وثائق تؤكد إجتماعات بين قادة في النظام السابق وتنظيم القاعدة
لا علاقة لصدام بتفجيرات أيلول وإنما بصلات مع بن لادن

أسامة مهدي من لندن: منذ وقوع تفجيرات 11 أيلول عام 2001 وجدلية مساعدة الرئيس العراقي السابق صدام حسين لتنظيم القاعدة في تنفيذها تدور نقاشاتها داخل الولايات المتحدة والعراق تتخللها اتهامات شارك فيها الرئيس الاميركي جورج بوش ثم تنصل منها فيما بعد لكن مسؤولا في مؤسسة الذاكرة العراقية المكلفة بجمع وثائق عن مرحلة حكم صدام للعراق اكد لquot;إيلافquot; ان الوثائق التي تم العثور عليها في مقر رئاسة الاستخبارات العراقية بعد سقوط النظام السابق عام 2003 لاتشير الى علاقة له بالتفجيرات وانما تؤكد وجود صلات له مع زعيم القاعدة أسامة بن لادن وقادة آخرين فيها.

جدل جديد حول قضية قديمة

وقد اثيرت هذه القضية الجدلية مجددا قبل ايام عندما نفت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية quot;سي آي إيquot; أن تكون ساعدت إدارة الرئيس بوش في تلفيق وثيقة تشير الى وجود علاقة بين تنظيم quot;القاعدةquot; وصدام حسين في تنفيذ هجمات 11 أيلول كي تستخدمها ذريعة لقرار شن الحرب على العراق عام 2003. فقد سارع كل من البيت الأبيض وجورج تينيت المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الى نفي ما ورد في الكتاب الجديد الذي أصدره الكاتب الأميركي رون ساسكيند بعنوان quot;الطريق إلى العالمquot; وقال فيه إن البيت الأبيض هو من أصدر الأوامر بفبركة نص رسالة أوحت بوجود صلات بين صدام حسين وهجمات أيلول التي نفذها تنظيم القاعدة على واشنطن ونيويورك . وفي بيان له قال تينيت quot;لم يكن هنالك مثل ذلك الأمر الذي أصدره لي البيت الأبيض كما لم يسبق على حد علمي لأي شخص من (سي آي إيه) أن تورط بأي جهد من هذا القبيل.quot; وفي معرض نفيه لما جاء في كتاب ساسكيند قال توني فراتو، نائب السكرتير الصحافي في البيت الأبيض quot;إن فكرة أن يكون البيت الأبيض قد وجه أي شخص إلى القيام بتزوير رسالة موجهة من رئيس جهاز الاستخبارات العراقي الأسبق طاهر جليل حبوش إلى صدام حسين لهي فكرة سخيفة وعبثية.quot;

لكن ساسكيند اوضح في مقابلة أجرتها معه الإذاعة الوطنية الاميركية العامة (إن بي آر) إنه استمد روايته لتلك الحادثة مما قاله له روب ريتشارد، الرئيس السابق لقسم الشرق الأدنى في وكالة الاستخبارات بالإضافة إلى روايات آخرين quot;كانوا منغمسين حتى العمق في خضم تلك العملية.quot; ووفقا لساسكيند فإن البيت الأبيض أعطى تينيت رسالة كان يتعين إعادة كتابتها من جديد بخط يد طاهر جليل حبوش التكريتي وهو مدير سابق لجهاز الاستخبارات العراقية كان موضوعا تحت حماية (سي آي إيه) في أعقاب الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003. واضاف انه كان يتعين أن يقول حبوش في الرسالة التي وضع لها تاريخا يعود لشهر تموز (يوليو) عام 2001 إنه سبق له أن استضاف محمد عطا الشخص الرئيس الذي قاد عمليات اختطاف الطائرات وتفجيرها في 11 أيلول عام 2001.

واضاف ساسكيند في كتابه إنه كان يتعين أن يصف حبوش عطا في الرسالة الموجهة لصدام بأنه الشخص quot;الذي أظهر جهدا خارقا والتزاما ثابتا بقيادة فريق سيكون مسؤولا عن مهاجمة الأهداف التي اتفقنا على تدميرها.quot; وقال quot;كانت الفكرة هي أخذ الرسالة إلى حبوش الذي كان يفترض أن يعيد صياغتها بخط يده الأنيق على ورقة رسمية تحمل ترويسة الحكومة العراقية وذلك بغية جعلها تبدو وكأنها وثيقة قانونية.quot;

وكان مضمون هذه الرسالة قد تسرب إلى الصحافة البريطانية خلال كانون الأول (ديسمبر) عام 2003 اي بعد احتلال العراق بثمانية أشهر . إلا أن ساسكيند لم يذكر في كتابه أو في المقابلة المذكورة من هو الشخص أو الجهة التي أمرت بتلفيق الرسالة لكنه اشار الى أن الأمر جاء من quot;أعلى المستوياتquot; في البيت الأبيض.

عودة للوثيقة المثيرة

فقد كانت اشارت وثائق سرية اميركية صادرة عن الاستخبارات الاميركية ورفعت عنها السرية مؤخرا بوضوح الى علاقة نظام صدام بتنظيم القاعدة وزعيمه اسامة بن لادن منذ عام 1990 وهي التي اشار ساسكيند إلى انها زورت من قبل الاستخبارات الاميركية . وتسرد الوثائق تواريخ اللقاءات بين رموز القاعدة ومسؤولين في نظام صدام وذكرت اسماء شخصيات عربية ومحلية ولكنها حجبت سطورا من المعلومات التي يبدو انها تنطوي على حساسية . وتقول انه في عام 1990 ارسل اسامة بن لادن شخصيا مبعوثين منه الى الاردن لغرض اللقاء مع مسؤولين عراقيين لبحث سبل تجنب هجوم اميركي .

وفي عام 1993 ذكر تقرير اميركي ان زعيم الجبهة الاسلامية الوطنية في السودان الشيخ حسن الترابي ساعد بن لادن على تطوير علاقته مع نظام صدام. ثم توصل بن لادن الى تفاهم مع صدام يقضي بعدم العداء المتبادل والاتفاق على التعاون في انشطة غير محددة . ويقضي التفاهم بضرورة عدم مهاجمة تنظيم القاعدة لمصالح نظام صدام كبادرة اولية يتبعها منع بن لادن لمعارضي صدام من مهاجمة مصالح النظام الخارجية. وقالت انه بين عامي 1994 و1998 التقى مسؤول الاستخبارات العراقية البارز فاروق حجازي اسامة بن لادن مرتين.

وفي عام 1996 التقى فاروق حجازي مرة اخرى بن لادن بعد عودة الاخير من دولة قطر وكان حجازي يشغل منصب نائب رئيس جهاز الاستخبارات العراقي. وفي العام نفسه التقى رئيس جهاز الاستخبارات ماهر عبد الرشيد التكريتي بن لادن في مزرعة عائدة له في السودان بعد عدة اسابيع من تفجير قاعدة الخبر السعودية وكان ماهر عبد الرشيد قد حضر الى السودان ضمن وفد عراقي رسمي اعتيادي كتغطية. وبين عامي 1995 و1996 طلب بن لادن مساعدة من نظام صدام في مجال تصنيع القنابل. وفي عام 1998 التقى ايمن الظواهري مساعد بن لادن مسؤولين بارزين في جهاز الاستخبارات العراقي. كما كان هذا العام والعام 1999 مشهدا للقاءات متعددة بين الجانبين في افغانستان بعد انفجارات شرق افريقيا وتمت مناقشة توفير قواعد امنة لتنظيم القاعدة بعد تفجيرات دار السلام كما وعد نظام صدام بتدريب عناصر القاعدة .

وفي العام نفسه 1999 نجح تنظيم القاعدة في تأسيس معسكر له شمال العراق في حين قام نظام صدام بفتح معسكر لتدريب عناصر القاعدة في منطقة سلمان باك جنوب شرق بغداد. وشهد العام نفسه لقاءات في افغانستان لدعم وتمويل تنظيم القاعدة في افغانستان حسب اتصالات تم التعرف إليها عبر السفارة العراقية في باكستان. وسجل عام 2001 لقاء بين مدير محطة الاستخبارات في العاصمة التشيكية براغ احمد العاني مع محمد عطا في شهر نيسان (ابريل) . وبين نهاية عام 2001 وبداية عام 2002 سجلت تقارير الاستخبارات الاميركية عبور عدد لابأس به من عناصر القاعدة الاراضي العراقية باتجاه السعودية فرارا من افغانستان بعد سقوط كابل في كانون الاول (ديسمبر) عام 2001.

صدام ينفي

أما الرئيس السابق صدام حسين فقد نفى بشدة مطلع عام 2003 اثر تواصل التقارير الغربية عن علاقة وثيقة له بتنظيم القاعدة .. نفى وجود أي نوع من هذه العلاقة قائلا quot;لو كان لدينا علاقة مع القاعدة ولو كنا مقتنعين بهذه العلاقة لما شعرنا بالخجل من الإقرار بذلك.quot; كما نفى في حوار اجراه معه لصالح القناة الرابعة للتلفزيون البريطاني النائب السابق في البرلمان البريطاني quot;توني بنquot; امتلاك أسلحة كيماوية أو بيولوجية أو نووية. وقال quot;إن تلك الأسلحة لا تأتي على هيئة حبوب صغيرة تستطيع أن تخفيها في جيبك.quot; واضاف quot;إن تلك أسلحة تدمير شامل ومن السهل معرفة إذا كان العراق يملكها أم لا.quot; واشار الى ان الولايات المتحدة تسعى إلى السيطرة على حقول النفط العراقية وإنها تخضع لنفوذ إسرائيلي.

وفي مقابلة اخرى خلال الشهر نفسه مع quot;دان رازرquot; المذيع الشهير في شبكة تلفزيون quot;سي.بي.إس. نيوزquot; نفى صدام حسين أن يكون لبغداد أي صلات بشبكة القاعدة أو زعيمها أسامة بن لادن . وسئل صدام هل كان له أي صلات بابن لادن أو القاعدة مثلما تزعم إدارة الرئيس بوش فأجاب قائلا quot;العراق لم يكن له قط أي علاقة مع القاعدة وأعتقد أن السيد بن لادن نفسه قدم مؤخرا في إحدى خطبه مثل هذه الإجابة بأننا ليس لنا أي علاقة معهquot;.

نتائج التحقيق الاميركي في العلاقة بين صدام و11 أيلول

وفي تعارض واضح مع ما أعلنته إدارة بوش فقد أكد تقرير لجنة التحقيقات الخاصة بأحداث 11 أيلول وصدر في حزيران (يونيو) عام 2004 عدم وجود أدلة تشير إلى وجود علاقات بين صدام حسين وتنظيم القاعدة في تنفيذ التفجيرات . وفي أول تعليق رسمي على التقرير قال الرئيس بوش الذي كان قد أصر على وجود صلة لصدام حسين بتنظيم القاعدة بزعامة أسامة بن لادن قال إن إدارته لم تؤكد مطلقا أن صدام كان له دور مباشر في هجمات الحادي عشر من أيلول. واوضح بوش في ظهور قصير أمام الصحافيين ان إجابة عن سؤال حول علاقة العراق بتنظيم القاعدة في ضوء تقرير لجنة 11سيتمبر quot;إنّه كانت هناك علاقة بين العراق والقاعدة.quot; وأشار إلى اجتماعات جرت في السودان بين عناصر في الاستخبارات العراقية والقاعدة كما قال ان صدام ربط خيوطا مع مجموعات إرهابية أخرى من ضمنها جماعة أبو نضال. وشدد الرئيس الأميركي على ان إدارته لم تشر مطلقا الى ان بن لادن والعراق نظما هجمات 11 أيلول 2001.

وجاءت تصريحات بوش هذه بعد يوم واحد فقط من توصل لجنة أميركية شُكلت من الحزبين الرئيسين الجمهوري الذي ينتمي إليه بوش والديمقراطي للتحقيق في هجمات أيلول إلى نتيجة تشير الى عدم العثورعلى أي أدلة تثبت وجود صلات بين صدام حسين وتنظيم القاعدة.

ومن جانبه قال أحد كبار مساعدي الرئيس الأميركي quot;إننا نساند ما ذكره باول وتينيتquot; في إشارة إلى تصريحات سابقة لوزير الخارجية الأميركي ومدير الاستخبارات السابق ذكرا فيها أن هناك علاقة. وجاء في تقرير اللجنة المستقلة إن أسامة بن لادن quot;بحث احتمالات التعاون مع العراق خلال تواجده في السودان على الرغم من معارضته لنظام صدام حسين العلمانيquot;. وأشار التقرير إلى أن بن لادن ساعد في بعض الأوقات بعض الإسلاميين المناهضين لنظام صدام في المنطقة الكردية من العراق. وقد قام السودانيون، وفقا لما جاء في التقرير، وبهدف حماية علاقتهم بالعراق باقناع بن لادن بوقف مساعداته للإسلاميين وساعدوه على فتح حوار بين القاعدة والعراق. وفي هذا الإطار قام مسؤول بارز في الاستخبارات العراقية بثلاث زيارات للسودان وقابل بن لادن في عام 1994. وقد طلب بن لادن خلال تلك اللقاءات بمناطق لإقامة معسكرات تدريب والمساعدة في إمداده بالسلاح إلا إنه لم يتلق ردودا من العراقيين.

وبمناسبة الذكرى السنوية الخامسة للحرب في العراق أكدت وزارة الدفاع الأميركية في اذار (مارس) الماضي أنها لم تكشف علاقات مباشرة بين العراق وتنظيم القاعدة في هجمات أيلول من خلال 600 ألف وثيقة رسمية عراقية وعدة الآف من سجلات استجواب مسؤولي نظام صدام.

وثائق الاستخبارات العراقية السابقة

وازاء هذا الجدل الواسع حول علاقة صدام بالقاعدة فقد سألت quot;ايلافquot; مسؤولا في مؤسسة الذاكرة العراقية عن هذه القضية فقال ان الوثائق التي تم العثور عليها في مقر رئاسة الاستخبارات العراقية في بغداد لاتشير الى علاقة في تنفيذ هجمات أيلول لكنه تؤكد وجود علاقة واتصالات بين الطرفين. واوضح انه تم العثور على وثيقة صادرة عن رئاسة الاستخبارات العراقية السابقة عام 1994 وهي تشير الى انه خلال زيارة شخصية سياسية سودانية quot;سمتها الوثيقةquot; الى العراق ولقائه عدي صدام حسين في الثالث عشر من كانون الاول (ديسمبر) عام 1994 وبحضور مدير جهاز الاستخبارات العراقية فإن الشخصية السودانية اوضحت أن اسامة بن لادن المقيم في السودان والذي كان متحفظا ويخشى ان يتهم من قبل خصومه بأنه أصبح عميلا للعراق مهيأ للقاء به في السودان .

كما تشير الوثيقة الى حصول موافقة رئاسة الجمهورية العراقية في الحادي عشر من كانون الثاني (يناير) عام 1995 على اللقاء المقترح والذي تم من قبل شخصية تشير اليها الوثيقة بأسم quot; م.ع.مquot; وبحضورالشخصية السودانية تلك مناقشته حول تنظيمه وطلب اذاعة أحاديث شخصية دينية سعودية لها تأثير في الداخل والخارج وتخصيص برنامج لهم من خلال الاذاعة الموجهة داخل العراق والقيام بعمليات مشتركة ضد القوات الاجنبية في ارض الحجاز حيث تم ابلاغ الرئاسة بنتائج هذا الاجتماع في الرابع من اذار (مارس) عام 1995.

وتؤكد الوثيقة اهتمام صدام حسين بتفاصيل لقاء عناصر الاستخبارات العراقية مع بن لادن موافقته على تخصيص برنامج للقاعدة من خلال الاذاعة الموجهة وتشير الى ان هذه الموافقة قد ابلغت الى الجانب السوداني من خلال ممثل مدير الاستخبارات السفير العراقي في الخرطوم . كما تتحدث الوثيقة عن نصيحة قدمتها الاستخبارات العراقية الى بن لادن بضرورة مغادرة السودان بسبب الاتهامات الدولية لها بدعم الارهاب وهو ما يشكل خطرا عليه .. وتقول ان بن لادن قد استجاب للنصيحة واستقر اخيرا في افغانستان. وقد استمرت علاقات الاستخبارات العراقية مع بن لادن بعد ذلك وهو امر تؤكده وثائق الاستخبارات التي عثر عليها في مقرها . فقد اكدت وثيقة انه quot;لا زالت العلاقة معه مستمرة من خلال الجانب السوداني ونعمل في الوقت الحاضر لتفعيل هذه العلاقة من خلال قناة جديدة في ضوء مقر تواجده الحاليquot;.