أكاندي (كولومبيا): في بداية رحلتهم المحفوفة بالمخاطر عبر غابة دارين باتّجاه بنما، يتسلّم مهاجرون في الجانب الكولومبي من المنطقة أساور ملوّنة تشير إلى نوع "الخدمات" التي دفعوا للحصول عليها.
هنا، يهيمن "كلان ديل غولفو" أكبر كارتل لتهريب المخدّرات في البلاد.
يحصل المهاجرون في تلك المنطقة على أساور يوزّعها عمّال يرتدون زيًّا موحّدًا في مخيّم أقامته "منظمة محلية" مؤلفة من سكان محليين في بلدة أكادي الكولومبية.
إذا دفع المهاجر مبلغ 170 دولارًا، يحصل على دليل للرحلة المحفوفة بالمخاطر من أميركا اللاتينية إلى أميركا الوسطى، بالإضافة إلى رعاية طبية وإمكان الوصول إلى مراحيض.
أمّا إذ كان عاجزًا عن دفع مبلغ كهذا، يحصل على سوار يحكم عليه بالانتظار حتى يؤمّن المال - أو حتى يتمكن من التفاوض على حسم ضمن مجموعة - لترك المخيّم.
ويمكن للمهاجر الذي يدفع 500 دولار الاستفادة من حزمة أكبر تشمل الاستفادة من خدمات تحميل واستقلال قوارب لتقصير الرحلة الشاقّة.
أصبح سكان أكاندي المحليون يحققون أرباحًا كبيرة من رغبة المهاجرين في القيام بالرحلة الخطرة أملًا بحياة أفضل في الولايات المتحدة.
بعد تسجيل عدد قياسي من العابرين عبر غابة دارين في الأشهر التسعة الأولى من هذا العام ناهز 380 ألفًا، يقول مراقبون إن عمليات التهريب تزدهر في المنطقة وتملأ جيوب كارتل "كلان ديل غولفو" الذي يهيمن على المنطقة.
بعد وصولهم إلى أكاندي، يضطر المهاجرون المرهقون أصلًا والمصابون بالصدمة وبسوء التغذية - والعديد منهم يحملون رضّعًا وأطفالًا - إلى دفع مزيد من الأموال كلّما توغّلوا أكثر في عمق الغابة.
ويقول الشاب الإكوادوري أنخيلو توريس (25 عامًا) الذي يسافر مع زوجته الحامل وطفلَيهما "خطتنا هي أن نواصل التحرّك، إذ لدينا حلم. أقسم بأننا أعطينا كلّ ما لدينا (...) أصبحنا مفلسين".
يمضي بعض المهاجرين أسابيع في أكاندي وهم يحاولون جمع ما يكفي من المال للانتقال إلى المحطة الثانية في الرحلة.
ويقول داروين غارسيا (46 عامًا)، أحد السكان المحليين العاملين مع المنظمة التي تدير عملية تأمين مطاعم وملاجئ للمهاجرين، "أصبحت المشكلة، كما يعتبرها كثيرون، فرصة عمل لنا. في أكاندي، العمل الأساسي هو المهاجرون".
كلّ يوم، يمرّ نحو 2500 شخص فارّين من العنف والفقر في أميركا اللاتينية وبعض دول آسيا وإفريقيا، في البلدة لبدء رحلة عبر غابة دارين تمتدّ 266 كيلومترًا.
"لا أحد يعمل مجاناً"
تقول المنظمة إن الرسوم التي تفرضها تجعل من الممكن توفير مساحة للمهاجرين لنصب خيام والوصول إلى حمامات وشراء طعام، إلى جانب توفير فرص عمل لنحو ألفَين من السكان المحليين.
من جهتها، تقول وزارة الدفاع الكولومبية إن كارتل "كلان ديل غولفو" يدعم بقوة تجارة تهريب المهاجرين في المنطقة النائية حيث يدير منذ فترة طويلة واحدة من أكبر شبكات تهريب الكوكايين في العالم.
أمّا غارسيا، فيقول لوكالة فرانس برس إن لا علاقة له أو للمنظمة بالكارتل، معتبرًا أنه يتعرّض "للوصم".
ويضيف "لا أحد يعمل مجاناً"، مشيرًا إلى أنه يقدّم ممرًّا "أكثر إنسانية وأمانًا" عبر الغابة للمهاجرين.
غير أن المهاجرين يواجهون في الغابة ثعابين ومستنقعات ومجرمين عنيفين يسعون لاستغلالهم ويتعرّضون لإصابات.
ويتابع غارسيا "في الحقيقة، الشيء الوحيد الذي قاله لنا كارتل +كلان ديل غولفو+ هو إنه في حال تعرّض مهاجر للسرقة أو القتل أو الاغتصاب، سيصبح المسؤول عن ذلك هدفًا عسكريًا" وسيُقتل، "وهم يُقتلون بالفعل".
تقدّر الاستخبارات العسكرية الكولومبية عدد افراد الكارتل بنحو أربعة آلاف.
ويقول ناطق باسم الكارتل طلب عدم الكشف عن هويته، لوكالة فرانس برس، "لا يتعرّض أحد لسوء معاملة" في المنطقة.
ويضيف "لا علاقة لدينا بعمليات الهجرة، نحن نوفّر لهم فقط خدمات أمنية في الغابة".
حين يُذكَر كارتل "كلان ديل غولفو"، يصمت السكّان والمهاجرون على السواء.
"حوكمة إجرامية"
في قرى نائية في المنطقة، تنتشر على جدران المتاجر والمدارس والمطاعم تسمية أخرى للكارتل، هي "أوتوديفينساس غايتانيستاس دي كولومبيا".
ويقول الخبير لدى معهد "فونداسيون باس إي ريكونسيلاسيون" ماوريسيو بالينسيا إن كارتل "كلان ديل غولفو" يمارس "حوكمة إجرامية" في المنطقة.
ويشير إلى أن انخفاض أسعار الكوكايين - بسبب وفرة الكميات وانتشار مخدّرات أخرى - دفع الكارتل إلى اللجوء إلى خدمات الهجرة لتنويع مصادر دخله.
ويتابع "عندما لا يكون لدى المهاجرين ما يكفي من المال، غالبًا ما يُتركون لتدبر أمرهم في الغابة وينتهي بهم الأمر بالموت".
ويلفت إلى أن المهاجرين الذين لا يملكون المال يتعرّضون أيضًا لمختلف أنواع العنف الجنسي والاستغلال و"يُجبرون على نقل الكوكايين لدخول بنما".
التعليقات