لندن: في زيارة إلي سجن الرصافة كان أول مشهد تقع عليه عيوننا داخل غرفة معتمة الإضاءة هو الأسرة الحديدية المزدوجة المتراصة إلى جوار بعضها البعض ومعلق عليها حقائب بلاستيكية وملابس وغيرها من أغراض السجناء.

وفي غرفة أخرى أكثر اتساعاً كان هناك سجين في كل شبر من الغرفة، كان كل أربعة أو خمسة رجال على سرير واحد بل إن بعضهم كان يجلس على الأرض. وفي أول زيارة لوسيلة إعلام إلى السجون العراقية منذ الغزو الأميركي عام 2003، كان السجناء متوترون في البدء لرؤية صحفيين أجانب يقفون خلف سجانيهم، وكان أول ما قالوه إن quot;كل شىء على ما يرام هناquot;.

لكن بعد ذلك قفز رجل يلبس جلباباً طويلاً من أحد الأسرة قائلاً quot;لا تستمع لهذا، الأوضاع هنا مريعة، هناك أشخاص ينامون قرب الحمام، البعض يقفون على اقدامهم حتى يتمكن الآخرون من النومquot;.

رجل آخر يجلس أعلى أحد الأسرة قال quot;أشعر أنني ميت هناquot;، واضاف أن محكمة أمرت باطلاق سراحه ثم قبض عليه من جديد. وعلاوة على ذلك لا يسمح للنزلاء بالخروج من زنازينهم إلا نادراً لعدم وجود فناء مناسب.

وعلى بعد عدة أمتار من أحد الأسرة تغطي ستارة بالية المراحيض الثلاثة وغرفة الاستحمام التي يستخدمها أكثر من 100 شخص، ويقول أحد السجناء quot;علينا أن نستحم حسب الدور المتاح، مرة كل ثلاثة أيامquot;.

كما توجد خارج الحمامات بعض الأغطية الثقيلة حيث ينام بعض السجناء.

كان يوماً بارداً من شهر نوفمبر/ تشرين الثاني عندما زرنا سجن الرصافة، لكن الهواء كان حاراً وثقيلاً في الداخل، ومن الصعب تخيل كيف يكون هذا المكان في صيف بغداد الذي تصل درجة الحرارة فيه إلى 50 درجة مئوية.

وصلنا إلى السجن بصحبة مسؤولين من وزارة الداخلية العراقية بعد أن طلبنا الوقوف على إدعاءات بسوء المعاملة وضرب السجناء في السجون العراقية.

ولدهشتنا الشديدة قال لنا مسؤول رفيع بوزارة الداخلية إن بامكاننا أن نري ما بالداخل دون رقابة من أحد، وما أن نخطو داخل السجن سيكون بامكاننا التحدث للسجناء بحرية دون مراقبة حديثنا.

وقال لنا بعض السجناء إنهم ضربوا واسيئت معاملتهم ومعظمهم يقول إنه تعرض لهذه الظروف في الأيام الأولى من اعتقاله، لكن ما يهمهم أكثر الآن هو الظروف التي يحتجزون فيها.

ويشتبه في أن بعض هؤلاء السجناء من المتمردين المسلحين الذين اعتقلتهم الشرطة العراقية ووحدات الجيش، بينما يتهم آخرون بارتكاب جرائم كالسرقة. لكن يتعين على معظم السجناء الانتظار لأشهر قبل تقديمهم لمحاكمة لعدم مقدرة النظام القضائي العراقي على مجاراة الأعداد الهائلة من القضايا في الانتظار.

ومع اعتقال الآلاف من المشتبهين في عمليات أمنية خلال الأعوام الماضية، صارت فترات الانتظار أكثر طولاً في المحاكم العراقية.


لكن الوضع هنا ليس فريداً من نوعه، فقد أظهرت صور الهواتف المحمولة التي التقطها نواب عراقيون زاروا سجوناً أخرى واتيحت لبي بي سي فرصة الاطلاع عليها نفس الظروف التي شهدناها في سجن الرصافة.

ويقر الجنرال عبد الكريم الخلف قائد العمليات بوزارة الداخلية أن لديهم مشكلة ازدحام في السجون العراقية، مضيفاً quot;ويضع تزايد أعداد السجناء المزيد من الضغوط على النظام المتبعquot;.

ويقول الخلف إنه لا تزال هناك quot;بعض الحالات المعزولةquot; من الانتهاكات كالتعذيب والضرب، لكنه شدد على أن الثقافة السائدة قد تغيرت.

ويقول مسؤول رفيع في سجن الرصافة لا يريد الكشف عن اسمه إن quot;الوضع الاستثنائيquot; في العراق هو الذي يلقى عليه باللوم فيما يتعلق بالأوضاع التي يجبر السجناء على العيش فيها، لكنه شدد على أن الأوضاع ليست quot;غير انسانيةquot;.

وأضاف المسؤول quot;إذا رأيت السجون أيام صدام حسين، عندها سترى حقيقة الأوضاع غير الانسانيةquot;.

ووفقاً للتقارير التي جمعناها فإن التعذيب وسوء المعاملة أقل مما كانت عليه في عهد صدام، لكن العراقيين الذين تحدثنا إليهم والذين سجنوا في عهد صدام ولا زالوا قالوا إن الأوضاع لم تتغير كثيراً.

وربما تتجه الأحوال نحو الأسوأ، بينما تمضي الولايات المتحدة وبريطانيا شيئأ فشيئاً نحو الانسحاب من العراق حيث يتجهون لنقل الآلاف من السجناء العراقيين إلى الاعتقال رهن نظام السجون العراقي.