وضعه مروان كنفاني الذي دخل الحلقة الضيقة للزعيم الراحل
كتاب فلسطيني مثير للجدل يطرح أين أخطأ ياسر عرفات وأين أصاب
أيلاف-القاهرة: quot; سنوات الأمل quot; كتاب أصدرته في القاهرة دار الشروق في طبعة فاخرة منذ فترة وجيزة للكاتب مروان كنفاني، في موعد يترافق مع الذكرى الثالثة لوفاة الرئيس عرفات، وعشية أنعقاد المؤتمر الدولي في أنابوليس في شأن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. والكتاب كما جاء في تعريف الكاتب، quot; يتحدث عن مضمون ما جرى داخل الدائرة الضيقة المحيطة بالرئيس عرفات التي كان مروان كنفاني جزءاً منها خلال أكثر من عشرين عاماً من مرافقته للرئيس الفلسطيني الراحل. عن ظروف وفاة quot; أبو عمار quot; ، ورحلته الطويلة التي أخذته من مصر إلى الكويت إلى الأردن ولبنان وتونس ثم إلى الأراضي الفلسطينية ثم رحلته الأخيرة إلى فرنسا، يرافق الكتاب القارئ في كل ما دار خلال هذه الرحلة الطويلة من أحداث هّزت العالم، حرب الفلسطينيين في الأردن وتداعياتها في مرحلة أيلول الأسود، وانتقال الصراع إلى لبنان خلال سنوات الحرب الأهلية هناك، ثم الخروج من لبنان إلى تونس ومنها، بعد أربعة عشر عاماً، إلى الأراضي الفلسطينية.
يروي الكتاب الظروف التي حتّمت قرارات الرئيس ياسر عرفات السياسية المصيرية، والأسباب التي دفعته لقبول عملية السلام، والأولويات الحقيقية التي سعى لتحقيقها، والانطباعات التي تشكّلت لديه حول زعماء العالم الذين تعامل معهم، واللقاءات والأحاديث الخاصة التي دارت، والعوامل التي أدت إلى ضعف الأداء الفلسطيني أو قوته، كذلك الدور الحقيقي الذي لعبه في الانتفاضة الفلسطينية التي أعقبت فشل مؤتمر كامب ديفيد عام 2000 وأدت في ما بعد إلى النهاية التراجيدية لشخص الرئيس ياسر عرفات في نهاية عام 2004. كما يتطرق الكتاب بإسهاب إلى مرحلة ما بعد الرئيس عرفات ويخلص، في خاتمته إلى الظروف الحالية وتوقعات المستقبل المنظور. يتحدث الكتاب في سرد مبسط عن شخصية الرئيس عرفات المميّزة والمثيرة للجدل، طريقة حياته وعمله، ومنهج تفكيره، وعلاقاته مع الرؤساء العرب، ومرتكزات تفكيره السياسي، والعوامل المتعلقة بعلاقاته مع المنظمات والفصائل الفلسطينية، وتحالفاته الإقليمية، عن خياراته وقناعاته ومشاعره الإنسانية وإيمانه الديني المطلق، وعن شكوكه الدائمة وشغفه المطلق بالسلطة وعناده وحروبه الصغيرة، عن الظروف والوسائل التي استفاد منها لفرض سيطرته المطلقة على القرارات المصيرية المتعلقة بالشعب الفلسطيني وقضيته الشائكة لحوالي أربعين عاماً من الزمنquot;.
يحتوي الكتاب، الذي يقع في حوالي 600 صفحة، تتضمن المقدمة والخاتمة والصور، على ستة أجزاء ينقسم كل منها إلى عدة فصول، في تسلسل تاريخي متصل، ما عدا الجزء الأول الذي يتعاطى مباشرة مع وفاة الرئيس ياسر عرفات. تضمّنت مقدمة الكتاب فصلاً افتتاحياً مؤثراً استعاض فيها الكاتب عن السرد التقليدي الجامد لمأساة الشعب الفلسطيني عام 1948 برواية قصة خروج عائلته في طريق هجرة مؤلمة حملتهم من مدينة يافا إلى عكا ومنها إلى صور وقرى جنوب لبنان حيث توزعت الأسرة في بيروت ودمشق والخليج العربي ومن ثم مختلف بقاع الأرض. وتعطي هذه المقدمة، فكرة واضحة عما أصاب الأسر الفلسطينية كافة في نكبة عام 1948، وتعتبر من أبلغ ما صوّر عن المأساة التي أحاقت بهذا الشعب منذ أكثر من نصف قرن من الزمن.
يتطرق الكتاب في جزئه الأول، الذي ينقسم إلى خمسة فصول، لموضوع وفاة الرئيس عرفات التراجيدية في شهر نوفمبر من عام 2004. وعن ردود الفعل الرسمية والشعبية الفلسطينية، وما تم في فرنسا من توتر بين زوجة الرئيس والقيادة السياسية الفلسطينية، عن المراسم الرسمية الفرنسية لتوديع جثمان الرئيس، وما حصل في القاهرة من احتفالات رسمية عربية ومشاركة دولية لتوديع جثمان الرئيس عرفات، عن وصوله إلى مدينة رام الله الفلسطينية والحوادث التي انتهت بدفن الرئيس عرفات. وفي سابقة لم يتم التطرق إليها من قبل، تسرد فصول هذا الجزء من الكتاب الوضع السياسي والميداني الذي أدّى إلى حصار الرئيس عرفات من قبل الجيش الإسرائيلي في مقرّه في مدينة رام الله بعد فوز شارون بمنصب رئيس الوزراء الإسرائيلي، والذي استمر حوالي سنتين ونصف، وعن قسوة ذلك الحصار، والحياة الصعبة التي عانى منها الرئيس عرفات، وفشل كل الجهود العربية والدولية في إقناع رئيس الوزراء شارون بالسماح لعرفات بمغادرة مقرّه والعودة له. يشرح الكاتب أيضاً الحالة الصحية للرئيس عرفات منذ أن قابله لأول مرة في عام 1968، ويكشف أسلوب حياته ونظامه الغذائي والأمراض والحوادث التي تعرّض لها، ومحاولات التسميم، وبدء اهتمامه بتوفير الأمن والمراقبة لوجباته الغذائية. يشرح الفصل أيضاً بدء تعرّض الرئيس عرفات لحالات مرضية في السنوات الأخيرة من حياته وتأثير الحصار على صحته ونفسيته، وإمكانيات التسميم التي قد يكون قد تعرّض له.
يعود المؤلف بالقارئ إلى بداية المحطات التي توقفت فيها الثورة الفلسطينية منذ انطلاقها في منتصف ستينات القرن الماضي، وعن بدء وجود كوادرها المسلّحة في الأردن بعد حرب عام 1967 وبروز عرفات كزعيم لحركة التحرير الوطني الفلسطيني، وبدء العمليات العسكرية وردود الفعل الإسرائيلية ودور عرفات في قيادة كل التنظيمات الفلسطينية بعد انتخابه رئيساً لمنظمة التحرير الفلسطينية. ويتعرّض الكتاب للصدام مع النظام الأردني، وإجلاء قوات منظمة التحرير الفلسطينية من الأردن بعد مواجهات دامية، وبدء تشكيل منظمة أيلول الأسود. في المحطة الثانية للثورة الفلسطينية في لبنان، يتطرّق الكتاب إلى نجاح الرئيس عرفات في إعادة تجميع القوات الفلسطينية في لبنان بعد خروجه من الأردن، والعوامل والتحالفات التي ساعدت في ذلك، وترسّخ دور عرفات كزعيم مطلق لحركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية، وتأثير الوجود الفلسطيني القوي على التوازنات التقليدية في لبنان، وبدء الحرب الأهلية اللبنانية، وتحالفات قوى المعارضة اللبنانية مع الفلسطينيين، ودور الرئيس عرفات في تشكيل حركة quot;أملquot; الشيعية االلبنانية التي انشق عنها حزب الله في وقت لاحق، ثم تصاعد العمليات الفلسطينية العسكرية ضد الاحتلال الإسرائيلي كذلك العمليات الخارجية في مختلف أنحاء العالم، والاجتياحات الإسرائيلية العسكرية للمراكز الفلسطينية في جنوب لبنان، والهجوم الواسع للجيش الإسرائيلي عام 1982، والاتفاقات التي أدّت إلى خروج عرفات ومنظمة التحرير من لبنان.
يبرز الكاتب أهمية فترة وجود الثورة الفلسطينية في محطتها الثالثة، تونس، على صعيد تحديد مسار تلك الثورة وتوجهاتها المستقبلية، والصعوبات التي واجهها الرئيس عرفات في المجالين العربي والدولي بعد عملية السلام المصرية- الإسرائيلية والحرب العراقية الكويتية. ويفرد الكاتب فصلا خاصاً لتلك الحرب، وفصلاً مستقلاً آخر لعلاقات الرئيس عرفات مع مصر، و موقفه الحقيقي من مبادرة السلام التي أطلقها الرئيس السادات، والأزمات التي تعرّضت لها تلك العلاقات. ينتقل الكتاب بعد ذلك للحديث عن عملية السلام الفلسطينية -الإسرائيلية وتطوراتها منذ بدء الحوار الفلسطيني- الأميركي عام 1988 وحتى انهيار عملية السلام نهائيّاً بعد مؤتمر كامب ديفيد عام 2000. بعد فصل شامل عن الانتفاضة الفلسطينية، يسرد الكتاب في فصل لاحق ما جرى في فترة ما بعد عرفات، وينتهي بالخاتمة التي أورد فيها الكاتب رؤيته لطبيعة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وأسباب نجاح وفشل الأداء الفلسطيني وتأثير الخلافات الداخلية الفلسطينية وكذلك رؤيته وتوقعاته، في المدى المنظور، لاحتمالات المستقبل بما في ذلك نتائج وقرارات المؤتمر الدولي الأخير.
كتاب quot;سنوات الأملquot; جديد وجرئ في مضمونه، وسوف يكون مثار جدل كبير حول ما ورد فيه من آراء وسرد. تكمن أهمية الكتاب في أنه الأول من نوعه الذي يعرض الرواية باقتراب واطلاع واضحين من دائرة صنع القرار الفلسطيني في تلك المرحلة، بالرغم من وضوح تغلّب الرؤية الشخصية للكاتب في الحكم على الأداء السياسي والداخلي للقيادة الفلسطينية والتحيّز البارز لتلك الرؤية، وملاحظاته الإيجابية والانتقادية، التي وزّعها بالتساوي على حركتي فتح وحماس والتنظيمات الفلسطينية الأخرى.
بالرغم من ذلك فإنه لا يمكن للقارئ إلاّ الاعتراف بالصراحة والجرأة التي ناقش فيها الكتاب، ربما لأول مرة بعد وفاة الرئيس عرفات، بعض المواضيع التي يعرفها ولا يناقشها، على الأقل بشكل علني، عدد كبير من السياسيين والباحثين والمهتمين بالقضية الفلسطينية التي تشغل عواطف وضمائر الأمتين العربية والإسلامية، خاصة في مرحلتها الحالية، وفي بعض المفاصل الأساسية في مسيرتها الطويلة. ولكن مما لا شك فيه أن الكتاب سوف يحظى بعدد كبير من المؤيدين، وربما بعدد أكبر من المعارضين، بسبب لمحاولات كاتبه الحثيثة في الدفاع عن مواقف الرئيس عرفات في قضايا كثيرة ما زالت خاضعة للجدل، مثل معارضة الزعيم الفلسطيني الراحل لعملية السلام المصرية- الإسرائيلية ورفضه المشاركة في اجتماع فندق مينا هاوس الشهير، وموقفه من الأجتياح العراقي للكويت وعلاقته بالرئيس الراحل صدام حسين، ودوره في التحضير للانتفاضة الفلسطينية، وما تردد من اتهامات عن إفشاله لفرص التوصل إلى حل في مؤتمر كامب ديفيد عام 2000.
التعليقات