أسامة العيسة من القدس : منذ أربعين عاما، وسكان مدينة الخليل الفلسطينية، جنوب الضفة الغربية، يتعرضون لغارات إسرائيلية متكررة، ولذا لم يكن مفاجئا لهم، عندما شنت وحدة من لواء المظليين 202، في الجيش الإسرائيلي غارة على المدينة، ولكن المفاجأة كانت بعد انتهاء الغارة وتبين أنها كانت لإنقاذ زوج من النسر الذهبي، وهو طير نادر في فلسطين، كان في أحد المنازل الفلسطينية في المدينة.وعلى غير المألوف، تصرفت وحدة المظليين، فلم تستهدف مقاومين، ولم تكن التوجيهات التي أعطيت لها، تتعلق بأي أهداف للمنظمات الفلسطينية، وانما quot;تحرير النسر الذهبيquot;.وبدا غريبا لوحدة المظليين، أن يوكل لها مهمة مثل هذه، ولكن الأوامر هي الأوامر، وحسب مصادر صحافية إسرائيلية، فان الجيش الإسرائيلي تحرك وقرر تنفيذ quot;عملية النسر الذهبيquot; بعد أن توفرت معلومات استخبارية لدى سلطة البيئة في إسرائيل، عن وجود زوج من النسر الذهبي في أحد المنازل في الخليل، وهو أحد الطيور المحمية في إسرائيل، فلجأت هذه السلطة إلى الجيش الإسرائيلي الذي لم يجد افضل من وحدة المظليين، لتكليفها بالعملية الأولى من نوعها التي ينفذها الجيش الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية.

وفي ظروف مختلفة، حدث أن صادرت قوات الجيش الإسرائيلي وهي تنفذ عمليات اعتقال ودهم في الأراضي الفلسطينية، بعض الطيور التي كانت تجدها في المنازل الفلسطينية، ولكن ذلك كان يتم بشكل عشوائي وغير مقصود، وبالصدفة، ولكن هذه المرة فان الهدف كان واضحا للجنود quot;لا تعودوا بدون النسر الذهبيquot;.

النسر الذهبي
وعندما وصلت وحدة المظليين إلى المنزل الذي تم تحديده، وطوقته، وطلبت من سكانه الاستسلام، ثم دهمته، كانت المفاجأة، أنها لم تجد الهدف المطلوب وهو النسر، ومثلما يحدث عندما لا تجد القوات الإسرائيلية مطلوبا لها، فإنها أقامت غرفة استجواب ميدانية، لسكان المنزل، وبعد التحقيق معهم، اقروا بان النسر اصبح الان في أحد متاجر الطيور في المدينة لبيعه.

وادخل قائد العملية تعديلا على الخطة، فتمدهم المتجر، حيث عثر على النسر بصحة جيدة، واتخذت اجراءات لنقله بطريقة خاصة، إلى حديقة الحيوانات التوراتية في القدس، المقامة على أراض تابعة لقرية (المالحة) المحتلة عام 1948.

وحتى الان لا يعرف الذين يتولون المسؤولية عن النسر، إذا كان سيظل في قفصه الجديد سجينا، أم انه سيصار إلى إطلاق سراحه إلى البرية في وقت لاحق، بعد تأهيله والتأكد من انه يستطيع الدفاع عن نفسه.

ويعتبر النسر الذهبي أحد الطيور المهاجرة إلى فلسطين، وحتى عام 1972، كان يعتبر من الطيور النادرة في فلسطين، حتى تم اكتشاف أول عش، وفي عام 1979، اكتشف عشا له على شجرة صنوبر، في أحراش (دير كريمزان)، جنوب القدس، وهو ما اعتبر حدثا نادرا، لان من المعروف انه يبني عشه في المنحدرات الصخرية، وتم وضع حراسة على العش على مدار الساعة، حتى تمكنت الفراخ من الطيران.

و منذ سنوات اصبح النسر الذهبي طائرا مقيما، ولكن أعداده قليلة جدا لاسباب كثيرة، منها فترة نضوجه الجنسي الطويلة نوعا ما حيث تصل إلى خمس سنوات، وطول فترة حضانة الفراخ، مما يجعله هدفا لسارقي الطيور.

ويصل طول هذا الطير إلى 90سم، ويصل وزنه إلى 4 كلغم، وعادة ما تكون الأنثى اكبر حجما من الذكر بنحو 20%.

وقبل فترة قدر عدد النسر الذهبي في فلسطين الانتدابية بنحو 50 زوجا، ولكنه خلال العقدين الماضيين، انخفض العدد بنسبة 50%، مما يجعله معرضا لخطر الانقراض.

ويعيش النسر الذهبي حياة اجتماعية، كأزواج، في مناطق نفوذ له تمتد عدة كيلومترات، ويعيش على افتراس الأرانب والثعالب.

وتعتبر صحراء البحر الميت، من اكبر الملاجئ للطيور الجارحة في فلسطين، مثل النسر الذهبي، والنسر الأسمر، وأنواع أخرى من النسور والصقور.

وتتخذ هذه الطيور من قمم التلال الصخرية في هذه الصحراء، وفجواتها ومنحدراتها أعشاشا لها، إلا أن هذا لا يشكل حماية لها، أمام تزايد أعداد الذين يمتهنون سرقة الفراخ وبيعها، في السوق الفلسطينية، وحسب بعض المعلومات، فانه يتم في أحيان كثيرة تهريب هذه الطيور إلى أسواق أخرى، اكثر رواجا، مثل دول الخليج العربي.

ولم تبد السلطة الفلسطينية، لدى تأسيسها رغبة كبيرة في محاربة المعتدين على الطيور والحيوانات المحمية الأخرى مثل الغزلان، بل إن كثيرا من مسؤولي هذه السلطة المحليين، اقتنوا حيوانات محمية، خلافا للقانون، واصبح الأمر الان اكثر صعوبة، مع الضعف الكبير لقوات الأمن في السلطة الفلسطينية، مما أنعش تجارة الطيور غير الشرعية، والتي لم يعد لها أي خطوط حمراء، فهي تشمل بالإضافة إلى الطيور المرغوبة مثل النسور والعقبان، طيورا قد لا تشكل أي أهمية للزبائن، مثل أنواع مختلفة من البوم، إلا أن سارقي الأعشاش والعابثين، والعاطلين عن العمل، لا يردعهم أي شيء عن تدمير الأعشاش.

والخطر الذي يهدد الطيور النادرة والمحمية والمهاجرة، ليس منبعه فقط الأراضي الفلسطينية، إلا أن مخاطر كبيرة تواجهها في إسرائيل، بسبب تناول هذه الطيور أغذية فاسدة، أو تعرضها للصعق من أسلاك كهرباء الضغط العالي، أو على أيدي الصيادين غير الشرعيين.

ونتيجة تزايد نفوق الطيور المهاجرة بسبب أسلاك الكهرباء، فان شركة الكهرباء الاسرائيلية بدأت بحماية هذه الأسلاك كي لا تشكل خطرا على الطيور، ولكن العمل لم ينته ليشمل كل مناطق البلاد، مما يجعل خطر الموت الكامن في هذه الأسلاك يشكل خطرا حقيقيا على الطيور، حيث يعثر بشكل دائم على طيور نافقة جراء وقوفها على أسلاك الكهرباء، وأحيانا يؤدي الصعق بالكهرباء إلى عاهات للطيور ترافقها طوال عمرها، مثل فقدان احد طيور عقاب الأفاعي لاحد أجنحته، وإصابة بومة بالعمى.

ولمواجهة موت الطيور نتيجة التسمم الغذائي، بدأت حملة لإجبار الرعاة على دفن المواشي التي تموت نتيجة التسمم أو ما شابه، حتى لا تشكل فخا مميتا للطيور الجارحة إذا بقيت في العراء، فتقصدها هذه الطيور لاكل لحمها دون أن تعلم بالطبع أنها سامة.

وبعض أنواع الطيور تكون عرضة للموت، عن سبق إصرار وتعمد من مربي الأسماك الاسرائيليين، الذين يستهدفون طيور البجع ببنادقهم، لإبعاد هذه الطيور عن بركهم.

ويؤدي كل هذا إلى فقدان أنواع نادرة من الطيور، واكثر طير معرض لمثل هذه الأخطار هو بلا شك النسر الذهبي.