غالبًا مايقوم الدين بدور رئيس في السياسة والهوية والثقافة الأميركية. فالدين يُشكّل شخصية الأمة الأميركية، ويساعدها في تشكيل أفكار الأميركيين عن العالم، وله تأثير على الوسائل التي يتجاوب بها الأميركيون تجاه الأحداث خارج حدودهم. ويُعلل الدين إحساس الأميركيين بأنفسهم كشعب مختار وإيمانهم بأن عليهم واجب نشر قيمهم في كافة أنحاء العالم. وتتميز الولايات المتحدة بأنها مجتمع مهاجر متعدد الثقافات والعرقيات منصهر، ناهيك عن التعدد الديني. ويتميّز المجتمع الأميركي، أيضًا، بتغيّر الخريطة الدينية من فترة إلى أخرى، لتزايد عدد المتحوّلين من ديانة إلى أخرى.

واشنطن: يجري منتدى بيو للدين والحياة العامة استطلاعات رأي في فترات متقاربة لقياس حجم التحوّلات الدينية التي طرأت على المجتمع الأميركي المعروف بتنوع وتعدد طوائفه الدينية. وفي استطلاع للمنتدى أظهرت نتائج الاستطلاع تراجع نسبة المسيحيين بـ11%. وتظهر بيانات الاستطلاع التي أجريت على 35 ألف أميركي أن 78.4% يعرفون أنفسهم على أنهم مسيحيون، و16.1% غير منتمين لديانة، و4.7% لديانات أخرى منها الإسلام واليهودية.

جُلُّ الأميركيين بروتستانت

مثلما ينقسم الإسلام إلى مذهبين رئيسين، السنة والشيعية، فإن المسيحية نتقسم إلى ثلاثة مذاهب رئيسة هي: الكاثوليكية، البروتستانتية، والأرثوذكسية. وبينما تمثل الكاثوليكية النسبة الأكبر من مجتمع المسيحيين عالميًّا، فإن البروتستانتية ذات أغلبية داخل المجتمع الأميركي فـ51.3% بروتستانت مقابل 23.9% كاثوليك. ولكن نسبة الكاثوليك تزيد نسبة البروتستانت بين الأجانب البالغين بنسبة اثنين إلى واحد، أي 46% كاثوليك مقابل 24% بروتستانت. ولا تزال نسبة الكاثوليك مرتفعة لتزايد عدد المهاجرين ولا سيما من دول أميركا اللاتينية. وهذا ما يثير تساؤلاً مفاده: ما الاختلاف الجوهري بين البروتستانتية والكاثوليكية؟

يمكن الاختلاف في أن الكاثوليكيين وأتباع الكنيسة الكاثوليكية الرومانية يعترفون بالسلطة الدينية العليا في يد أسقف روما والبابا، بينما البروتستانتينيون يعتقدون في الحفاظ على الإيمان المسيحي كما كان عليه الحال في بدايته أي الإيمان بأن الكتاب المقدس فقط (وليس البابا) هو مصدر المسيحية.

تنقسم البروتستانت داخل الولايات المتحدة تية إلى تقسيمات فرعية. مثل أولئك الذين يتبعون الكنائس الإنجيلية البروتستانتية ونسبتهم 26.3% وأتباع الكنائس البروتستانتية التقليدية ونسبتهم 18.1% وأتباع كنائس السود البروتستانتية التاريخية ونسبتهم 6.9%. والمسيحيون الإنجيليون هم أولئك الذين ينتمون إلى الأرثوذوكسية الصارمة والالتزام الشخصي ليسوع المسيح كمنقذ. على النقيض من الإنجيليين، البروتستانت التقليديين فيقصد بهم البروتستانت الأكثر انفتاحًا على التغيرات الاجتماعية والأفكار الجديدة، ولكن على غرار نظرائهم الإنجيليين فيعتقدون في القيمة التاريخية للكتاب المقدس.

أما الأرثوذكسية، أولى أشكال المسيحية، فيعتنقها 0.6% من الأميركيين، ترى الكنيسة الأرثوذكسية، والتي تضم الأرثوذكسية اليونانية والأرثوذكسية الروسية، نفسها باعتبارها استمرارًا أصيلاً للمجتمعات المسيحية الأولى التي أنشأها المسيح.

وأحدث طائفة مسيحية هي الطائفة المورمونية، التي تعرف أيضًا باسم كنيسة يسوع المسيح لقديسي اليوم الآخر، والتي تأسست في عام 1830. تعتقد الطائفة المورمونية في أن مؤسسها، جوزيف سميث، هو نبي وأن كتاب المورمون هو نصهم المقدس.

الديانات الأخرى

وبالنسبة إلى اعتناق الأميركيين لديانات أخرى، تصل نسبة معتنقي اليهودية 1.7% من البالغين والبوذية 0.7% أمام المسلمين فتصل نسبتهم إلى 0.6%. وعند تقسيم اليهود إلى أبعد من ذلك، فإن معظمهم ينتمي إلى واحدة من ثلاث فئات هي: الإصلاحيون والمحافظون أو اليهودية الأرثوذكسية. وبالمثل، فإن أكثر من نصف البوذيين تنتمي إلى واحدة من ثلاثمجموعات رئيسة : زن أو ثيرافادا أو بوذية التبتية. في حين ينقسم المسلمون بين المذهب السني والشيعي بالتعادل فـ0.3% يتبعون المذهب السني و0.3% الأخرى تتبع المذهب الشيعي. ومن الجدير بالذكر أن العدد الدقيق للمسلمين في الولايات المتحدة يتراوح بين أقل من 2 مليون إلى 8 مليون، وذلك اعتمادًا على المصدر.

أما فئة غير المنتسبين لديانة فتشمل الذين يعرفون أنفسهم بأنهم غير منتسبين لديانة وهم الملحدون، واللاأدرية، وأولئك الذين يصفون دينهم بأنه quot;لا شيء على وجه الخصوص.quot; الإلحاد هو إنكار أو عدم الاعتقاد بأن هناك إلهًا أو آلهة، في حين أن اللاأدرية هو الرأي القائل بأنه لا يمكننا التأكد من وجود أو عدم وجود سلطة عليا، وهذا سبب كافٍ لتعليق أي اعتقاد في الألوهية. ويبلغ الملحدون 1.6% واللاأدرية 2.4% و من يصفون دينهم بأنه quot;لا شيء على وجه الخصوصquot;12.1% .

التوجهات السياسية من منظور ديني

في الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2008 حصل الرئيس الأميركي quot;باراك أوباماquot; على تأييد مجموعات دينية يساوي أو يزيد عن التأييد الذي حصل عليه المرشح الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية لعام 2004، جون كيري. ووفقًا لمركز بيو للأبحاث، هناك فجوات ملحوظة عند النظر في كيفية تصويت غير المنتمين لديانة والبروتستانتيين الإنجيليين البيض في الانتخابات الرئاسية لعام 2008. فالناخبون غير المنتمين إلى ديانة معيّنة أسهموا إلى حد كبير في فوز أوباما، فدعم 75% منهم أوباما مقابل 23% دعموا المرشح الجمهوري quot;جون ماكينquot;. إضافة إلى ذلك، دعم الكاثوليكيين أوباما في مقابل ماكين فوصلت نسبة دعمهم لأوباما وماكين إلى 54% و45% على الترتيب، ونسبة دعم الكاثوليكيين لأوباما تزيد بسبع نقاط عن نسبة تأييدهم للمرشح الديمقراطي quot;كيريquot; في انتخابات 2004 والتي قدرت بـ47% من أصوات الناخبين الكاثوليك. والسبب وراء هذا التحول المفاجئ هو تصويت مهاجرين أميركا اللاتينية، فثلثا الهسيبانك أدلوا بأصواتهم لصالح أوباما.

هذا في حين حصل المرشح الجمهوري quot;ماكينquot; على أغلبية أصوات البروتستانتيين الإنجيليين البيض فقد حصل على 73% في مقابل حصول أوباما على 26%. وعلى الرغم من قلة النسبة التي حصل عليها أوباما من أصوات البروتستانتيين الإنجيليين البيض إلا أنها أكبر من تلك النسبة التي حصل عليها كيري في عام 2004، والتي تقدّر بـ21%.

الإنتماء الديني والحرب على العراق

وفقًا لاستطلاع أجرته مؤسسة غالوب في الفترة من 2005 إلى 2007، أظهرت نتائج الاستطلاع أن اليهود الأميركيين هم أكثر الجماعات الدينية معارضة للحرب على العراق (مارس 2003)، في حين أن المورمون الأكثر تأييدًا لها. فيرى 77% من اليهود الأميركيين أن الحرب كانت خطأً كبيرًا، في مقابل 21% يرون عكس ذلك. وبين المورمين، يرى 72% أنها ليست خطأ في مقابل 27% يرون عكس ذلك.

وتظهر النتائج أيضًا معارضة الأميركيين غير المنتمين إلى ديانة الحرب، فما يقرب من 66% يعارضون الحرب الأميركية على العراق مقابل تأييد 33% لها. مما يظهر أن اليهود الأميركيين والأميركيين غير المنتمين لديانة هما الأكثر معارضة للحرب الأميركية على العراق.

وبالنسبة للكاثوليكيين يعارضون الحرب نسبة تقدر بـ53% في مقابل 46% يؤيدونها، ويعارض أيضًا 48% من البروتستانتيين مقابل 49% يؤيدونها. وخلاصة نتائج الاستطلاع أن موقف اليهود الأميركيين كان قريبًا ـ على الأقل ـ من موقف العالم الإسلامي في رفضه للحرب الأميركية على العراق.

الإنتماء الديني والصراع العربي ـ الإسرائيلي.

ليس من الخفي أن جُلَّ الأميركيين يتعاطفون مع إسرائيل أكثر من فلسطين في ما يخص الصراع في الشرق الأوسط. وفقًا لمركز بيو للأبحاث فإن ما يقرب من نصف الأميركيين يدعون حكومتهم إلى تدعيم إسرائيل على فلسطين بقدر ما كان في الماضي.

والإنجيليون هم أكثر الجماعات الدينية دعمًا لإسرائيل، وهم الذين يعتقدون إلى يومنا هذا، مثلما كانوا يعتقدون في خريف العام الماضي إبان الانتخابات الرئاسية لعام 2008، أن الرئيس أوباما مسلم. . أكثر من نصفهم (54%) يقولون إنهم في صف الإسرائيليين أكثر من الفلسطينيين، وهي نسبة أكبر من نسبة الرأي العام الأميركي عمومًا لدعم الإسرائيليين والتي تقدر بـ 37%. وفي المقابل فإن نسبة 40% من البروتستانتيين التقليديين و35% من الكاثوليكيين البيض يعبرون عن دعمهم لإسرائيليين في الصراع مع الفلسطينيين.

دعم الأميركيين لإسرائيل يستند إلى معتقدات دينية، والتي تعد عاملاً مؤثرًا في قرارهم، وتصل نسبة من يستشهد بمعتقدات دينية في دعم إسرائيل 34% في العموم. وهذا ينطبق بشكل خاص في حالة الإنجيليين البيض، فحوالى 54% من الإنجيليين يعللون دعمهم لإسرائيل إلى معتقداتهم الدينية. وهذا ويرى 27% من الأميركيين الداعمين لإسرائيل أن ما يقرؤونه ويشاهدونه في وسائل الإعلام تعد عوامل تُسهم في قرارهم لدعم إسرائيل.

في المقابل، يرجع 36% من الأميركيين الذين يدعمون الفلسطينيين دعمهم إلى سائل الإعلام والتي تعد عاملاً رئيسًا في قرارهم هذا، و9% يرجع الدعم إلى معتقداتهم الدينية. ويرجع 26% الدعم إلى التعليم باعتباره عاملاً مساعدًا على دعمهم للفلسطينيين.

وتعاطف الأميركيين تجاه إسرائيل قوي بين الأميركيين، حتى بعد الهجمات العسكرية الإسرائيلية على قطاع غزة خلال أواخر شهر ديسمبر/كانون الأولومنتصف يناير/كانون الثانيالماضيين. فـ59% من الأميركيين يتعاطفون مع إسرائيل مقابل 18% مع الفلسطينيين في الصراع. وحسب استطلاع أجرته مؤسسة جالوب فإن 63% من الأميركيين لديهم رؤية إيجابية تجاه إسرائيل منها 21% لديهم رؤية إيجابية جيدة. وفقًا لاستطلاع أجراه جالوب في مايو/أيار الماضي قبل خطاب الرئيس أوباما بالقاهرة، فإن غالبية الأميركيين يشعرون أن الرئيس يقوم بعمل جيد للتعامل مع أزمات الشرق الأوسط. وأظهر الاستطلاع ارتفاع نسبة تأييدهم لأوباما والتي قدرت بـ55% في مقابل نسبة رفض تصل إلى 37% .