نهاية الحرب بين واد وسال".

بعد ذلك، توالت بعضُ الأحداث العالميَّة الَّتي أجَّجَت عداوة واد تجاهي، منها أنَّني كُرِّمتُ بوسام ضابط جوقة الشَّرف في فرنسا، وأُقيمَت هذه الحفلة في منزل السَّفير الفرنسي جان كريستوف ريفين، الَّذي قدَّم لي بنفسه وسام التَّكريم. وهذا الأمر كان كافيًا لحملِ بعض النَّاس على المبادرة للكتابة في الصُّحف بأنَّني: "عميلٌ تابعٌ للقوى الاستعماريَّة".

وكان هذا الاتِّهام يُشكِّل شتيمة تُذكِّرُني بموقفي الثَّوريِّ ضدَّ فرنسا حينما كنتُ في الحركة الثَّوريَّة الماويَّة.

وبعدَ هذا الحدث، تلقَّيتُ كذلك دعوة شخصيَّة للحضور في دينفر كولورادو، بمناسبة حفلة تنصيب باراك اوباما، رئيسًا للولايات المتَّحدة. وهذه الدَّعوة الموجَّهة إليَّ شخصيًا، كانت تُشكِّل صفعةً للحزب الدِّيموقراطيِّ السِّنِغاليِّ، حيثُ لم يتلقَّ أحدٌ منهم مثلَ هذه الدَّعوة، باستثناء عثمان غوم الَّذي كانت له علاقات جيِّدة مع المعهد الوطنيِّ الدِّيموقراطيِّ.

وأخيرًا، في ديسمبر 2008، قام بعض أصدقائي من البرلمانيِّين الفرنسيِّين بتنظيم حفلة تكريم لي في قصر لوكسمبورغ. وكانت هذه الحفلة هي القشَّة الَّتي قصمَت ظهرَ البعير لدى رئاسة الجمهوريَّة السِّنِغاليَّة، الَّتي عملَت على تأجيج نار العداوة بيني وبينها من جديد.

دعوة من الرئيس المقبل للولايات المتحدة

هل كان يتعيَّن عليَّ أن أرفضَ تكريم الفرنسيِّين لي؟ أو أكون سَمِجًا للغاية اتجاه دعوة الرَّئيس المقبل للولايات المتَّحدة ؟ أو أردَّ يدَ الصَّداقة الَّتي مدَّها إليَّ أصدقائي الفرنسيُّون؟

لقد عادت الوحشة بيننا، وشيئًا فشيئًا، أصبح منزلي للمرَّة الأولى، منذ سنوات، مكانًا يحرص الجميع على تجنُّبه، وأصبح هذا المحيط الَّذي كان يضجُّ بصوت المتحدِّثين والزُّوَّار في هدوء تامٍّ كصمتِ القبور.

وكان الجانبُ الإيجابيُّ الوحيد لهذا الوضع هو عودتي إلى حياة أُسرةٍ سويَّة، وإن كان الجوُّ العامُّ متوترًا، وكنتُ شخصًا يجب تجنُّبُه.

يُقال إنَّه في مثل هذه الظُّروف الصَّعبة، يعرف الإنسانُ أصدقاءَه الحقيقيِّين، ولكنَّ هذه المقولة نسبيَّة، لأنّ هناك مَن كنتُ أعرفهم متعاطفين معي، ولكنَّهم كانوا مُضطرِّين إلى تجنُّبي. ولم أكن أريد الإضرارَ بترقياتهم المهنيَّة لمصالحي، وما كنتُ أريد أن أحملَهم على السُّقوط معي في هاويتي، كما أنِّي ما كنت أريد أن يعيشوا مضاعفات فقدي الحظوةَ لدى رئيس الجمهوريَّة. وكنت قد طلبتُ منهم أن يبقوا في الحزب مع تنفيذ الأوامر. ولكن هناك بعضُ الأصدقاء الَّذين أعلنوا تأييدَهم ومناصرتَهم لي، كما كانوا مُستعدِّين لدفع التَّكاليف الباهظة لهذا الموقف، تمثَّلَ ذلك في تجميد ترقياتهم المهنيَّة أو التَّهديدات أو الطَّرد.

فيما يخصُّني، كنت مُصمِّمًا على الاستمرار في المعركة، لكنِّي ما كنت أريد حملَ الآخرين على دفعِ تكاليف مقاومتي الشَّخصيَّة. وهناك نائبان برلمانيَّان دفعا التَّكاليف الباهظة هما: مبي نجاي ومصطفى سيسه لولا، إذ طُرِدَا من الجمعيَّة الوطنيَّة.

وكان هناكَ آخرون تنقصهم الشَّجاعة في إعلان موقفهم بتأييدي، ولكنِّي لم أغضب منهم، ذلك لأنَّ النَّاس مختلفون في درجاتِ التزامهم وشجاعتهم اختلافًا كبيرًا. ولقد استقبلتُ بعضَ هؤلاء لمَّا أصبحتُ رئيسًا للجمهوريَّة، وصفحت عنهم.

لست شخصا حقودا ولا ناقما

بعد المعركة، لا بُدَّ مِن فتح صفحة جديدة، وأنا أيضًا لست شخصًا حقودًا ولا ناقمًا. هكذا تربَّيتُ، وهذا هو أيضًا طبعي ومزاجي، كما أنَّني إنسان هادئ، وقليل جدًا ما انفجر غضبًا.

وللهِ الحمدُ والشُّكر، لي قدرة كبيرة على تَحمُّل الهزَّات العنيفة والضَّربات الغادرة والشَّائعات السَّخيفة...إلخ.

إنِّي إنسان يُتقن فنَّ الرُّجوع إلى الوراء، والتَّعالي على الأمور الدَّنيئة. وهذا الخُلُق يساعد الإنسان كثيرًا، فالحياة تمضي بسرعة خاطفة، ويمكن للإنسان أن يُصاب بسكتة قلبيَّة أو يتعرض لحادثة، ما بين غمضةِ عين وانتباهتِها. لا بُدَّ من التَّعامل مع الأشياء بنسبيَّة. أن السِّياسة قائمة على التَّقلُّب وتغيُّر الوضعيَّات والأشخاص. كلُّ هذا داخل في لعبة هذه الحياة.

كنتُ أعاني في حزبي الَّذي كوَّنتُه، وفي حكومتي الَّتي أرأسها، من البعض الَّذين كانوا يعاملونني معاملةً مُخلَّة بالاحترام اللَّازم تجاهي، وبصفة عنيفة، ولكنِّي أفهمهم جميعًا على أنَّهم في معارضة صريحة ومُعلنة لشخصي أو لأفكاري. وهؤلاء إن عادوا اليومَ إلى التَّصالح مع شخصي أو مع أفكاري، فأنِّي أتقبَّلُهم، ولا بأس. وكنت دومًا أطلبُ من إخواني في "التَّحالف من أجل الجمهوريَّة "على تبنِّي مثل هذا الموقف، وأن يكونوا مُنفتحين تُجاه الجميع ومُستعدِّين للعفو والصَّفح.

في الحياة، لا بُدَّ مِن التَّعالي عن بعض الأمور. كيف يمكنني أن أغضب من زميلي السَّابق في السَّكن الجامعيِّ، السَّيِّد سليمان نديني نجاي، الَّذي لم يزل يؤكِّد الصَّداقة الموجودة بيننا، وإن كُنَّا مُختلفَين في الخطِّ السِّياسيِّ؟.

أمَّا خصومي، فإنَّهم يبنون العلاقات على مُفاصلة واضحة: إمَّا أنتَ معي أو خائنٌ لي. على أساس هذا المنطق، بدأت مطاردةُ مُقرَّبِي ماكي صال الَّذين تعرَّضوا لأقسى أنواع الإقصاء. وكنتُ أخاف التَّصدُّع في صفِّ أصدقائي، لأنَّني أعرف أن المعسكر المعادي مُستعدٌّ لكلِّ شيء، ومن ثمَّ كنت أطلب من الجميع الحذرَ والحيطة. فجميع المناورات والمكائد القذرة، مسموحٌ بها لمحوِ وجودِنا ووأدِ نضالِنا.

وهذه القصَّة، كانت قد بدأت تشبه قصَّة سياسيَّة مُثيرة، ولكنِّي كنتُ أتجنَّب الوقوع في الارتياب المَرَضيِّ، وإن كنتُ أعلم أن خصومي لا يتعالون عن أيِّ شيء في سبيل اغتيالي سياسيًا.وهكذا بدأ النَّبش في الماضي للبحثِ عن أدنى هفوة حقيقيَّة أو مُتخَيَّلَة.

ففي يوم من الأيام، ادَّعوا أنَّني لستُ إلَّا مهندس تصميم لا مهندس أشغال. وهذا لاتِّهامي بأنَّني انتزعتُ عملي بالتَّزوير، ولكن لسوءِ حظِّهم، فقد صرَّح مدير معهد علوم الأرض أمام الصَّحافة بأنَّ مهندس التَّصميم أعلى كفاءةً مِن مهندس الأشغال! إنَّها لَمكيدةٌ فاشلة إذًا!

البحث عن ملفات التربح غير القانوني

الآن، بدأوا يبحثون عن ملفَّات التَّربُّح غير القانوني، وأنَّني ربَّما وضعتُ تلك الأموال المسروقة من الخزينة العامَّة في حسابات بنكيَّة سرِّيَّة.

وقامت مصالح الشُّرطة بالتَّفتيش والتَّحقيق، لعلَّهم يجدون أثرًا يدينني، ولكنَّها رجعَت بخفَّي حُنين. وذهبَ رجال القصر إلى حدِّ ممارسة الضُّغوط على زوجتي، وذلك بسبب جهلهم القاطع بهذه المرأة. بعد ذلك، غيَّرَ الرَّئيس واد خطَّتَه، ودعاني إلى مقابلته.

ذهبتُ إلى القصر لأنَّه لا يليق رفضُ مقابلة الرَّئيس دونَ سببٍ مُبرَّر، لأنِّي رئيس الجمعيَّة الوطنيَّة، وهو رئيس الجمهوريَّة.

وبعد تداول عبارات اللَّياقة المعهودة، كان الحوار مُقتضبًا للغاية، إذ قال: "كيف الأمور في الجمعيَّة الوطنيَّة؟" فأجبتُه: "الأمور على ما يرام يا فخامةَ الرَّئيس"، ثمَّ عقَّبَ قائلًا: "كُفَّ عن هذه الأقاويل المخالفة للواقع، ليس هناك أيُّ شيء على ما يرام، إن الجمعيّة الوطنيَّة مُعطَّلة تمامًا، وليس هنالك أيُّ شيء في وضع جيِّد. ومع كلِّ هذا، فأنت تُصرُّ على البقاءِ رئيسًا لها".

سكتُّ قبلَ أن يستأنف الرَّئيس الكلامَ بصوت أعنف لهجةً وأكثر حدَّةً ليقول لي: "إنَّ هذه القضيَّة قد طال الانتظار فيها، اذهبْ وقدِّم الاستقالة، فالأمور جاوزت كلَّ الحدود".

لا مشكلة في الجمعية الوطنية

سكتُّ مرَّةً أُخرى، ثمَّ أجبت بصوتٍ مُخالف لصوته مع البقاء هادئًا ورصينًا، ثبتتُ نظري في عينيه ثمَّ قلتُ له: "بكلِّ أسف أقول لكَ بأنَّه ليست هنالك أيَّة مشكلة في الجمعيَّة الوطنيَّة، وليس هناك أيُّ شيء يعتبر في طريق مسدود، وليس هناك أيُّ سبب يحملني على الاستقالة، ولِذَا فإنِّي لن أستقيل. كما يبدو، عندَك أسبابُك الخاصَّة الَّتي تجعلك تريد حملي على الاستقالة، ولكنِّي لن أُقدِّمَ إليك هذه الاستقالة".

استوى الرَّئيس واقفًا، وانتهت المقابلة، لم تكن هنالك مصافحة الختام ، ولا مشايعة إلى الباب. ولمَّا توجَّهتُ إلى البوَّابة، سمعتُ همهمةً فحواها: "ستندم على الإصرار".

صدَّ الرئيس واد بابَ مكتبه خلفي، وكنتُ أحسُّ أنَّه هائج. كنتُ على علمٍ تامٍّ بأنَّ خصمي رهيب للغاية، فمنذ دخوله في الحلبة السِّياسيَّة سنة 1974، كلَّما أراد التَّخلُّص مِن شخص، تمكَّنَ من ذلك بمهارة فائقة، ولم يسمع لأيٍّ مِن هؤلاء الخصوم أدنى خبر بعد أن أعدمَهم، ولكنِّي، أنا، كنتُ أريد أن أكون الاستثناء لهذه القاعدة.

عزلي من الجمعية الوطنية

في 19 نوفمبر 2008، تمَّ عزلي من الجمعيَّة الوطنيَّة بواسطة 111 صوتًا، مع معارضة 22 نائبًا برلمانيًَّا. ومجلس الشُّيوخ كذلك صادق على قرار العزل بإجماعٍ منقوصٍ بشخص واحد، وهو عضو مجلس الشُّيوخ لإقليم فاتيك، السَّيِّد وولا نجاي.

تجدر الإشارة أن هذا الأخير كان الرَّئيس السَّابق للَّجنة الاقتصاديَّة العامَّة التَّابعة للجمعيَّة الوطنيَّة، وهو الذي رفضَ الرُّضوخ لأوامر واد.

وبعدَ عزلي، أصبح ممدو سيك رئيسًا للجمعيَّة الوطنيَّة.وهكذا انهارَ جزء من حياتي، وأصبح يتعيَّن عليَّ النُّهوض من بين هذه الأنقاض وبناء كلِّ شيء مِن لا شيء!

عشيَّة عزلي بهذا التَّصويت، دعوت إلى عقدِ مؤتمرٍ صحفيٍّ، استجابَ له الصَّحفيُّون من كلِّ حدب وصوب.

ومنذ بداية هذه القضيَّة، كنت أرفض الحديثَ عنها، ولم أردَّ على أيِّ هجوم، كما لم أُفنِّد أيَّة شائعة كاذبة في حقِّي. وسكوتي أثارَ ضجَّة أكبر مِمَّا كان سيحدثه كلامي لو تكلَّمتُ. وكان سكوتي يحملُ خصومي على إرسال وابل من الاستفزازات والضَّربات. وكان المواطنون يعرفون جيِّدًا هويَّة المعتدي!.

في ساحةِ البيت الَّذي اكتريتُه، بدأتُ أجيب على أسئلة الصَّحفيِّين، قبل أن أُفجِّرَ القنبلةَ قائلًا: إنِّي أعلن الاستقالةَ من كافَّة المناصب الَّتي أُنْتُخِبْتُ فيها: عُمدة بلديَّة فاتيك، وعضويتي كنائب في البرلمان، وكذلك أستقيل من الحزب الدِّيمقراطيِّ السِّنِغاليِّ، الَّذي ناضلت فيه مدَّة عشرين سنة!.

وأنهيتُ اللِّقاء الصَّحفيَّ مُعلنًا ما يلي:"أرفضُ التَّنكُّر لمبادئي في سبيل عيشٍ رخيص".

بعضُ مَن كانوا سندًا لي، لم يفهموا موقفي هذا. وكانوا يقولون: هو تعرَّض لكلِّ هذه المتاعب، ثمَّ انتهت به خاتمة المطاف إلى الاستقالة!.

أمَّا أنا، فكانت استراتيجيَّتي بسيطة، إذ كانت تهدف إلى حملِ واد على عزلي بواسطة قانون، سيتحوَّل ضدَّه بعدَ ذلك، بصفة عنيفة. فهو ربحَ في المدى القريب، ولكنَّه سيدفع ثمنًا باهظًا لموقفه هذا!

وباستقالتي، حصلتُ على حرِّيَّتي من جديد، ولم يعد للرَّئيس واد ولا لحزبي السَّابق أدنى وصاية عليَّ. ويجبُ الآن، أن أستعدَّ لأصبحَ الخصمَ السِّياسيَّ الأكثرَ صرامةً لواد باسم مبادئ الجمهوريَّة.