يراقب العالم ما تشهده المملكة المتحدة من اضطراب سياسي واقتصادي منذ عدة أسابيع.

وأسفرت خطة استقطاع ضريبي وضعتْها رئيسة الوزراء ليز تراس ثم سحبتْها مؤخرا، عن أضرار بالغة تصدرت أخبارها عناوين الصحف حول العالم.

حتى الرئيس الأمريكي جو بايدن خاض في الحديث عن الوضع البريطاني، متجاوزا بذلك أعرافا دبلوماسية.

لكنْ، كيف كانت أصداء الأوضاع البريطانية خارج المملكة المتحدة؟ هذا ما تسرده تلك القصة على لسان مراسلي بي بي سي، من برلين إلى واشنطن.

ألمانيا
BBC

يثير ما تشهده بريطانيا من اضطرابات دهشة في ألمانيا، لكنْ ليس إلى الحد الذي يثير صدمة لدى الكثيرين، بحسب مراسلتنا في برلين جيني هيل.

وبشيء من الحزن، يشاهد كثيرون في برلين الأجواء الدرامية التي تعصف بـ ويستمنستر، ولكنهم لا يرون في ذلك إلا مجرد حلقة أخيرة في سلسلة اضطرابات سياسية واقتصادية هي تبعات لا مفرّ منها للخروج من الاتحاد الأوروبي.

ولم يعلّق المستشار الألماني أولاف شولتس ولا أي من وزرائه علانية على الميزانية المصغرة أو تبعاتها في بريطانيا.

لكن معلقين صحفيين استخدموا لغة لاذعة في تقييمهم للأوضاع في بريطانيا؛ ومن ذلك اختيار ليز تراس، الذي كان بحسب أحد هؤلاء المعلقين الألمان "اختيارا قاتلا" أقدم عليه النواب المحافظون متجاهلين تحذيرات تتعلق بسياسات تراس.

وأعرب معلق ألماني آخر عن تشكّكه في أن أعضاء البرلمان البريطاني من المحافظين كانوا بصدد التدبير لاستبدال رئيسة الوزراء المتعثرة من دون انتخابات عامة - بما ينطوي عليه مثل هذا "الانقلاب" من خطر تحويل بريطانيا إلى "جمهورية موز" بحسب تعبيره.

وقد مضى زمن كان يعرب فيه ساسة ألمان عن إعجابهم بالنظام السياسي البريطاني وما فيه من شدّ وجذب يجعله يبدو أكثر تشويقا مما في النموذج الألماني القائم على التحالفات والحلول التوافقية.

اليابان
BBC

في ظل تراجع قيمة عُملتهم الرسمية، يراقب اليابانيون عن كثب أوضاع الجنيه الإسترليني - بحسب مراسلتنا في طوكيو ماريكو أوي.

كانت اليابان تشتهر ذات يوم بكثرة تغيير رؤساء حكوماتها، ومن هنا فإن الاضطراب السياسي الراهن في المملكة المتحدة لا يثير انتباه الكثيرين في اليابان باعتباره حدثا فريدا.

لكن بعض الأصوات في الإعلام المحلي الياباني يصف ليز تراس بأنها "ثاتشر المزيفة". ويرى هؤلاء أن تراس قامرت بأموال الحكومة البريطانية.

وراح يابانيون آخرون يتساءلون عن مدى تأثير قرارات تراس على سياسة المملكة المتحدة إزاء آسيا - لا سيما الصين التي تتخذ إزاءها بريطانيا موقفا صعبا.

وفي الأسواق المالية، يراقب المتداولون عن كثب تحركات الجنيه الإسترليني، في وقت تتداول فيه العملة اليابانية عند أدنى مستوى لها منذ 32 عاما.

وعبر وسائل التواصل الاجتماعي، عقد البعض مقارنة بين ما تحظى به تراس من قبول شعبي وما يحظى به نظيرها الياباني فوميو كيشيدا، قائلين إن الأخير لا يزال لديه فرصة سانحة للنمو.

ورأى آخرون مادة للتسلية في روح الدعابة البريطانية التي تشبّع بها بثّ مباشر طرح تساؤلا عمّا إذا كانت "ليز تراس تستطيع البقاء أكثر مما تستطيعه نبتة الخسّ خارج الثلاجة دون أن تفسد".

ونشر أحدهم صورة لهذا البث الحي على صفحته، وعلّق عليه بالقول: "ليس ثمة ما يكفي من الدعابة في الإعلام الياباني".

الولايات المتحدة
BBC

يحاول البيت الأبيض عادة النأي بنفسه عن التعليق على الأحداث الدرامية البريطانية، لكن الرئيس الحالي خالف المعتاد - بحسب ما يقول مراسلنا في واشنطن أنطوني زاتشر.

من الصعب أن تلفت أخبار خارجية أنظار الأمريكيين؛ فثمة جدار فاصل شاهق يقف دون وصول هذه الأخبار لتلك الغاية.

حتى العلاقات الخاصة لا تقلل من تلك الصعوبة؛ فلم يحظ الاضطراب في بريطانيا بكثير من الاهتمام في الولايات المتحدة.

على أن أحد المعلقين رأى في تراجع أسهُم تراس على المستوى الشعبي مؤشرا على صحة الديمقراطية في بريطانيا، لأن الانتماء لحزب سياسي كفيل بمنع مثل هذا التغير في الأسهُم لرئيس أمريكي.

وتساءل البعض عن وجه شبَه بين سياسات ليز تراس وأيديولوجية مارغريت ثاتشر.

لكنّ أمريكيًا كان يعطي بالاً للمأساة التي تعانيها ليز تراس. هذا الأمريكي هو الرئيس جو بايدن، الذي وصف خطة تراس الخاصة بالاستقطاع الضريبي بأنها "غلطة".

ويحرص الرؤساء الأمريكيون عادة على تفادي الخوض في النزاعات الداخلية التي تشهدها دول أخرى. لكن الرئيس الحالي خالف العُرف، حتى وإنْ بدا مُقرًا بأنه لم يكن ينبغي له ذلك.

وبالطبع، يواجه الرئيس بايدن تحديات سياسية في بلاده؛ حيث انتخابات منتصف المدة على بُعد أسابيع معدودة، والجمهوريون يهددون بالفوز بأغلبية في الكونغرس. هذا علاوة على أن الأمريكيين يواجهون الكثير من الاضطرابات الاقتصادية ذاتها التي يواجهها البريطانيون في الوقت الراهن.

الهند
BBC

التركيز في الهند مُنصبّ على اقتصادها - بحسب ما ترى مراسلتنا في دلهي راجيني فايدياناثان.

لم تكد أخبار الاضطراب في المملكة المتحدة تجد مكانا لها في صدارة الصحف الهندية - في إشارة إلى أن المسؤولين في دلهي لم يعودوا يوجهون أنظارهم إلى بريطانيا كسابق عهدهم.

وقد مضت خمس وسبعون سنة على استقلال الهند، التي ينصبّ التركيز فيها الآن على كيفية النمو بالاقتصاد، لا على المشاكل الاقتصادية التي تعانيها الدولة التي كانت تستعمرها في السابق.

وفي الصفحتين الثانية عشرة والخامسة عشرة، وبصفتها أخبارا عالمية فقط، نشرت الصحيفتان الأكثر انتشارا في الهند قصصا تتناول خبر إلغاء جيريمي هانت الاستقطاعات الضريبية. وجاءت إحدى تلك القصص الخبرية بعنوان "رئيسة الوزراء ليز تراس مُهانة". ولا يعني ذلك زُهدًا في سياسة حزب المحافظين أو في ساسته.

وعندما قالت وزيرة الداخلية البريطانية سويلا برافرمان إن الهنود كانوا أكبر فئة يتجاوز أبناؤها مدة تأشيرات سفرهم، أثارت بقولها ذلك ردود فعل غاضبة، إلى حدٍّ دفع البعض إلى الحديث عن تأثّر الاتفاقية التجارية بين البلدين جرّاء ذلك التصريح.

لكن اهتمام الهنود الحقيقي بالشأن البريطاني كان بوصول ريشي سوناك (ذي الأصول الهندية) للمرحلة النهائية في سباق القيادة لحزب المحافظين.

وكان كثيرون في الهند يتساءلون عما إذا كان سوناك -صهر رجل الأعمال الهندي البارز ناريانا مورثي- سيتولى منصب رئيس الوزراء في بريطانيا.

ولم يصل حينها سوناك إلى قيادة المحافظين، لكن مَن يدري ربما يستطيع الآن ما لم يستطعه قبل أسابيع - على حدّ ما ورد مؤخرًا في أحد العناوين الهندية: "هل عاد ريشي سوناك إلى الواجهة مرة أخرى؟"