واشنطن: تحاول الدراسة التي تحمل عنوان quot;اتجاهات جديدة لتطوير الديمقراطيةquot; التي أعدها اثنان من أهم خبراء الولايات المتحدة في مجال التعاون الدولي quot;لورن كارنرquot; الذي يشغل منصب رئيس المعهد الجمهوري الدولي، وquot;كينيث ولاكquot; رئيس المعهد الديمقراطي الوطني، تصحيح الانطباع الضيق المأخوذ للديمقراطية المقتصر فقط على الصعود إلى السلطة من خلال انتخابات نزيهة، إلى ما يتضمنه مفهوم الديمقراطية من تنمية اقتصادية واجتماعية، تضمن الاستقرار للنظام السياسي داخل الدولة، والأمن مع دول جوارها.

فهم أوسع لمفهوم الديمقراطية

ترى الدراسة ضرورة الخروج من المفهوم الضيق السائد للديمقراطية، والنظر إلى ما يمكن أن تحتويه الديمقراطية كمفهوم، إذ لا تقتصر الديمقراطية على التخلص من نظام استبدادي في دولة ما واستبداله بآخر عن طريق الانتخابات، وإنما يتسع مفهوم الديمقراطية ليشمل الرخاء الاقتصادي قدر إمكانات الدولة الاقتصادية، وتحسين نوعية الحياة للمواطنين، كما تتضمن الديمقراطية قدر أكبر من السلام عبر حدود الدول من خلال الإبقاء على نظام مستقر داخليًّا يحظى بدعم الشعب.

وفي هذا الإطار، لا يعد تغيير نظام ما هو الهدف من استراتيجية تنمية الديمقراطية التي تتبناها الولايات المتحدة، بقدر ما يعد الهدف هو حث الأنظمة غير الديمقراطية على اتباع الخطوات التي تكفل لها التحول إلى أنظمة ديمقراطية، من خلال البدء في عملية الإصلاح السياسي القائمة على أساس انتخاب سلطة حكومية شرعية معبرة عن كل أطياف المجتمع بغض النظر عن الجنس، أوالدين، أوالعرق، أوالرأي السياسي، وذلك تزامنًا مع الإصلاح الاقتصادي.

العلاقة بين التنمية والديمقراطية

أكد المؤلفان في دراستهما على أن غياب الديمقراطية في دولة ما يؤدي إلى انتشار الفوضى والفراغ السياسي، وذلك نتيجة طبيعية لغياب مؤسسات المجتمع المدني، والمؤسسات الحقوقية الفاعلة، واستئثار النخبة الديكتاتورية بمؤسسات ومنظمات الدولة مثل البرلمان، وغيره من المؤسسات التمثيلية. كما يؤدي غياب الإصلاح السياسي والاقتصادي إلى انتشار الفساد، وعدم المساواة في الحصول على الفرص.

وقد أكد على ذلك تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لعام 2002، من خلال تقديمه نداءً لدول العالم بضرورة الربط بين الديمقراطية والتنمية، لاسيما في الدول النامية، من خلال الاستفادة من تجارب الدول الأخرى التي انخرطت في الإصلاح الديمقراطي مؤخرًا. وكذلك التنسيق مع وكالات ومؤسسات الأمم المتحدة، وعدم الاكتفاء بجهود تحسين نوعية الحياة للمواطنين اقتصاديا، إذ إن تنمية الديمقراطية في دولة ما من شأنها أن تساعد على مكافحة الفساد، وكشف الأداء السيئ للحكومة، من خلال أجهزة الإعلام الحرة، ومؤسسات المجتمع المدني.

الديمقراطية ضرورة للأمن والاستقرار

تضمنت اتفاقيات السلام التي تم توقيعها خلال العقدين الماضيين هدفًا رئيسًا وهو وجود ضمانات لإجراء انتخابات ديمقراطية تكفل حكمُا ديمقراطيًّا، وذلك بسبب أهمية الديمقراطية بالنسبة لعملية بناء السلام، فمع وجود الديمقراطية تضطلع كل مؤسسات المجتمع بوظائفها الساعية إلى تحسين مستوى معيشة المواطنين، والمساواة بينهم في الحقوق والواجبات، الأمر الذي من شأنه أن يمنع أو على الأقل يحد من وجود العناصر المتطرفة، التي عادة ما تتواجد بسبب الإحساس بالسخط وعدم الرضا الناتج من سوء مستوى المعيشة أو للإقصاء من العملية السياسية.

وترى الدراسة أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر قد كشفت عن عديدٍ من الأنظمة الاستبدادية والقمعية في مناطق مختلفة من العالم، لاسيما في منطقة الشرق الأوسط، حيث القمع السياسي، وغياب الأحزاب السياسية، وعدم احترام حقوق الإنسان، ولعل أهم مظاهر حكم هذه النظم يتمثل في وجود قانون للطوارئ، وسيطرة الحزب الواحد، وغياب الحرية الاجتماعية.

وقد عددت الدراسة نماذج الدول التي واجهت عنفًا داخليًّا بسبب سوء استعمال السلطة من قبل الطبقة الحاكمة، والتي جاء في مقدمتها دول الاتحاد السوفيتي، مثل جورجيا، أوكرانيا، وقد شهدت هذه الدول استخدام القوة العسكرية ضد المعارضين لنظام الحكم المستبد والاستئثار بالسلطة.

وفي هذا السياق أكد المؤلفان على أن خيار إسقاط حكومة ما يجب أن يتم اللجوء إليه في أحوال استثنائية فقط، كأن يقوم نظام هذه الدولة بعملية إبادة جماعية لعرق ما، أو أن يرتكب جرائم حرب، أو يعتدي على نظام دولة أخرى عسكريًّا، على أن يتم ذلك تحت مظلة الأمم المتحدة، وبدون انتهاك القانون الدولي، ومن خلال أطراف متعددة، ليس بهدف ترقية الديمقراطية لدى هذه الدولة المعتدية على أطراف داخلية أو خارجية، بل لوقف ما تقوم به من خرق للقانون الدولي، وانتهاك سيادة دولة أخرى.

الديمقراطية هدف أساسي في السياسة الخارجية الأميركية

في إطار جهود بناء نموذج ديمقراطي في دولة ما من خلال تدخل خارجي، يكون ضمان إجراء الانتخابات وحده شرطًا غير كافٍ لتحقيق الديمقراطية، إذ لابد من العمل على إنشاء أحزاب سياسية، ومؤسسات المجتمع المدني، ومؤسسات صحفية حرة، وغيرها من المنظمات التي من شأنها المساعدة في ترسيخ أطر الديمقراطية في البلاد، والإشراف على الحكومة، وضمان دمج الأقليات والنساء في العمل السياسي، والشئون العامة، وتشجيع المواطنين على الاضطلاع بدورهم السياسي.

وقد جعلت الولايات المتحدة من ترويج الديمقراطية هدفًا رئيسًّا لسياستها الخارجية، فعلى سبيل المثال كان لترويج الديمقراطية حضورًا كبيرًا في ميثاق الأطلسي، ومشروع مارشال، أما على الصعيد الداخلي فقد أخذ الرئيس الأميركي quot;جيمي كارترquot; على عاتقه تأسيس منظمات ومؤسسات فاعلة لحقوق الإنسان، كما كان لخطاب الرئيس quot;رونالد ريجانquot; في quot;ويست منيسترquot; أثر كبير في تطوير مؤسسات المجتمع المدني الأميركية، كما انتشرت المراكز والمعاهد المهتمة بهذا الشأن التابعة للحزبين السياسيين الرئيسين في الولايات المتحدة، وعلى رأسهم، quot;المعهد الديمقراطي الوطني (إن دي آي)quot; ، وquot; المعهد الجمهوري الدولي (آي آر آي)، و quot;المركز للعمل الدولي الحر (سي آي بي إي)quot; ، وquot;مركز التضامن quot;.

وخلال عام 2007 نشطت الولايات المتحدة من خلال الأمم المتحدة في مجالات مراقبة الانتخابات، ووضع الدساتير، وبواسطة برامج الأمم المتحدة المروجة للديمقراطية والحكم الرشيد مثل برنامج الأمم المتحدة للإنماء، صندوق الديمقراطية ndash; الذي أنشئ بدعم من إدارة الرئيس quot;جورج بوش الابنquot; quot; Georg W. Bush quot; في يوليو 2005 ndash; حيث زودت الولايات المتحدة الصندوق بمنح تقدم لمؤسسات المجتمع المدني حول العالم، هذا إلى جانب الدور الذي تلعبه بعض المؤسسات الأميركية في تدعيم الديمقراطية خارجيًّا مثل وزارة الخارجية الأميركية من خلال quot;مبادرة الشراكة الشرق أوسطيةquot;.

توصيات لإدارة أوباما

تشير الدراسة إلى أنه على الرغم من الجهود الأميركية التي بذلت لاسيما في منطقة الشرق الأوسط من أجل دعم الديمقراطية، فقد شهدت هذه الجهود عديدًا من الإخفاقات كان أبرزها تداعيات الحرب على العراق، وما يشهده الأخير حاليًّا من صراعات داخلية تعيق قيام نظام ديمقراطي، بالإضافة إلى ما أسفرت عن الانتخابات في الأراضي الفلسطينية من فوز حركة إسلامية راديكالية وهي حماس، فضلاً عن عودة ظهور النظم الاستبدادية في بعض دول الاتحاد السوفيتي السابق. غير أن ما تحقق في بعض الدول التي تحولت إلى أنظمة ديمقراطية من إنجازات سياسية واقتصادية، يعد مُشجعًا لمواصلة هذه الجهود، لكن الدراسة ترى أن ذلك لابد وأن يتزامن مع عدة خطوات من الضروري أن تتبعها الإدارة الأميركية الجديدة، تتمثل هذه الإجراءات في:

أولاً: إيلاء هدف ترويج الديمقراطية خارجيًّا اهتمامًا أكبر في السياسة الخارجية الأميركية، والتأكيد داخليًّا على أن هذا الهدف إنما يصب في إطار العمل على الحفاظ على الأمن القومي للولايات المتحدة الأميركية، والسير على هذا النهج الذي سبق وأن اتبعه الرئيسان الأميركيان بيل كلينتون وجورج بوش الابن.

ثانيًا: العمل على إنشاء تحالفات مع الدول الديمقراطية داخل وخارج الأمم المتحدة، بهدف تنمية الديمقراطية في دول العالم قدر المستطاع، لاسيما تلك التي تفتقر إليها، من خلال برامج الأمم المتحدة ذات الشأن، وصندوق الديمقراطية الأميركي.

ثالثًا: العمل على نشر ثقافة حقوق الإنسان حول العالم، وإنشاء مجالس تتابع هذه الحقوق في دول العالم كافة، وذلك من خلال زيادة الالتزامات المالية والسياسية للولايات المتحدة في مكاتب الأمم المتحدة وبصفة خاصة في مكتب المندوب السامي لحقوق الإنسان.

رابعًا: الانخراط السياسي والاقتصادي في منظمات العالم المختلفة الدولية والإقليمية، مثل منظمة الدول الأميركية، والاتحاد الإفريقي، وغيرها من المنظمات، بما يتيح لها الفرصة لتقديم مقترحات بشأن الديمقراطية لهذه المنظمات.

خامسًا: الاستمرار والتوسع في تمويل برامج دعم الديمقراطية التابعة لوزارة الخارجية الأميركية مثل مبادرة شراكة الشرق الأوسط، والوكالة الأميركية الدولية للتنمية، من خلال زيادة الميزانية المرصودة لها. بما فيها برامج دعم الديمقراطية المدعوم من قبل الكونجرس الأميركي.

سادسًا: ضمان تدريب جيد للدبلوماسيين الأميركيين على قيمة وأهمية تنمية الديمقراطية، من خلال برامج شاملة، لضمان تواصل أفضل مع دول العالم الخارجي في هذا المجال.