رغم حملات التحسين الضخمة ووسائل الإعلام الموجهة
صورة الولايات المتحدة تتراجع عالميا والكونغرس يبحث في الأسباب
واشنطن: quot; أثرت السياسة الخارجية الأميركية خلال الحرب علي الإرهاب بشكل سلبي علي المكانة الدولية للولايات المتحدة quot;، هذا هو الاستنتاج الرئيس الذي توصلت إليه اللجنة الفرعية للمنظمات الدولية وحقوق الإنسان Subcommittee on International Organization amp; Human Rights في لجنة الشؤون الخارجية التابعة لمجلس النواب الأميركي House Committee On Foreign Affairs في تقريرها الصادر يوم 11 يونيو 2008 بعنوان quot; تراجع سمعة الولايات المتحدة دوليا : لماذا ؟ quot; quot; The Decline in American Reputation ,Why ? quot; والذي كان موضع جلسة الاستماع التي عقدت في اليوم ذاته لمناقشة ما ورد في التقرير من نتائج بمشاركة عدد من المتخصصين الأكاديميين في العلاقات الدولية ودراسات الرأي العام.
حيث أشار بيل ديلاهنت Bill Delahunt رئيس اللجنة الفرعية للمنظمات الدولية وحقوق الإنسان في افتتاح الجلسة إلى أن غالبية استطلاعات الرأي توصلت في ما يشبه التوافق العام إلى أن السياسة الخارجية الأميركية في عهد إدارة الرئيس بوش الابن قد أدت إلى تنامي تيارات مناوئة للمصالح الأميركية سواء في منطقة الشرق الأوسط أو في إطار حلف شمال الأطلسي أو بين دول أميركا اللاتينية الفناء الخلفي للولايات المتحدة الأميركية وهو ما أثار تساؤلاً مهماً حول أسباب هذه الظاهرة وأثرها على وضع الولايات المتحدة في النظام الدولي الذي يشهد تحولات في طبيعة التفاعلات الدولية ووزن الفاعلين الدوليين المشاركين في إطارها.
مؤشرات تراجع الصورة الدولية للولايات المتحدة
أشار التقرير إلى أن الحرب الأميركية على الإرهاب بما انطوت عليه من مبادئ مثيرة للجدل مثل الضربات الإستباقية، والتقسيم الثنائي للعالم بين محوري الخير والشر. فضلاً عن استدعاء مقولات الصدام الحضاري، قد أثرت في تحول حالة التعاطف الدولي مع الولايات المتحدة عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر إلى شعور بالاستياء تجاه السياسات الأميركية، لدرجة أن بعض القائمين على مؤسسات استطلاع الرأي أكدوا أن تأييد الولايات المتحدة لم يشهد تدنياً إلى هذا المستوى في أي من فترات تاريخها بما في ذلك الحرب الباردة.
فقد كشفت استطلاعات الرأي بين عامي 2002 و2006 عن تراجع شعبية الولايات المتحدة خلال هذه الفترة بنسب تتراوح بين 45% في اندونيسيا و40% في تركيا و27 % في بريطانيا، بينما تصاعدت المؤشرات الإحصائية الدالة على تنامي كراهية الولايات المتحدة في الدول الإسلامية وأميركا اللاتينية لتصل إلى 82% و86% على التوالي، وتعززت هذه النتائج بما كشف عنه مركز بيو لاستطلاعات الرأي العام Pew Research Center survey في استطلاعه الدولي عام 2006 من تقلص لشعبية الولايات المتحدة دولياً بين عامي 2002 و2006 من حوالى 81 % إلى 22% ممن شملهم استطلاع للرأي في عدد من دول العالم، ما دفع أندرو كوهت Andrew Kohut رئيس مؤسسة بيو للقول إن هذا التناقص يُعد الأبرز في تاريخ الولايات المتحدة خلال الخمسة والعشرين عاماً الماضية.
وأشار جون جلين John Glenn مدير صندوق مارشال الألماني German Marshall Fund إلى أن نسبة الأوروبيين الذين يعتبرون القيادة الأميركية لشؤون العالم غير مرغوبة قد تصاعدت إلى حوالى 57% عام 2006 في مقابل 31 % عام 2002 ، وهو ما توازيى مع إعلان جيمس زغبي James Zogby مدير مركز زغبي الدولي لاستطلاعات الرأي العام Zogby International عن أن حوالى 86 % من المنتمين إلى النخبة السياسية في دول أميركا اللاتينية يرون أن السياسة الأميركية تجاه دولهم لا تتمتع بتأييد شعبي.
وفي السياق ذاته تبلورت توجهات مناهضة للحرب الأميركية على الإرهاب على مستوي الرأي العام العالمي، فلم تتعد نسبة مؤيدي هذه الحرب حوالى 19 % في الصين و10% في مصر و14 % في تركيا و43 % في فرنسا.
إن كافة هذه المؤشرات الإحصائية تُشير إلى التراجع الحاد الذي شهدهُ التأييد الدولي للولايات المتحدة وهو ما أثار التساؤلات داخل لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب حول أسباب هذا التراجع وتداعياته على المصالح الدولية للولايات المتحدة.
جدلية الصراع الحضاري ورفض السياسات الأميركية
أدى تصاعد الاهتمام بتفسير تراجع شعبية الولايات المتحدة دولياً إلى انقسام الخبراء والمحللين إلى اتجاهين متناقضين، يحاول أولهما إعادة هذه الظاهرة إلى الصدام الحضاري بين الغرب والإسلام وتطلع دول العالم إلى القوة الاقتصادية والعسكرية الأميركية بقدر كبير من النقمة أو بمعنى آخر التناقض بين منظومة القيم الأميركية والمنظومات الحضارية الأخرى، في مقابل تأكيد الاتجاه الثاني على أن السياسات الأميركية على المستوي الدولي هي السبب الرئيس لتراجع شعبية الولايات المتحدة، وفي هذا الإطار جاءت إفادة سكوت هيبارد Scott W. Hibbard الأستاذ في قسم العلوم السياسية في جامعة ديبول DePaul University أمام اللجنة حيث أشار إلى وجود إشكالية تتعلق بالسياسة الخارجية الأميركية تتمثل في تعارضها مع القيم المجتمعية الأميركية مؤكداً أن سياسات من قبيل إسقاط نظام صدام حسين والحرب على العراق وتشديد الإجراءات الأمنية على الحدود الأميركية المكسيكية لمنع تسلل المهاجرين، فضلا عن احتجاز المتهمين دون محاكمة في معتقل غوانتنامو واستجوابهم بأساليب تتعارض مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان قد دفعت إلى تصاعد التوجهات الرافضة للسياسات الأميركية عالمياً.
واستدل ستيفن كول Steven Kull مدير برنامج توجهات السياسة الدولية في جامعة ميرلاند the Program on International Policy Attitudes (PIPA) at the University of Maryland إلى صحة هذه الفرضية باستطلاع للرأي أجرتهُ الجامعة عام 2006 أشار فيه حوالى 73 % ممن شملهم الاستطلاع في 26 دولة إلى رفضهم لاستمرار الحرب الأميركية على الإرهاب التي أضحى العالم في ظلها أكثر خطراً، بينما أكد حوالى 62 % من المواطنين في ست دول عربية أن السياسة الخارجية الأميركية تجاه عملية التسوية الفلسطينية الإسرائيلية غير محايدة وهو ما اتضح بشكلٍ واضح خلال الحرب الإسرائيلية على لبنان.
ويفرق سكوت هيبارد بين ثلاث فئات في إطار الرأي العام العربي من منظور مواقفهم تجاه منظومة القيم الأميركية وفق انتمائهم إلى التيار الإسلامي الأصولي، حيث يرتكز موقف غالبية الجماهير العربية على رفض السياسة الأميركية تجاه منطقة الشرق الأوسط نتيجة إعلائها لمصالحها الجيواستراتيجية التي تتطلب في كثير من الأحيان دعما لبعض النظم السياسية الأوتوقراطية في مقابل إغفال التنمية الاقتصادية والتحول الديمقراطي بينما يؤيد المنتمون إلى هذه الفئة القيم الأميركية ونمط الحياة الأميركي وفق نتائج استطلاع للرأي أجراه مركز زغبي عام 2002 أكد فيه حوالى 54% تأييدهم للديمقراطية وفق النمط الأميركي فيما تضاءلت نسبة تأييد السياسة الأميركية تجاه منطقة الشرق الأوسط لتصل إلى حوالى 8% فقط.
ويرفض أنصار التيار الإسلامي هذه الازدواجية ابتداء إذ يعلنون رفضهم لمنظومة القيم الأميركية إجمالاً لاعتبارهم إياها نوعاً من الاستعمار الفكري القائم على رؤية علمانية لا تتسق مع منظومة القيم الإسلامية، في مقابل اتجاه الجهاديين الإسلاميين لتحويل رفض منظومة القيم الأميركية لاستهداف عسكري للمصالح الأميركية في منطقة الشرق الأوسط نتيجة تحولهم من التركيز على العدو القريب (النظم الحاكمة في المنطقة العربية ) إلى العدو البعيد (الولايات المتحدة والدول الغربية ) تحت وطأة الملاحقات الأمنية التي أسفرت عن تحويل مركز نشاطهم الرئيس إلى خارج المنطقة العربية، ومن هذا المنطلق يقترح هيبارد التركيز على دفع عملية التحول الديمقراطي في المنطقة العربية وإيجاد بدائل للنفط الذي تتجه أرباحهُ المتراكمة لدعم الإرهاب على حد تعبيره.
الأحادية الأميركية وافتقاد التماسك في إطار حلف الناتو
أفرز اتجاه الولايات المتحدة المفرط للاعتماد على الآليات العسكرية في إطار الحرب على الإرهاب لتبلور اعتقاد دولي مفاده تجاهل الولايات المتحدة للتوافق الدولي وانتهاكها للقواعد القانونية الدولية وفي هذا الإطار أكد آيثر بريمر Esther Brimmer مدير مركز العلاقات الأطلسية THE Center for Transatlantic Realionsالتابع لجامعة جون هوبكنز علي تراجع وضع الولايات المتحدة في إطار المنظمات الدولية نتيجة السياسات المثيرة للجدل لإدارة الرئيس جورج بوش التي بلغت أوجها عام 2003 بقيادة تحالف دولي لإسقاط النظام العراقي السابق دون تفويض من مجلس الأمن، ورصد بريمر في هذا الصدد تصويت الدول النامية ضد عضوية الولايات المتحدة للجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة عقب رفضها التصديق على معاهدة كيوتو حول التغير المناخي ومعاهدة روما المنشئة للمحكمة الجنائية الدولية.
وأشار بريمر إلى أن انتهاج الولايات المتحدة لسياسات أحادية يحمل في طياته خطراً على مكانتها الدولية انطلاقا من عدم ملاءمة التوقيت وفق ثلاثة أبعاد أولها يتعلق بحالة الانفتاح الديمقراطي التي تشهدها دول العالم والتي تتناقض مع الإجراءات الأمنية والعسكرية الأميركية التي لا تضع حقوق الإنسان ضمن أولوياتها، أما الجانب الثاني فيتعلق بصعود قوى إقليمية اقتصادية وسياسية مناوئة للولايات المتحدة مثل الصين وروسيا أو قوى ساعية لتوسيع نطاق دورها الدولي مثل الاتحاد الأوروبي والهند.
ويتمثل البعد الثالث في ما تفرضه ظاهرة العولمة من ضرورة بلورة قواعد قانونية دولية تتمتع بدرجة عالية من المصداقية والعدالة لتنظيم تدفق السلع والخدمات والمعلومات بين دول العالم ومن ثم فإن اتجاه الولايات المتحدة لتجاهل وتهميش الإرادة الدولية يتناقض مع مصالحها الاقتصادية في دفع العولمة والتجارة الدولية قدما.
أما على صعيد علاقة الولايات المتحدة بحلفائها الأوروبيين في إطار حلف شمال الأطلسي فلقد أشار بريمر إلى وجود عدة عوامل دفعت إلى حالة من التباعد بين الطرفين كان أهمها نزوع الإدارة الأميركية نحو أحادية التصرف على الصعيد الدولي واتباعها لسياسات تتعارض مع القيم الليبرالية، وهو ما أدى إلى بروز قضايا خلافية بين الطرفين مثل توسيع حلف الناتو شرقاً ليضم دولاً مثل مقدونيا وأوكرانيا واستمرار زيادة عدد القوات التابعة للدول الأوروبية في إطار قوات المساعدة الدولية إيساف ISAF التابعة للحلف فضلاً عن التعاون الاستخباراتي لاسيما على صعيد تبادل البيانات الخاصة بالمسافرين الأجانب وتسليم بعض المشتبه في انتمائهم إلى تنظيمات إرهابية للولايات المتحدة خاصة بعد الكشف عن وجود سجون سرية أميركية في بعض الدول الأوروبية لاستجواب المشتبه في انتمائهم إلى تنظيمات إرهابية وهذه الملفات كانت موضع جدل حاد خلال القمة الأخيرة لحلف الناتو في بوخارست في ابريل 2008 .
الولايات المتحدة في نظام دولي ذي حدود مغلقة
بينما تركزت إفادة جون تيرمان John Tirman المدير التنفيذي لمركز الدراسات الدولية في معهد ماساشوتس للتكنولوجيا Center for International Studies of Massachusetts Institute of Technology خلال جلسة الاستماع على أن الدور الدولي للولايات المتحدة يتعرض للتقلص بشكل كبير نتيجة إعادة رسم الحدود الجيوسياسية الدولية في ضوء ثلاثة عوامل رئيسة تتمثل في ما يلي:
1- نهاية الاستقطاب الإيديولوجي الدولي الذي ساد إبان فترة الحرب الباردة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي بما أفرغ مقولات الصراع لتحقيق الليبرالية من مضمونها لتحل محلها مقولات الصراع الحضاري غير واضحة المعالم نتيجة وجود شبكة علاقات حضارية متداخلة يصعب في ظلها الفصل التحكمي بين الحضارات المختلفة، وفي هذا الإطار ساد اعتقاد في الدول الإسلامية يعتبر الحرب على الإرهاب بمثابة حرب على الإسلام وهو ما أكدته نتائج استطلاع الرأي الذي أجراهُ برنامج توجهات السياسة الدولية (PIPA) في عدد من الدول الإسلامية والتي أكد فيها 92 % ممن شملهم الاستطلاع في مصر و78 % في المغرب و73% في باكستان وإندونيسيا علي أن الحرب على الإرهاب ليست إلا حرباً أميركية على الإسلام، وهو ما قد يعزى إلي تصريحات الرئيس الأميركي حول الحرب الصليبية وأطروحات عدد من وسائل الإعلام الأميركية حول الطابع الديني للحرب على الإرهاب.
2- ظهور تكتلات اقتصادية منافسة للولايات المتحدة مثل الاتحاد الأوروبي والصين وبعض المنظمات الإقليمية مثل منظمة شنغهاي للتعاون Shanghai Cooperation Organization التي تضم في عضويتها كلا من روسيا والصين ودول آسيا الوسطي والتي صنفت بكونها تحالفا دوليا لرافضي الأحادية القطبية الأميركية بما يعني استبعاد الولايات المتحدة من بعض التفاعلات الإقليمية التي تقتصر عوائدها وتبعاتها على أطرافها.
3- تصاعد أهمية القضايا البيئية ذات الصلة بالتنمية المستدامة والتي طرحت بقوة بعض الثوابت الايكولوجية مثل محدودية الموارد الطبيعية المتاحة لتحقيق النمو الاقتصادي المستمر وخاصة مصادر الطاقة غير المتجددة بما يعني وجود قيود على فرص النمو الاقتصادي العالمي.
ومن هذا المنطلق دعا تيرمان إلى مراجعة السياسات الأميركية دوليا بحيث ترتكز القيادة الأميركية للعالم على العوامل الاقتصادية والعسكرية والايكولوجية من خلال إيلاء قدر أكبر من الاهتمام لقضايا التنمية المستدامة ومحاربة الفقر ومكافحة التلوث البيئي والاحتباس الحراري وهي سياسات من شأنها توسيع النطاق الدولي المتاح للدور الأميركي ومن ثم الارتقاء بالتأييد الدولي للسياسة الخارجية الأميركية كركيزة للاستقرار العالمي والتنمية.
التعليقات