تشابه كبير بين حربي 1982 و2006 على لبنان

إسرائيل لم تغير أهدافها اللبنانية منذ حرب 1982

أسامة العيسة من القدس: في بداية شهر حزيران (يونيو) 1982، كان لبنان على موعد مع اجتياح إسرائيلي أطلق عليه اسم (عملية سلامة الجليل)، واعلن حينها انه سيكون محدودا، ويهدف إلى التوغل 40 كلم فقط في الأراضي اللبنانية، لتجنيب المستوطنات الشمالية صواريخ الكاتيوشا الفلسطينية، ولكنه استمر طوال الصيف، ووصل إلى العاصمة بيروت، التي حوصرت اكثر من 80 يوما، واستمر الاحتلال لبعض الاراضي اللبنانية حتى شهر ايار (مايو) 2000.

وفي صيف هذا العام، يكاد يتكرر المشهد نفسه، حيث أعلن الجنرال دان حالوتس رئيس هيئة الأركان الإسرائيلية، ان قواته ستنفذ توغلات محدودة في الأراضي اللبنانية، لإبعاد حزب الله عن الحدود للمسافة نفسهاتقريبا التي أعلن عنها في اجتياح 1982، مما جعل كثيرا من المحللين يلجأون للمقارنة بين الحربين، في الأهداف الحقيقية والذرائع، ومن بين هؤلاء الصحافي والسياسي الإسرائيلي اليساري اوري افنيري، الذي يؤكد ان الأهداف الإسرائيلية التي تقف خلف الحرب المعلنة على لبنان لا تختلف عن أهداف الحرب التي خاضتها إسرائيل عام 1982.

وكتب افنيري الذي يترأس كتلة السلام الإسرائيلية، مقالا نشر على موقعها الإلكتروني اعتبر فيه أن quot;الهدف الحقيقي هو تغيير نظام الحكم في لبنان وإقامة حكومة هناك تكون متعلقة بإسرائيل، وكان هذا أيضا الهدف من اجتياح أرييل شارون للبنان عام 1982، لقد فشل تحقيق هذا الهدف، ولكن شارون وتلاميذه من النخبة العسكرية والسياسية لم يتخلوا عنه أبداquot;.

ورأى افنيري الذي يتزعم حركة احتجاجية ما زالت ضعيفة، في إسرائيل، ضد الحرب الحالية على لبنان انه quot;كما حدث عام 1982، فإن العملية تم التخطيط لها وتنفيذها بالتنسيق الكامل مع الولايات المتحدة، وكما كانت الحال عليه آنذاك، لا يوجد الآن أي شك بأن هذه العملية قد تم التنسيق لها مع جزء من الزعامة اللبنانية أيضا، هذه هي الخلاصة، أما ما تبقى فما هو إلا ترويج ودعايةquot;.

وواصل افنيري العليم بدخائل السياسة الإسرائيلية تحليله quot;عشية الاجتياح عام 1982 قال وزير الخارجية الأميركي، الجنرال ألكسندر هيغ لأرييل شارون إن هناك حاجة إلى quot;استفزاز واضح يعترف به العالمquot; بهدف شنّ الهجوم، وتوفر هذا الاستفزاز بالفعل، في اللحظة المناسبة تماما، فقد اغتالت مجموعة أبي نضال السفير الإسرائيلي في لندن. لم يكن لذلك أي علاقة بلبنان، ولا بمنظمة التحرير الفلسطينية، إلا أن هذا كان كافيا للترويج والدعاية، في هذه المرة أيضا توفر الاستفزاز، عندما أُسر الجنديان في عملية حزب الله. من الجلي للجميع أنه من غير الممكن إطلاق سراحهما إلا بتبادل للأسرى. غير أن هذه العملية الضخمة، التي تم التجهيز لها منذ أشهر، قد بيعت للجمهور في إسرائيل والعالم على أنها عملية لتحرير الجنديين، ومن الغرابة بمكان أن الأمر ذاته قد حدث قبل أسبوعين من ذلك في قطاع غزة. حماس وشركاؤها أسروا جنديا، وقد استخدم هذا الجندي كذريعة لتنفيذ عملية مكثّفة لإسقاط الحكومة المنتخبة، كان قد تم التجهيز لها منذ وقت طويلquot;.

ومن المعروف أن عملية اغتيال السفير الإسرائيلي في لندن عام 1982 فشلت، واصيب السفير في قدمه فقط، وقدر له ان يعيش حتى توفي السنة الماضية.

ولاحظ افنيري التشابه بين الأهداف المعلنة إسرائيليا بين حرب عام 1982 والحرب الحالية quot;الهدف المعلن من العملية في لبنان هو إبعاد حزب الله عن الحدود مع إسرائيل، لمنعه من إمكانية اختطاف جنود آخرين ومنعه من إمكانية إطلاق الصواريخ وقذائف الكاتيوشا على المدن الإسرائيلية. الهدف من اجتياح قطاع غزة، رسميا، هو إخراج أشكلون وسدروت من دائرة مدى وصول صواريخ القسام إليها. هذا يشبه، بشكل يثير العجب، الذريعة الرسمية لعملية quot;سلامة الجليلquot; عام 1982. حيث قيل آنذاك للجمهور وللكنيست إن الهدف هو quot;إبعاد قذائف الكاتيوشاquot; إلى مسافة 40 كيلومترا عن حدود إسرائيلquot;.

ويشكك افنيري بهذه الأهداف المعلنة، ويقول ان أرييل شارون وزير الدفاع الإسرائيلي الذي قاد الحرب عام 1982 هو من كشف له عن الأهداف الحقيقية لحرب 1982، وكان افنيري نشر ذلك في مجلته (هعولام هزيه) التي توقفت عن الصدور.

ويكتب افنيري عن هدف حرب 1982 المعلن آنذاك quot;كان ذلك، بطبيعة الحال، كذب وهراء. لم يتم إطلاق حتى قذيفة كاتيوشا واحدة على الحدود الشمالية طوال 11 شهرا. كان الهدف، منذ البداية، هو الوصول إلى بيروت وتنصيب ديكتاتور متعاون مع إسرائيل هناك. وكما قلت في أكثر من مرة، فإن شارون ذاته هو الذي كشف لي النقاب عن ذلك قبل تسعة أشهر من العملية، وقد نشرت ذلك بإذن منهquot;.

أما بالنسبة إلى احرب الحالية فيؤكد quot;أن للعملية أهدافا ثانوية أيضا، وهي لا تشمل تحرير الأسرى. يدرك الجميع أنه من غير الممكن تنفيذ بذلك بواسطة عمليات عسكرية. ولكن من الممكن، على ما يبدو، تدمير جزء من الصواريخ وقذائف الكاتيوشا التي كدّسها حزب الله على مر السنين. القادة العسكريون مستعدون، بهدف تحقيق ذلك، لإلحاق الخطر بحياة سكان كافة المدن الشمالية المعرضة لإطلاق قذائف الكاتيوشا. ذلك أمر مفضّل حسب رأيهم، نوع من تبديل مواقع حجارة اللعب في لعبة شطرنجquot;.

ويشير أيضا الى quot;هدف ثانوي آخر هو إعادة تأهيل quot;قوة الردعquot; لدى الجيش الإسرائيلي. هذه هي كلمة السر لإعادة تأهيل غرور الجيش الذي مني بهزائم نكراء من جراء العمليات العسكرية التي نفذتها حماس في الجنوب وحزب الله في الشمالquot;.

ويكتب quot;رسميا، تطالب الحكومة الإسرائيلية من الحكومة اللبنانية بنزع سلاح حزب الله وإبعاده عن الحدود مع إسرائيل. من المؤكد أن ذلك غير ممكن، طالما النظام الحالي في لبنان قائم، وهو نسيج من فئات عرقية-طائفية. إن أقل ارتجاج من شأنه أن يقوض هذه البنية بأكملها وأن يزج بالدولة إلى فوضى عارمة - وخاصة بعد نجاح الأميركيين في طرد الجيش السوري من لبنان، الذي كان عنصر الاستقرار الوحيد في لبنانquot;.

ويضيف quot;إن فكرة تتويج عميل إسرائيلي على عرش لبنان ليست جديدة. ففي عام 1955 اقترح دافيد بن غوريون تنصيب quot;ضابط مسيحيquot; دكتاتورا على لبنان. لقد أثبت موشيه شاريت أن هذه الخطة ترتكز إلى جهل تام للشؤون اللبنانية وقد أحبطها. على الرغم من ذلك، وبعد مرور 27 عاما، حاول أرييل شارون تنفيذها. تم تتويج بشير الجميّل رئيسا للبنان ولكنه اغتيل، أما أخوه فقد وقّع على اتفاقية سلام مع إسرائيل وتمت تنحيته عن السلطة. هو الأخ ذاته، أمين الجميّل، الذي يؤيد الآن اجتياح أولمرتquot;.

ويذهب افنيري إلى أن المعادلة تقتضي quot;بأنه إذا أوقع سلاح الجو الإسرائيلي ضربات موجعة على الجمهور اللبناني - تدمير الموانئ الجوية والبحرية، تدمير البنى التحتية، قصف الأحياء السكنية، قطع الطريق الرئيس بين بيروت ودمشق وغير ذلك - فإنه سيثير حفيظة هذا الجمهور ضد حزب الله وسيضغط على الحكومة اللبنانية لتنفيذ ما تطلبه إسرائيل. ولأن الحكومة الحالية لا يمكنها حتى أن تحلم بذلك، فسيقام نظام دكتاتوري تدعمه إسرائيلquot;.

ويرى ان quot;هذا هو المنطق الذي ينتهجه الجيش الإسرائيلي. أنا أشكك في هذا المنطق. من المفترض أن يكون رد فعل الجمهور اللبناني كرد أي فعل لجمهور آخر في العالم: أن يغضب وأن يكنّ الكراهية للمعتدين. هذا ما حدث عام 1982، حين ثارت الشيعة في جنوب لبنان، التي كانت حتى ذلك الحين فئة مسحوقة، ضد الاحتلال الإسرائيلي وأسست حزب الله، الذي تحول إلى أكبر القوى في لبنان. من الممكن أن تلتصق بالزعامة اللبنانية الآن وصمة التعاون مع إسرائيل، وعندها سيتم كنسها عن الخارطةquot;.

ولا يعتقد افنيري بان إسرائيل ستنجح في تحقيق أهدافها مشيرا إلى انه quot;إذا كان أولمرت يأمل في أن يظهر كرجل بين الرجال، نوعا من شارون 2، فستخيب آماله. هكذا ستخيب أيضا آمال بيرتس في أن يبدو، أخيرا، كشخصية أمنية تدق لها الطبول. يدرك الجميع أن هذه العملية - في غزة وفي لبنان - قد تم التخطيط لها من قبل الجيش وهي من إملاءاته. الشخص صاحب القرار في دولة إسرائيل الآن هو دان حالوتس. وليس صدفة أن تلقى كل مهام العملية في لبنان على عاتق سلاح الجوquot;.

وختم افنيري مقاله بالقول quot;عندما أقيمت الدولة في خضم الحرب، الصق على الجدران شعار: كل البلاد جبهة وكل الشعب جنود!، مرت 58 سنة، والشعار ذاته ملائم الآن أيضا، كما كان عليه في ذلك الحين. ما معنى ذلك بالنسبة لأجيال من السياسيين والجنرالات؟quot;.