واشنطن: راهَـن الكثيرون على أن السياسة الأميركية في الشرق الأوسط ستظل على حالها، حتى بعد دُخول باراك أوباما البيت الأبيض. ولكن في اليوم الثاني من تولِّـيه منصبه، فاجأ العالم بتعْـيين السناتور السابق جورج ميتشل مبعُـوثا خاصّـا للشرق الأوسط، ليبدأ فورا جولات في المنطقة لتثبيت وقْـف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه مؤخرا في غزة والشروع في إحياء عملية السلام، استنادا إلى حلّ الدولتين بإقامة دولة فلسطينية مستقلّـة تعيش في سلام جنبا إلى جنب بجوار إسرائيل.
وفي رصد لتقييم جيمس زغبي، رئيس المعهد العربي الأميركي في واشنطن لهذا التحرّك المبكّـر في استعادة دور أميركي نشِـط في عملية سلام الشرق الأوسط ومدى التزام الرئيس الجديد بإنقاذ فكرة حلّ الدولتين، الذي أهمل العمل لتحقيقه الرئيس بوش على مدى ثمانية أعوام قال: quot;بتعيينه جورج ميتشل مبعوثا خاصا للشرق الأوسط، أرسل أوباما رسالة واضِـحة إلى العالم العربي، مفادُها أن إدارته عاقِـدة العزم على السّـعي الحقيقي لتسوية الصِّراع الفلسطيني الإسرائيلي، وأرسل رسالة إلى العالم باعتزامه تنفيذ وعدِه في خطاب التّـنصيب باستعادة الدّور الأميركي الرائِـد من خلال الدبلوماسية وتأكيد الالتزام بالقِـيم والمبادِئ الأميركيةquot;.
وقال الدكتور زغبي، عندما انتقد أوباما الرئيس بوش لإهماله عملية السلام في الشرق الأوسط، حتى قرب رحيله من البيت الأبيض، اعتقد البعض أنها طنطنة دِعائية في إطار الحملة الانتخابية، ولكن الرئيس أوباما أثبت جدِّيته عندما استهلّ يومه الأول في البيت الأبيض باتِّـصال بالرئيس الفلسطيني محمود عباس والعاهل الأردني الملك عبد الله والرئيس المصري حسني مبارك ورئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت.
ورصد الدكتور زغبي عدّة إشارات في زيارة أوباما لوزارة الخارجية الأميركية في اليوم الثاني لرئاسته: quot;حرص أوباما في كلمته بحضور لفيف من الدبلوماسيين الأميركيين على التّأكيد على التزامه بالعمل على التوصّل إلى تسوية سِـلمية شاملة في الشرق الأوسط، وأعرب عن قلقه الشخصي من المُـعاناة الإنسانية للفلسطينيين، وقال إنه لا يُـمكن تحمّـل أن يعيش الفلسطينيون بدون أمل، كما أن أوباما أشاد بالجوانب الإيجابية التي انطوَت عليها المُـبادرة العربية للسلام، ودعا الدول العربية إلى بذل جُـهود أكبر في عملية السلام، وذكَّـرَتني كلمات أوباما بخطاب ألقاه أمام العرب الأميركيين أثناء حملته الانتخابية، وقال آنذاك: كرئيس للولايات المتحدة سأكون مُـلتزما شخصيا بالعمل لإنهاء الصِّـراع الفلسطيني الإسرائيلي وتحقيق هدف التوصّل إلى حلّ الدولتين، الذي يُـمكن من خلاله إقامة دولة فلسطينية مستقلّـة بجوار إسرائيل، تعيشان معا في سلام وأمن، ولذلك، يُـمكنني القول بأن أوباما أظهر في أول يومين من رئاسته، أنه يعني ما يقولquot;.
ليس هناك بديل عن حلّ الدولتين
يعتقد الدكتور ويليام كوانت، مهندس عملية السلام المصرية الإسرائيلية في كامب ديفيد، بأن الظرف التاريخي الذي وصل فيه أوباما لسدّة الرئاسة والمِـصداقية التي يتمتّـع بها بين الأميركيين وفي أنحاء العالم، تمنحه القوّة على الوفاء بما وعد به، ولكن هناك عوامِـل تعترض سبيله، حتى لو صدقت نيّـته في السعي لتحقيق هدف تسوية سلمية تقوم على فِـكرة دولتين على أرض فلسطين التاريخية:
quot;تمكّـنت إسرائيل خلال عشَـرات السِّـنين من توسيع نِـطاق المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية، بحيث لم يعُـد هناك الكثير من الأرض التي يُـمكن التَّـفاوض عليها لإقامة دولة فلسطينية لها مقوِّمات البَـقاء والاتِّـصال الجغرافي، وسيصعُـب تكريس الأمر الواقع من أي جهود أميركية لتحقيق حلّ الدولتين، لأن ذلك سيقتضي ترحيل حوالي مائة وخمسين ألف مستوطن يهودي إلى داخل إسرائيل، وهو أمر يصعُـب على حكومات إسرائيل الائتلافية الهشّـة النهوض به، وسيزداد الأمر صعوبة إذا جاءت الانتخابات الإسرائيلية بَـعد قُـرابة أسبوعين برئيس وزراء يميني متشدّد، مثل بنيامين نتانياهو، ومما يزيد الطِّـين بلّـة، هو تراجُـع التأييد الشعبي، على الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، لفكرة الحلّ السِّـلمي القائم على تنازُلات متبادَلة، خاصة بعد الحرب الأخيرة في غزةquot;.
ولكن الدكتور كوانت يرى أنه ليس أمام أوباما إلا بذْل أقصى الجُـهود لإحياء فِـكرة حلّ الدولتين، لأنه لا يوجد بديل آخر يُـمكن من خلاله التوصّـل إلى تسوية سلمية، والدبلوماسية كما يقول الدكتور كوانت، هي فنّ تحقيق المُـمكن وليس الحُـلم بالمستحيل.
هل سيقوى أوباما على مُـمارسة الضغط؟
يعتقِـد البروفيسور آلون بن مائير، الأستاذ بمركز الشؤون العالمية بجامعة نيويورك، أنه بوسع الرئيس أوباما إظهار ما يُـعرَف بالودّ الصّـارم. فبينما يُـظهر لها التزام إدارته بأمنها القومي، يشدِّد لزعمائها على ضرورة إنهاء الاحتلال الإسرائيلي والمُـضي على طريق حلّ الدولتين، وأن ذلك سيقتضي التَّـخلِّـي عن 99% من الضفة الغربية وقِـطاع غزة بأكمله، لكي يُـمكن قيام دولة فلسطينية لها مقوِّمات البقاء الاقتصادي والاتِّـصال الجغرافي، للعيش في أمن وسلام مع إسرائيل. ويتّـفق البروفيسور بن مائير مع الدكتور كوانت في الصعوبات العملية التي ستواجه التخلّي عن أراضي الضفّـة، التي تعُـجّ بالمستوطنين، ولكنه يقول:
quot;نعم، هناك صعوبات جمّـة تتعلّـق بانسحاب عدد قد يصل إلى مائة وخمسين ألف مستوطن يهودي من الضفة الغربية، ولكن هذا أمر وارِد إذا صدقت النَّـوايا وتوفّـرت الزعامة القوية على الجانبين، الإسرائيلي والفلسطيني، وإذا أظهر أوباما قُـدرته على استخدام الودّ الصّـارم مع إسرائيلquot;.
وخلص بن مائير إلى أنه بوسع أوباما مُـمارسة قدر ملائِـم من الضّـغط على إسرائيل، لإقناع الإسرائيليين بأن الوقت قد حان لاتِّـخاذ القرارات الصَّـعبة والتاريخية، لكي يتمكَّـنوا من العَـيش في سلام في الشرق الأوسط. ولا يشعُـر البروفيسور بن مائير بأن سيناريو وصول نتانياهو لمنصِـب رئيس الوزراء الإسرائيلي، يحتِّـم تراجُـع قُـدرة أوباما على تحقيق هدف حلّ الدولتين، ويسترجع من الماضي حقيقة أن مناحم بيجين، اليميني المتشدد، هو الذي وافق على التخلّي عن سيناء مُـقابل السلام مع مصر، وأن اليميني المتشدّد آرييل شارون، هو الذي أدرك ضرورة الانسحاب الإسرائيلي من غزّة، وحتى لو فاز نتانياهو، فلن يقْـوى على تشكيل حكومة ائتلافية، بدون حزب العمل وحزب كاديما، المساندَيْـن للمُـضي قدُما في عملية السلام.
وقال البروفيسور بن مائير: quot;الأمر يتوقّـف على مدى عزْم أوباما، حيث لا أتذكَّـر أن أيّ رئيس لوزراء إسرائيل استطاع الوُقوف في وجْـه ضغط الرئيس الأميركي، إذا مارسه أوباما بشكل متّـسق وبنّـاء وتمكّـن من اتِّـخاذ قراره، رغم التّـعاطف الأميركي التّـقليدي مع إسرائيل، عن طريق إقناع الأميركيين بأن ذلك ضروري لمنح الفلسطينيين والإسرائيليين فُـرصة العيش في سلام حقيقيquot;.
ويرى الدكتور ويليام كوانت، أنه سيكون بوسع أوباما عمل ذلك في حال ما إذا تمكّـن بقُـدرته الهائِـلة على تفسير الأمور بشكل منطقي من إقناع الشعب الأميركي، بأن التوصّـل إلى تسوية للصِّـراع، تقتضي ذلك، وأن من المصلحة القومية الأميركية إقامة سلام دائِـم في الشرق الأوسط، وبدون ذلك، لن يُـمكن تحسين صورة أميركا وعلاقاتها مع العالميْـن، العربي والإسلامي.
يجب ألا يقف العرب متفرّجين
وفي وقت تشهَـد فيه المنطقة العربية انقسامات في الصفّ العربي، بسبب تضارب المواقف إزاء العدوان الإسرائيلي على غزة وزيادة عارمة في مشاعِـر الكراهية لإسرائيل، بسبب ممارساتها الوحشية ضدّ المدنيين العُـزّل في قِـطاع غزة، يُـناشد الدكتور جيمس زغبي، رئيس المعهد العربي الأميركي، الزعماء العرب أن لا يقفوا موقِـف المتفرِّجين، حينما يُـشيِّـد الرئيس أوباما بوجودِ جوانب إيجابية في مُـبادرة السلام العربية، انتظارا لِـما يُـمكن أن تسفِـر عنه جُـهود مبعوث السلام الأميركي الخاص في الشرق الأوسط جورج ميتشل ويقول:
quot;بينما لا ينتظر أحدٌ أن تقدم الدّول العربية على إجراء من جانب واحد نحو تطبيع العلاقات مع إسرائيل، فإن الفرصة سانِـحة الآن لتطوير المبادرة العربية بشكل تفصيلي، يطرح خطة محدّدة تنطوي على خُـطوات تدريجية ومُـتبادلة لتحقيق السلام العادل والدائم، بما في ذلك وقف النشاط الاستيطاني والاستعداد للانسحاب من الأراضي المحتلة، وبحيث تشمل الخطّـة حوافِـز للفلسطينيين، تشمل عملية ضخمة لإعادة التعمير وبناء المؤسسات الفلسطينية، التي يمكن أن تعزِّز أمنَـهم وفُـرَصهم الاقتصادية، وإزالة الحواجِـز التي تعوق حُـرِّيتهم في الحركة والتجارةquot;.
وأعرب الدكتور زغبي عن اعتقاده بأنه، لا يجب انتظار ما الذي سيجود به أوباما وما سيتمكّـن ميتشل من إنجازه، بل يتعيّـن على العرب أن يظهروا كمجموعة دُول، وأنهم أيضا شركاء في عملية السلام التي تهدِف في النهاية إلى حلّ الدولتين، وأن يُـساعدوا في إنجاح مهمّـة ميتشل بالتحرّك البنّـاء وانتهاز الفرصة السانِـحة باهتمام الرئيس الأميركي الجديد بعملية السلام.
التعليقات