مع حلول عام على هجمات السابع من أكتوبر/تشرين الأول وبدء حرب عصفت بالمنطقة ولا تزال مستمرة، فقدت جماعة حزب الله اللبنانية وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) زعيميهما في عمليتي اغتيال شكلتا ضربة قاسية موجهة للحركتين المنخرطتين في قتال مع الجيش الإسرائيلي.

إسرائيل تمكنت نهاية شهر يوليو/تموز من القضاء على أمين عام حزب الله حسن نصر الله وهو هدف لطالما سعت للنيل منه في ظل قيادته لجماعة شكلت قوة إقليمية ترى فيها إسرائيل تنظيما يفوق قوة حليفتها حماس تنظيما وتسليحا.

"خطر وجودي"

تتعرض جماعة حزب الله منذ أسبوعين لضربات إسرائيلية موجعة، أدت لمقتل معظم قياداتها العسكرية العليا، ولتدمير جزء كبير من ترسانتها الصاروخية.

ولم تؤكد إسرائيل مسؤوليتها عن الهجوم غير المسبوق على أجهزة الاتصال اللاسلكي "البيجر" التابعة لحزب الله، لكن هذا العمل يُنسب إلى جهاز المخابرات الإسرائيلي (الموساد).

يلفت المحلل السياسي عامر السبايلة في حديثه مع بي بي سي، إلى تأثر الحزب اللبناني بشكل كبير على كل المستويات بهذه العمليات، مضيفاً: "الاغتيالات تزيد من عمق أزمة الحزب وشلل العمليات، وعدم قدرته على الانتقال إلى الرد".

ورأى أن هجوم البيجر أدى إلى حالة فوضى عملياتية بعد الاختراق.

وقال إن استمرار هجمات إسرائيل يعني امتلاكها خطة ذات مراحل منهجية تبدأ بتعطيل حزب الله وضربه، ثم الإجهاز عليه، ثم عزله وتفجيره من الداخل.

ووصف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اغتيال نصر الله بـ"نقطة تحول" في الحرب. وأضاف "بعد عام.. وبعد ضربة تلو الأخرى ... تحطمت آمالهم. اكتسبت إسرائيل قوة دافعة. نحن ننتصر".

ووفق السبايلة، فإن العمليات الإسرائيلية التي استهدفت القادة العسكريين، والذهاب لاحقا إلى ضرب القيادة ونصر الله، والانتقال إلى الضاحية الجنوبية في بيروت وقصفها وتفريغها من السكان، يشير إلى أن "حزب الله يتعرض اليوم لخطر وجودي فعلي".

وتوعّد رئيس الأركان الإسرائيلي هيرتسي هاليفي بـ"الوصول" إلى كل من يهدّد إسرائيل، وقال إن "كل من يهدّد مواطني إسرائيل، سنعرف كيف نصل إليه".

"معادلة الردع"

كوادر لحزب الله في الضاحية الجنوبية في بيروت
REUTERS
كوادر لحزب الله في الضاحية الجنوبية في بيروت

ويعد السبايلة فقدان القيادة السياسية للحزب وأزمته الأمنية واستهداف مخازن ذخيرته وأسلحته أسباب ستؤدي إلى إحداث خلل حقيقي في قدراته على المواجهة وقدراته على الردع، وشن هجمات استباقية مؤثرة.

ويرى أن استمرار إسرائيل في خطواتها يعني أن معادلة الردع تغيرت، وأن أزمة حزب الله تعطي إسرائيل فرصة للمضي بمخططها، ولم يستبعد انتقال إسرائيل من المطالبة بانسحاب حزب الله إلى خلف نهر الليطاني، إلى نزع سلاح حزب الله بشكل كامل.

ويحتاج الحزب إلى "خطة إنقاذ" إما بالدبلوماسية، أو باستخدام ترسانة عسكرية حقيقية في حال استمرار وجودها تمكن الحزب من العودة إلى الطاولة، وفق توصيف السبايلة.

اختيار "غير محسوم"

نائب الأمين العام للحزب نعيم قاسم قال الأسبوع الماضي إن الجماعة ستختار أمينا عاما جديدا خلفا لنصر الله "في أقرب فرصة" وتعهد بمواصلة القتال ضد إسرائيل.

ويرى السبايلة، أن اختيار الزعيم الجديد "لم يحسم ويحتاج إلى وقت"، والحزب يحتاج إلى ملء الفراغ بشكل سريع والظهور القوي الذي يعيد الثقة لجمهوره.

من هو أبرز مرشح لقيادة حزب الله بعد اغتيال حسن نصر الله؟

وينتخب مجلس الشورى، الهيئة التنظيمية العليا في الحزب والمؤلفة من سبعة أعضاء الأمين العام للحزب، ويُفترض أن يتولى قاسم مهام الأمين العام، كإجراء تلقائي ريثما يُنتخب خليفة نصر الله، وفق فرانس برس.

ويشغل عضوية مجلس الشورى حسن نصرالله و نعيم قاسم، ورئيس المجلس القضائي محمد يزبك، ورئيس المجلس السياسي إبراهيم أمين السيد، ورئيس المجلس التنفيذي هاشم صفي الدين، والمساعد السياسي للأمين العام حسين خليل، ومحمد رعد رئيس المجلس البرلماني ورئيس كتلة الوفاء للمقاومة في مجلس النواب اللبناني.

وقال قاسم: "سنملأ القيادات والمراكز بشكل ثابت وكونوا مطمئنين أن الخيارات ستكون سهلة".

الهيكل التنظيمي للقيادة العليا لحزب الله
BBC
الهيكل التنظيمي للقيادة العليا لحزب الله

تأثير "تكتيكي وليس استراتيجي"

مناصرون لحماس في غزة عام 2006
Getty Images
مناصرون لحماس في غزة عام 2006

استيقظ الشرق الأوسط فجر آخر أيام يوليو/تموز 2024 على إعلان حركة حماس اغتيال إسرائيل لزعيمها إسماعيل هنية في العاصمة الإيرانية طهران، ولكن إسرائيل لم تتبن العملية.

يرى المحلل السياسي شرحبيل الغريب خلال حديثه مع بي بي سي أن الاغتيالات التي تعرضت لها الحركة أثرت عليها تكتيكيا وليس إستراتيجيا، وبكل تأكيد فإن الحركة الإسلامية "تحتاج وقتا للتعافي من الحرب".

ويعتقد الغريب أن ما يحدث نتيجة طبيعية بعد عام من الحرب، مضيفاً: "المراقب للوضع الراهن يصل لنتيجة مفادها أن حماس لا تزال تحكم وتسيطر في المشهدين السياسي والميداني".

وانتُخب هنية رئيساً للمكتب السياسي للحركة عام 2017، وتولى رئاسة الحكومة في السلطة الفلسطينية عام 2006، بعد فوز حماس في الانتخابات البرلمانية.

https://www.youtube.com/watch?v=gHvWypzT2_A

وقال الغريب إن "إسرائيل تعلم أن الاغتيالات لا تصنع انتصارات ولا تحسم معارك، وأعتقد أن كل حكومات إسرائيل فشلت في إيجاد استراتيجية ردع واضحة مع قطاع غزة".

وترى الحركة أنها "سوف تتجاوز هذه الأزمة" وخصوصا أنها تعرضت لعمليات اغتيال عدة في تاريخها مثل اغتيال مؤسس الحركة الشيخ أحمد ياسين.

وبشأن الاغتيالات على المستوى العسكري في كتائب القسام، يتحدث الغريب عن وجود تأثير، مما يستدعي تساؤلا عن مدى الاستعداد وإيجاد بدائل سريعة لدى الجناح العسكري.

ويضيف الغريب، أن "حماس لا تزال تمتلك سلاح الأنفاق كسلاح إستراتيجي يمكنها من استمرار المواجهة والقتال بشكل ملموس".

"مسار التشدد"

انتقلت قيادة حركة حماس إلى يحيى السنوار بعد اغتيال إسماعيل هنية
EPA
انتقلت قيادة حركة حماس إلى يحيى السنوار بعد اغتيال إسماعيل هنية

وبعد أسبوع من اغتيال هنية، سمّت الحركة قائدها في قطاع غزة يحيى السنوار رئيسا جديدا لمكتبها السياسي.

يؤكد الغريب أن اختيار السنوار لرئاسة الحركة يعني أن "الأوضاع تتجه لمسار أكثر تشددا في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، مضيفاً أن "مسار الاعتدال لن يكون حاضراً في المرحلة المقبلة".

ويُنظر للسنوار على أنه أحد المخططين الرئيسيين لهجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول.

https://www.youtube.com/watch?v=KwqiME-4VnA

وحول إمكانية تأثر حركة حماس باغتيال نصر الله وقادة من حزب الله، يرى الغريب عدم وجود اعتماد مباشر على الحزب، وكل تنظيم يقاتل على جبهة، ولكل طرف قدراته و تكتيكاته.

وقال الغريب إن الاغتيالات لم تؤثر على التحالفات وحزب الله لا يزال يصر على ربط وقف إطلاق النار بوقف الحرب على غزة.

ونعت كتائب القسام نصر الله وأشادت برفضه وقف "جبهة الإسناد" لغزة، ودعمه المستمر لـ"المقاومة الفلسطينية"، وفق وصف البيان.