موسكو: أعلنت طهران منذ عامين أن مركز نتانز لتخصيب اليورانيوم في أصفهان أنتج دفعة أولى من اليورانيوم المنخفض التركيز، أي المادة الضرورية من أجل إنتاج الوقود للمفاعلات النووية.

ودخل ذلك quot;اليوم المشهودquot; في سجل التاريخ الإيراني المعاصر كيوم وطني للتكنولوجيات النووية. ويحتفل البلد بهذا اليوم سنويا في يوم العشرين من فروردين حسب الروزنامة الإيرانية الذي صادف في العام الجاري 8 أبريل.

ويمكن القول أن عيد الذرة الإيراني بات حاليا يوما دوليا، إذ ساعدت الذرة الإيرانية على تقسيم المجتمع الدولي إلى معسكرين هما: أنصار حق كل شعب في تطوير التكنولوجيات النووية الوطنية، ودعاة الشفافية المطلقة لهذه التكنولوجيات. وفي النتيجة نرى أن نصف المجتمع الدولي يؤيد حق الشعب الإيراني في تطوير الطاقة الذرية الوطنية بينما يشك نصفه الآخر في مصداقية تصريحات طهران بشأن الطابع السلمي لبرنامجها النووي.

واكتسبت المسألة الإيرانية طابعا ملحا على الصعيد العالمي حمل مجلس الأمن الدولي خلال العام والنصف الأخير فقط (من ديسمبر 2006 إلى مارس 2008) على إصدار ثلاثة قرارات بحق البرنامج النووي الإيراني. وتقضي القرارات الثلاثة على التوالي بفرض العقوبات ثم تشديدها ثم توسيع رقعتها بحيث تشمل حظر سفر بعض الشخصيات الإيرانية المتصلة بتنفيذ البرنامج النووي الإيراني إلى الخارج وتجميد أموال بعض والبنوك والشركات الإيرانية وتفتيش الشحنات.

ومنح كل من هذه القرارات إيران مهلة أقصاها 90 يوما لكي ترجع عن غيها وتغلق برنامج تخصيب اليورانيوم وتعود إلى طاولة المفاوضات. وفي هذه الأثناء قامت اللجنة الخاصة المنبثقة عن مجلس الأمن بمتابعة تنفيذ العقوبات من قبل الدول الأعضاء في الأمم المتحدة.

ولكن العالم، كما سبق، انشق إلى شقين بصدد هذه القضية. وها هو رئيس اللجنة المذكورة البلجيكي يوهان فربيكي يعترف قبل فترة وجيزة بأن أقل من نصف الدول المنتسبة إلى الأمم المتحدة فقط قدمت التقارير الإلزامية حول امتثالها إلى قرارات مجلس الأمن الدولي بحق معاقبة إيران. وعلى حد قوله إن 88 دولة فقط قدمت التقارير عن تنفيذها للقرار الأول الخاص بإيران وبصدد القرار الثاني -72 دولة فقط. علما أن صف أعضاء الأمم المتحدة يضم حوالي 200 دولة.

ويتميز يوم التكنولوجيات النووية الإيراني في هذا العام عن سابقاته. فقد أُعلن مسبقا بأن نبأ هاما سيذاع في هذا اليوم. وها هو ذا الرئيس محمود أحمدي نجاد يعلن عن شروع إيران بإقامة ستة آلاف جهاز طرد مركزي جديدة لتخصيب اليورانيوم. ويدور الحديث عن الأجهزة من طراز quot; IR - 2quot; حسب التصنيف الإيراني والتي تزيد إنتاجيتها ضعفين ونصف تقريبا على إنتاجية أجهزة الطرد المركيز من الجيل الأول من طراز quot;P - 1quot;. ما معنى ذلك؟

إذا كان في مقدور أجهزة الطرد المركزي من الجيل الأول أن تنتج كمية من اليورانيوم مطلوبة لصنع قنبلة نووية واحدة خلال ثلاث سنوات فإن العدد المضاعف من الأجهزة ذات الإنتاجية المرتفعة مقدار مرتين ونصف يستطيع أن ينتج هذه الكمية خلال فترة أقصر 5 أضعاف على أقل التقدير.

ومعروف أن إيران لم تشتر في الخارج ولا واحدا من أجهزة الطرد المركزي الجاهزة من النوع المماثل لـquot;IR - 2quot;. فقد صنعت الأجهزة من الجيل الجديد كليا تقريبا من المواد والمكونات الإيرانية الصنع. ولا يمكن لوم إيران على ذلك وليس هناك سوى quot;قلقquot; يستند إلى شبهات غامضة. والمشكلة هي رفض إيران للامتثال إلى مطلب مجلس الأمن الدولي بشأن إيقاف كل الأعمال على تخصيب اليورانيوم. وتعلل إيران موقفها هذا بحقها في تطوير التكنولوجيات النووية الوطنية باعتبارها دولة عضوا في معاهدة حظر انتشار السلاح النووي.

وثم رأي رائج مفاده أن المفارقة الغريبة في الشأن الإيراني تنبثق عن التباين في تفسير بنود معاهدة حظر انتشار السلاح النووي أو بالأحرى عن عدم تطابقها مع واقعيات العصر الراهن. وتنص مادتاها الرابعة والسادسة على أن أيا من بنود المعاهدة لا يمكن أن يفسر على نحو يمس حق كل المشاركين فيها غير القابل للانتزاع في quot;تطوير بحوث وإنتاج واستخدام الطاقة الذرية لأغراض سلميةquot;.

وفضلا عن ذلك فإن صياغة إجراءات تعهد الدول الأعضاء في المعاهدة بضمان عدم تحويل الطاقة الذرية من الاستخدام السلمي إلى تصنيع السلاح النووي تفتقر إلى دقة ووضوح.

ونرى في النتيجة أن معاهدة حظر انتشار السلاح النووي التي بدأ سريان مفعولها في 5 مارس عام 1970 والتي لم تعد تستجيب لواقعيات اليوم تجعل العالم بأسره رهينة للملف النووي الإيراني أو بالأحرى لتوفر الإرادة السياسية لتصنيع السلاح النووي أو عدمه لدى إيران. ذلك أن مستوى التكنولوجيات النووية التي تتوخاها طهران والتي بلغته إلى حد بعيد يكون قاب قوسين أو أدنى من صنع السلاح النووي وأن كل شيء يتوقف على الإرادة السياسية وحدها.

إذن، نهنئكم باليوم الوطني، إن لم يكن دوليا، للتكنولوجيات النووية الإيرانية!

ببيوتر غونتشاروف