فالح الحمراني من موسكو: استقبلت الاوساط السياسية وممثلوا الراي العام بروسيا قرار الرئيس دمتري ميدفيديف باعتراف باستقلال جمهوريتي ابخازيا واوسيتيا الجنوبية بردود فعل متباينة ، الغالبية رحبت بالقرار من منطلقات وطنية وروح مجابهة الغرب الذي تراه يهدد أمن ومصالح روسيا ، وواستقبلت الاخرى القرار بحذر وخشية من ان تكون له تداعيات سلبية على روسيا ، وصورتها في العالم وعلاقاتها مع اوروبا والولايات المتحدة . وتعددت التفسيرات برصد الدوافع التي حدت بالرئيس الروسي المعروف بطبعه الهادئ الذي يتجنب المواجهات والاندفاع ، الى اتخاذ وبسرعة هذا القرار المصيري ، الذي اعلن البعض انه بداية لاصطفاف جديد في الساحة الدولية .

ويجمع مراقبون على ان استعجال ميدفيديف بقرار الاعتراف بجمهوريتي ابخازيا واوسيتيا الجنوبية جاء كرد فعل على موقف الغرب من العملية العسكرية التي قامت بها جورجيا في اسيتيا الجنوبية، حيث شن حملة انتقاد واسعة على روسيا التي تري نفسها ضحية اعتداء واعتبرها معتدية وهدد باجراءات تجرح الكرامة القومية، مثل طردها من مجموعة الدول الثمانية ووضع العراقيل امام اجراء الاولمبياد الشتوي وادراج روسيا ضمن الدول المنبوذة، لذلك فانه تبنى القرار الاكثر تشددا.

ومن ناحية اخرى واذا اخذنا بنظر الاعتبار ان قرار الرئيس ميدفيديف لن يضفي الشرعية على استقلال الجمهوريتين، فمن الواضح ان موسكو تهدف ايضا من خلاله بلوغ اولوياتها ومنح نفسها ثقلا اكبر على الساحة الدولية والظهور بمظهر الدولة التي تصوغ قراراتها بصورة مستقلة والقادرة على الرد ، وجواب على تجاهل الغرب مطالبها بعدم نشر نظام الدفاع المضاد للصواريخ على حدودها وتوسيع الناتو نحو الشرق. والمسالة الاهم هو تأسيس مواقع قوية في منطقة القوقاز ذات الاهمية الاستراتيجية، وفرض آلية الامن التي تخدم مصالحها هناك.

ويرى المحلل السياسي القريب من الكرملين غليب بافلوفسكي ان الاعتراف بسيادة واستقلال الجمهوريتين الانفصاليتين سيتيح المجال للمباشرة لاقامة نظام امن جديد ومأمون في القوقاز.وبرايه فان الاعتراف بابخازيا واسيتيا الجنوبية تدبير حتمي بالنسبة لروسيا. وانه لايعني اشهار القوة و لا الادعاء باراضي جورجيا.وببساطة ان روسيا استنفذت كافة نماذج التسوية.ويقول بافلوفسكي ان موسكو تدعو الان وبعد الاعتراف بالاستقلال لاجراء مباحثات باية صيغة كانت بما في ذلك مع الاتحاد الاوروبي تتناول البناء الوطني والسلام في القوقاز بمشاركة شعبي اوسيتينيا وابخازيا.منوها بان روسيا ستنهض بمهمة الضامن لامن هذه الشعوب على اساس الاتفاقيات الثنائية مع الجمهوريتين.

وثمة احتمال في ان تتطور الاحداث وفق سيناريو الجمهورية التركية في قبرص، حيث ستعترف روسيا وحدها استقلال اوسيتيا الجنوبية وابخازيا. وربما ستسعى موسكو مستقبلا لاقناع حلفاؤها في رابطة الدول المستقلة ايضا بالاعتراف بالجمهوريتين. و لا يستبعد ان تنشر روسيا قوتها العسكرية في ابخازيا واوسيتيا الجنوبية، ويتجمد الوضع لفترة طويلة اخرى من دون تداعيات خطيرة.

وهناك مخاوف من ان قرار الاعتراف باستقلال الجمهوريتين سوف يحرم روسيا من استعمال ورقة رابحة يمكن ان تلوح بها خلال المفاوضات والمقايضات السياسية سواء مع الغرب او مع جورجيا. ويحذر من ان الاعتراف سيجر متاعبا لروسيا لانه سيعني ضمنا اضفاء الشرعية على الحركات الانفصالية التي كانت وستنشأ في روسيا الاتحادية. وتفرج عن quot; عفريتquot; النزعات الانفصالية لاسيما في جمهوريات شمال القوقاز المسلمة وليس فيها وحدها، الكامن في quot;قنينتهquot;، نظرا لان موسكو ستنطلق من مبدأ تقرير الامم لمصيرها وسيكون الاعتراف بمثابة لغما قابلا لتفجير الاتحاد الروسي، وسينظر العالم لروسيا الى انها معتدي يبتلع اراضي الدول المجاورة، وتفقد ثقة الدول المحيطة بها التي ستتخوف من تكرار الوضع بجورجيا لديها.

وليس من المستبعد ان تكون لقرار اعتراف روسيا بانفصال الجمهوريتين عواقب من ناحية العلاقات الدولية. لانه سيعني اعلان الحرب على جورجيا نظرا لان الخطوة ستكون مباركة لتقسيمها او اقتطاع اجزاء منها.ولكن هناك قطاعا واسعا في الدوائر البرلمانية يقف على قناعة تامة بان الاعتراف بالجمهوريتين ستكون خطوة قوية من اجل ضمان روسيا لامنها القومي وتحدي القوى التي تعمل على اضعافها وتهديديها بتوسيع الناتو وتطويقها بالقواعد ونصب اجزاء نظام الدفاع على تخومها، وتضع وتمهد الطريق لمضي روسيا كقوة عظمى في النظام الدولي الجديد.