على مرتفع يطل على بلدة المروانية بمروجها الخضراء، يقع المبنى الضخم لفندق مونتانا ذو الطبقات الثلاث.

وبالرغم من وضعه المتهالك، لا يزال الفندق يحتفظ ببعض من بريقه القديم "أيام العز"، كالباحة الرخامية والدرابزين بالحديد المشغول وحوض السباحة، وأصبح اليوم مهجوراً، بعد بيعه بالمزاد العلني منذ أكثر من عقد من الزمن.

منذ أربع سنوات، توافقت السلطات اللبنانية مع مالكه لجعله مقراً للحجر خلال فترة انتشار وباء كورونا.

واليوم وافق مالكه من جديد على وضعه بتصرف السلطات الرسمية لتحويلة إلى مركز إيواء للنازحين. وهكذا عاد الفندق منذ أشهر لفتح غرفه أمام خمسين عائلة من بلدات حدودية في الجنوب اللبناني بعد اندلاع المواجهات المتواصلة هناك بين حزب الله والجيش الإسرائيلي منذ الثامن من أكتوبر/تشرين الأول.

منذ ذلك الحين، اضطُر سكانُ المناطق الأمامية على جانبي الحدود إلى ترك منازلهم بسبب القصف.

في لبنان، هُجّر نحو تسعين ألف شخص، انتقل معظمهم إلى منازل أقرباء لهم أو استأجروا بيوتاً، بينما لجأت البقية إلى مراكز إيواء كفندق مونتانا.

رواق الفندق، حيث اجتمع عدد من "النزلاء"
BBC
رواق الفندق، حيث اجتمع عدد من "النزلاء"

"كنا نوضّب أغراضنا ونحن نبكي"

أطفال يلعبون
BBC
أطفال يلعبون في مرافق الفندق

بالقرب من حوض السباحة الفارغ، وبينما سطعت الشمس ناشرة بعض الدفء، تجمّع الأولاد ليلعبوا كرة القدم، أو كرة المضرب، في حين قرر بعضهم المشي.

لم يلتحق غالبيتهم بالمدارس بسبب الاشتباكات، حيث تحولت بعض المدارس فقط إلى التدريس عن بُعد، لكنّ الطلاب في الفندق لم يتمكنوا من متابعة سوى عدد قليل من الحصص قبل موعد إطفاء المولّد الكهربائي عند الساعة العاشرة صباحاً.

تعتبر كرة القدم وسيلة للترفيه والخروج من الواقع السئ بالنسبة للنازحين الصغار في المأوى الجديد
BBC
تعتبر كرة القدم وسيلة للترفيه والخروج من الواقع السئ بالنسبة للنازحين الصغار في المأوى الجديد

مدرسة فاطمة في بلدة العديسة الحدودية لم تتجهّز لهذا النوع من التدريس، وبالتالي هي لا تدرس أبداً في الوقت الحالي، وتركت دراستها في الصف السادس.

"جاء والدي في أحد الأيام إلى المنزل وأبلغنا أننا سنغادره في اليوم التالي، وجمعنا أغراضنا ونحن نشعر بحزن عميق" حسبما تصف فاطمة.

هي اليوم أصبحت تقطن مع والديها في إحدى غرف الفندق، وهي غرفة واسعة يتوسطها سرير كبير مع حمام خاص في أحد أركان الغرفة.

فاطمة في الصف السادس
BBC
فاطمة في الصف السادس انتقلت وأفراد أسرتها من منزلهم في العديسة للإقامة بإحدى غرف الفندق

مرّت العائلة بمحطات متعددة قبل أن تستقر في فندق "مونتانا".

"تنقلنا أربع أو خمس مرات قبل أن نصل إلى هنا"، يقول والد فاطمة أبو علي، والذي يشارك في لجان التنظيم في المركز.

يتوق للعودة إلى بلدته حيث وُلد ونشأ، لكنه لا يرى مؤشرات على حدوث ذلك قريباً. "الله وحده يعلم متى نعود. لقد طال الأمر كثيرا"، هكذا لخص رؤيته للمستقبل.

مناهل جاءت أيضا من قرية العديسة الحدودية جنوبي لبنان
BBC
مناهل جاءت أيضا من قرية العديسة الحدودية جنوبي لبنان

في الغرفة المجاورة تقطن مناهل، هي أيضا من العديسة، وليس لديها أي فكرة عن حال منزلها وما إذا كان لا يزال قائماً أم دُمّر.

"القرية خالية من السكان ولا يستطيع أحد الدخول إليها بسبب خطورة الوضع هناك"، وتستدرك متوقعة الأسوأ: "نحن لا نهتم أبدا بالحجر، ولكن ما يهمنا هي الذكريات. الوضع مؤلم جدا".

في رواق الفندق يلتقي "النزلاء" ويتسامرون، كل منهم من بلدة حدودية مختلفة، ولكن التهجير وعدم اليقين كان أبرز ما يجمعهم، فكونهم في مركز ايواء لا يعني أنهم بمنأى عن إمكانية وصول الاشتباكات إليهم.

صراع متمدد

مركز الإيواء في فندق "مونتانا"
BBC
مركز الإيواء في فندق "مونتانا"

في التاسع عشر من فبراير/ شباط الماضي، أغار الطيران الإسرائيلي على منطقة الغازية التي تبعد عشر دقائق عن الفندق. انتشرت صور للدخان الذي أحدثته الغارة وانتشر معها القلق من امتداد الاشتباكات.

قبل ذلك، قُتل سبعة أفراد من نفس العائلة في غارة إسرائيلية على منزل في منطقة النبطية، في تلك الليلة توافد عدد كبير من الأهالي إلى الفندق، وقضوا ليلتهم وهم يفترشون الأرض في باحته الداخلية، وغادر معظمهم في اليوم التالي، لكنّ إمكانية توافد المزيد من النازحين واردة في أي لحظة.

مركز الإيواء في فندق "مونتانا"
BBC
إمكانية توافد المزيد من النازحين واردة في أي لحظة "كلما تطورت الأحداث أكثر" بحسب المسؤولين في مركز الإيواء

ففي بداية الاشتباكات التي انطلقت مع استهداف حزب الله لمواقع عسكرية إسرائيلية دعماً لغزة كما أعلن الحزب، كان الاعتقاد السائد أن المواجهات قد تدوم أياماً او أسابيع على أقصى تقدير، بحسب ما يروي سلام بدر الدين، المسؤول عن إدارة مركز الإيواء في فندق "مونتانا"، ومسؤول لجنة إدارة الكوارث في المنطقة.

ويضيف: "لكن النزاع توسّع بشكل كبير ولم يعد هناك نقطة اشتباكات واحدة. وكلما تطورت الأحداث أكثر، زادت موجات النزوح".

هذا الوضع يضع ضغطا كبيراً على القيّمين على خطة الطوارئ في بلد يعيش بالأساس أزمة اقتصادية غير مسبوقة.