شبهة أن تكون مسلمًا أو إشتراكيًا
التابوهات في المزاج الأميركي تحاصر أوباما

الانتخابات الامريكية

بلال خبيز من لوس أنجليس: نشرت صحيفة لوس انجلس تايمز قصة عن علاقة ربطت المرشح الديمقراطي لرئاسة الولايات المتحدة باراك أوباما بالبروفسور الفلسطيني الأصل، الأميركي الجنسية رشيد الخالدي. الصحيفة حصلت على معلوماتها هذه من مصدر إشترط على إدراتها أن تبقي المعلومات المتعلقة به طي الكتمان. وتملك الصحيفة شريط فيديو يظهر أوباما وهو يلقي كلمة بحضور البروفسور الفلسطيني.

حملة أوباما الانتخابية ردت من جهتها على الهجوم الذي شنه الجمهوريون ان جون ماكين نفسه على علاقة ايضًا برشيد الخالدي لا بل انه في العام نفسه الذي التقى فيه أوباما برشيد الخالدي في اللقاء موضوع السجال، قدم ماكين تبرعًا ماليًا لمؤسسة يديرها رشيد الخالدي وتعنى بتحسين أوضاع اهل الضفة الغربية الواقعة تحت الاحتلال الاسرائيلي.

الجمهوريون شنوا حملة على الصحيفة، التي سبقت وان أيدت باراك أوباما في السباق إلى البيت الابيض، باعتبارها ترفض نشر الشريط، لحماية المرشح الذي

تؤيده. وثمة سجال قانوني وإخلاقي تخوضه ادارة الصحيفة اليوم يدور حول حقها في حماية مصدر معلوماتها، وإلى اي حد يمكنها التغطية عليه، وما الذي يتوجب عليها كشفه وما الذي يتوجب عليها ابقاءه طي الكتمان.

بعض فقهاء الاخلاق والقانون وخبراء الإعلام يرون ان سجالية الموضوع، توجب على الصحيفة ان تنشر معلوماتها، ذلك ان اخفاءها قد يلحق الضرر بالمرشح الجمهوري. وآخرون يرون ان من حق الصحيفة الاحتفاظ بسرية مصادرها كائنة ما كانت النتائج. والحق ان اميركا شهدت مثل هذا السجال يوم كشفت الواشنطن بوست فضيحة ووترغيت في عهد الرئيس ريتشارد نيكسون. ويومها ربحت الصحيفة دعواها وخسر نيكسون الرئاسة، حيث استقال من منصبه اثر شيوع خبر الفضيحة.

لكن المسألة لا يمكن اختصارها بالجانب القانوني. بل ان اضافتها إلى مسائل اخرى، تمت اثارتها بوصفها تنتقص من اهلية أوباما للرئاسة نقصًا فادحًا، قد يوضح المنحى الذي ما زالت السياسة الاميركية الداخلية تسير فيه. حيث اثار الجمهوريون في الاسابيع الأخيرة مسألتين بالغتي الأهمية بالنسبة إلى الجمهور الاميركي، علاقة أوباما ببيل ايرز، الذي كان يقود مجموعة فوضوية يسارية في الستينات ضد حرب فيتنام، والاشارات المتكررة إلى اصول أوباما الكينية بوصفه مولود لأب مسلم.

طبعاً ليس ثمة ما يمنع في نص القانون الاميركي ان يصل مسلم إلى رئاسة الجمهورية، وايضاً فإن رشيد الخالدي مواطن اميركي محترم، وهو يعمل تحت حد القانون المرعي الإجراء، ثم ان بيل ايرز انتهى استاذاً في جامعة شيكاغو ويعتبر من وجوه الولاية البارزين، على ما اوضح أوباما وتحقق منه الجميع. لكن المسائل الثلاث التي يثيرها مسؤولو حملة ماكين، تعتبر من التابوهات السياسية في اميركا. إذ ليس القانون وحده هو ما يقرر في هذ المجال. وان ينكب سياسي مسلم غمار الترشح للانتخابات في الولايات المتحدة امر يفوق في صعوبته بأشواط وصول رجل اسود او امرأة إلى البيت الابيض. فكيف الامر اذا بات يدق ابوابه فعلياً؟

في المقابلة التلفزيونية التي اعلن فيها كولن باول دعمه لترشيح أوباما، فتح الباب امام محاججة فكرية بالغة الاهمية، حين قال، ليس السؤال إذا كان أوباما مسلمًا، فهو مسيحي، لكن السؤال وماذا لو كان مسلماً، هل ثمة ما يمنع اي مسلم من الوصول إلى البيت الأبيض؟ لكن هذه المحاججة الفكرية المتسلحة بنص القانون وروحه لا تلغي واقع ان رهاب الإسلام في الولايات المتحدة ما زال قوياً وثقيل الوطأة، ولم تزده اعوام العنف الاصولي المتأخرة إلا قوة وحدة. وان المزاج العام الاميركي يعتبر المسلمين خارج دائرة المواطنة الكاملة بمعنى من المعاني.

فالبلد الذي تأسس على هجرات متلاحقة من اوروبا واسيا وافريقيا ما زال يرى في اسلام المرء او اصوله الإسلامية عائقاً يحول دون تمتعه بكافة الحقوق التي ينص عليها الدستور. والأمر اشد وادهى في ما يخص الموضوع الفلسطيني، لأنه في هذه الحالة لا يكون مناصر الفلسطينيين مناصراً للمسلمين فحسب، بل معادياً لليهود وفي هذا ما يمس قدس اقداس المزاج الشعبي والسياسي في اميركا.

ايضاً ثمة شبهة اليسار والشيوعية التي وصم بها أوباما من قبل الجمهوريين، وهي وصمة تجد مستندها الفكري في اميركا الخمسينات من القرن الماضي، وعلى الرغم من أن الشيوعية لم تعد حية في اي بلد من بلاد العالم، وليس ثمة بلد بعد يُحكم بحسب مبائدها، إلا انها لا تزال تشكل شبحاً للأميركيين يرونه في كوابيسهم. وهذا على الارجح ما دفع بسارة بايلين إلى التذكير بأنها تحكم ولاية تقع على الحدود الروسية الاميركية، حيث ولد الجيش الاحمر وترعرع ونما واصبح في مابعد يشكل الخطر الأكبر على اميركا شعباً ونظاماً.

الشيوعية سقطت سقوطها المدوي منذ ما يقارب العقدين من الزمن، لكن اميركا ما زالت ترى في الاشتراكية شبهة، وفي اعتناقها او التفكير فيها ما يحول عملياً دون وصول معتنقها إلى المناصب الرسمية الأعلى في البلاد. مما يعني ان تصالح اميركا مع الإسلام، مزاجاً واعرافاً سياسية، لن يكون ممكناً قبل عقود من الزمن. وواقع ان المسافة بين تحرير العبيد ووصول بعض السود الأميركيين إلى دوائر القرار العليا احتاج ما ينوف على القرن بعقود، ينبهنا إلى هول المسافة التي تفصل المسلمين والعرب منهم خصوصاً عن الوصول إلى الموقع الذي يحتله اليوم سود اميركا في سلم البداية السياسية الاميركية، التي، مثلها مثل اي بداية وطنية وقومية اخرى، تنفر اشد من تنفر من روح القانون.