اندريه مهاوج من باريس : تشكل التطورات التي تشهدها الساحة اللبنانية منذ اغتيال الوزير بيار الجميل مصدر قلق خاص للمسؤولين الفرنسيين وفقا لما عبر عنه الناطق باسم الخارجية الفرنسية . ومصدر هذا القلق وفقا للمسؤول المذكور احتمالات تأجيج الصراع السياسي الراهن وفتح الساحة اللبنانية على صراعات محلية واقليمية لا يمكن السيطرة عليها بما يوحي ان هناك مخاوف جدية من إعادة تفجير الأوضاع على الساحة الأمنية .

ومصدر هذا القلق مزدوج اوله التوتر الشديد الذي يلقي بظلاله على الوحدة الفرنسية التابعة لقوة اليونيفيل المعززة في ضوء الخروقات الإسرائيلية للأجواء اللبنانية واحتمالات حصول حادث أمني ما بعدما حذر أكثر من مسؤول فرنسي من هشاشة الوضع واحتمالات أن تؤدي هذه الخروقات الى مواجهة فرنسية ـ إسرائيلية . وهذا ما أمكن تفاديه سابقا حين أعلنت وزيرة الدفاع ميشال اليوت ـ ماري أن القوات الفرنسية كانت على قاب قوسين من إطلاق صواريخ على طائرات إسرائيلية حلقت فوقها في بداية الشهر الحالي . ويزداد القلق في ضوء تقارير أمنية تحذر من احتمالات استغلال حزب الله هذه الخروقات لتفجير الموقف بهدف إعادة خلط الأوراق واستعادة المبادرة بعدما بدأ الحزب يشعر بأنه مطوق داخليا من خلال تشبث الغالبية برفض توسيع الحكومة او إجراء انتخابات مبكرة وفقا لما كان طالب به الامين العام للحزب حسن نصرالله مدعوما من أحزاب معارضة اخرى في طليعتها حزب العماد ميشال عون .تضاف الى ذلك مخاوف تفجير داخلي وسط تشبث البعض باللجوء الى الشارع إما لإسقاط الرئيس اميل لحود او لإسقاط الحكومة . وما حدث الامس زاد من هذه المخاوف .

والقلق الثاني ناجم عن بروز بوادر فك الطوق او العزلة التي أسهمت فرنسا الى حد كبير في فرضها على سوريا منذ صدور القرار 1559 واغتيال رفيق الحريري ويبرر هذا الخوف الفرنسي توصيات لجنة بيكر الاميركية ونصائح رئيس الوزراء البريطاني توني بلير تضاف اليها quot;خروقات quot; في الصف الاوروبي قد تؤدي الى فتح فجوة في جدار الطوق السياسي المفروض على سوريا .

وجاءت تصريحات رئيس الوزراء الايطالي رومانو برودي امس عشية اللقاء الفرنسي ـ الايطالي الخامس والعشرين المقرر في توسكانا اليوم . فبرودي عبر صراحة عن اعتقاده بضرورة ممارسة الضغط على السوريين ولكن من خلال quot;حوار مباشر وصريحquot;، قائلاً ان quot;عدم التحدث مع السوريين ليس حلاًquot;. واضاف برودي ان المجال المتوسطي يمكن ان يشكل الإطار المناسب لتحريك عملية السلام في الشرق الاوسط برودي دعا الى إشراك كل الشركاء الاوروبيين بغية إنجاح المبادرة الفرنسية الاسبانية الايطالية بشأن السلام في الشرق الأوسط .

قصر الاليزيه اعلن ان جدول أعمال اللقاء الفرنسي ـ الايطالي يتضمن في بنده الاول قضايا دولية وتحديدا الوضع في الشرق الأوسط ولبنان حيث يشارك البلدان في قوة الطوارئ الدولية المعززة هذا اضافة الى الملف النووي الايراني والتطورات في العراق. تصريحات برودي والقمة الايطالية الفرنسية تأتي في وقت يستعد فيه وزراء خارجية دول الاتحاد الاوروبي الى استقبال نظيرهم السوري وليد المعلم في هلسنكي غدا السبت من اجل مناقشة اتفاق الشراكة ولكن ايضا الاوضاع الراهنة في المنطقة ما قد يشكل بداية إنهاء القطيعة مع دمشق التي يتمنى الجميع ان تلعب دورا ايجابيا في وقف العنف في العراق وفي ايجاد تسوية لأزمة الشرق الاوسط وبالتالي إزالة التشنج في لبنان من خلال إعادة ضبط سلاح حزب الله تجاه إسرائيل وكبح طموحاته السياسية الداخلية .

واذا كانت دمشق اعلنت سابقا مرارا انها لا تضحي بحلفائها وفي مقدمهم حزب الله فإن العروضات الغربية قد تكون مغرية نظرا لضخامة المساعدة التي يمكن أن تقدمها سوريا حتى في الملف النووي الايراني من خلال فك ارتباطها بطهران . اجتماعات هلسنكي قلل من أهمية نتائجها عدد من المراقبين ولكنه يبقى خطوة مهمة في ظل الأوضاع الراهنة وانعكاسات استئناف الحوار في ضوء تقرير بيكر ومبادرة السلام الاسبانية الفرنسية الايطالية .

واذا كانت باريس تتابع عن كثب سير الاتصالات التي بدأت وان بخجل بين بعض الاطراف الغربيين وسوريا فانها استبقت اي محاولات لتحويل التحرك المنفرد حاليا الى مباردة اوروبية وهذا ما عبر عنه الناطق باسم الخارجية بطريقة غير مباشرة بقوله اننا نتقاسم مع شركائنا الاوروبيين هدف ضمان استقلال لبنان في الوقت الذي ادت فيه عملية اغتيال الجميل الى إغراق البلاد مجددا في أحداث مأسوية معيدا التأكيد على ضرورة تنفيذ كل القرارات الدولية في حين كانت رسالة الرئيس جاك شيراك والتي أطلقها من بيروت فيليب دوستي بلازي واضحة جدا ومفادها أنه يجب عدم الاستسلام أمام الإرهابيين داعيا حكومة السنيورة الى متابعة العمل والسير نحو الامام .