إذا ما أجرينا نظرة سريعة لتاريخ العلاقات بين موسكو والعالم العربي في مختلف المراحل، فإن مشتريات السلاح والتعاون في المجال العسكري الفني كانت دائمًا تتفوق على المجالات الاخرى. وتقلبت قضية تصدير الأسلحة الروسية للعالم مع تقلب الزمن وتغير الايديولوجيات والعقائد الأمنية والعسكرية وطبيعة اصطفاف القوى الإقليمية والعالمية. وإذا كان بيع السلاح في زمن الاتحاد السوفياتي السابق يخضع لاعتبارات quot;ايديولوجيةquot; ويحسم القرار بشأنه في إطار مجرى رياح quot;الحرب الباردquot; والعلاقات بين الشرق والغرب، فان القيادة الروسية الحالية تنظر للامور بالمقام الأول من مصلحة روسيا، التجارية بالدرجة الاولى. ولكن الفترة الاخيرة أظهرت أيضًا ان روسيا تأخذ بالحسبان عوامل العلاقات الدولية حينما تنفذ هذا او ذاك من العقود. وضمن هذا السياق امتنعت روسيا من تصدير اسلحة لبلدان في المنطقة ترتبط بعلاقات شراكة واسعة. جاءت تلك القرارات احيانًا بحسابات خاصة واخرى استجابة لضغوط خارجية.
موسكو: أدت صادرات الأسلحة في منتصف خمسينات القرن الماضي لمصر وسوريا والعراق بسرعة الى تنامي النفوذ السوفياتي/الروسي في منطقة الشرق الاوسط. وكما قال وزير الخارجية الأميركي الاسبق هنري كسينجر فإنَّ دخول الاسلحة الروسية الى الشرق الاوسط اصبحت عامل ضغط على الوجود الغربي. وحسب تقديره فإن المرحلة الاولى من دخول الاسلحة الروسية للشرق الاوسط جلبت الفوائد للاتحاد السوفياتي.
واصبح الحضور السوفياتي ملموسا في تلك المناطق التي كانت تدخل في مجال المصالح الغربية، ووفر التعاون العسكري الفني مع الدول العربية للاتحاد السوفياتي موردا ثابتا من العملات الصعبة، وغيرت صفقة الأسلحة المصرية مع الاتحاد السوفيتى عام 1955 موازين القوى فى المنطقة وجعلت إسرائيل والغرب يفكر ألف مرة قبل أن يقدم على الاعتداء على مصر والعالم العربي.
واصبحت هذه الصفقة بمثابة quot;حصان طروادة quot; للتغلغل عميقًا في جسد العالم العربي الذي كان يبحث عن قوة دولية كبرى لدعم تطلعات شعوبه بالاستقلال والحرية وبناء اقتصاد متطور. وهناك اليوم مؤشرات على ان المملكة العربية السعودية الدولة الكبرى اقليميا التي اعتمدت في تسليح قواتها المسلحة على الاسلحة الغربية، تجري مباحثات مع الجانب الروسي لاستيراد دفعة كبيرة من الاسلحة الروسية، تتوقع موسكو بانها ستكون انعطافًا في مجال صادرات الاسلحة.
وعلى الرغم من ان حجم الديون الروسية التي ترتبت على البلدان العربية المستوردة للاسلحة والعجز عن تسديدها فإنّ اجمالي المدفوعات على الاسلحة الروسية المصدرة فاقت بكثير الخسائر المالية التي منيت بها موسكو. وعلى الرغم من التحولات التي طرأت على السياسة الخارجية الروسية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، الا التعاون موسكو لم تفرط بالتعاون العسكري مع الدول العربية.
نحو أسواق عربية
وتعقد موسكو اليوم الرهانات على اختراق سوق الاسلحة العربية في السنوات القليلة القادمة. ووفقا للمعطيات الروسية فان ساحة اسواق الاسلحة في المنطقة العربية ستشهد في السنوات القادمة تغيرات جوهرية لصالح الاسلحة الروسية. وترصد مؤسسات التجارة بالسلاح ان العرب يبدون اهتماما متزايدا بالاسلحة الروسية وخاصة انظمة الطيران والدفاعات الجوية والتدريب، وغيرها من الاسلحة والتكنولوجيات والمعدات الخاصة. وتنتظر التوقيع على عقود جديدة تأمل ان تحدث انعطافًا في حضور الاسلحة بالبلدان العربية.
ويرى المراقبون ان روسيا تتطلع لتوسيع حضورها في سوق السلاح العربية في ضوء الازمة الاقتصادية العالمية وتذبذب اسعار النفط. فإنَّ بيع روسيا الاسلحة في ظل هذه الظروف سيوفر لها رافدًا اضافيًا ومهمًّا لسد عجز ميزانية الدولة، وكذلك انقاذ المجمع الصناعي الحربي الروسي الذي يواجه صعوبات مالية وفنية، ويحتاج الى تحديث واصلاح.
وتعمل روسيا في الوقت الحاضر على دخول أسواق سلاح عربية جديدة كانت تعتمد على الغرب. وقال رئيس هيئة التعاون العسكري/ الفني الفيدرالي ميخائيل ديمتريف ان روسيا باشرت الدخول لأسواق أسلحة عربية جديدة لم يوجد لنا فيها حضور بالسابقquot; منوها بان بعض دول الخليج بما فيها قطر والبحرين أبدت الاهتمام بتطوير التعاون العسكري ـ التكنولوجي مع روسيا. وافاد بانه جرى التوقيع على عقود سلاح كبرى مع دول عربية، كما يجري تنفيذ عقود مبرمة مع الجزائر وينشط التعاون مع سوريا. واشار الى ان تفريغ تجارة السلاح من الابعاد الايديولوجية قد اتاح الفرصة لروسيا لدخول اسواق دول مجلس التعاون الخليجي، وتم التوقيع على عقود اسلحة مع الكويت والامارات العربية.
مشاريع جديدة
وشاركت روسيا بوفد كبير في معرض الطيران والفضاء الكوني الذي اقيم في دبي للفترة حتى 19/11/2009. وعقد الوفد الروسي اجتماعات مع العديد من وفود الدول العربية حيث ناقش معها عروض جديدة للأسلحة الروسية تهدف ووفقا للتعبير الروسي quot; لتعزيز نظام الدفاعات الوطنية في عدد من دول منطقة الخليج وشبه الجزيرة العربيةquot;.
وقالت مصادر روسية ان المشاركة الروسية اظهرت ان مكانة روسيا في اسواق السلاح في الشرق الاوسط تنمو يوما بعد يوم بالرغم من المنافسة الدولية هناك. واوضحت ان ما يشهد على ذلك هو حجم الاسلحة الروسية التي جرى تصديرها للامارات العربية والاردن والكويت وسوريا وايران والجزائر ومصر وغيرها من الدول التي توسع معها روسيا باضطراد علاقات الشراكة ذات المنفعة المتبادلة.
وقالت ان العلاقات الروسية بما في ذلك في مجال الدفاع والامن مع العالم العربي، التي لها تاريخ طويل يمتد لعشرات السنوات، والاحداث ذات الاهتمام المشترك، تلعب دورا هاما على هذا الصعيد. ووفقا لتقديرات الجانب الروسي فان العالم العربي يرى ان الاسلحة الروسية مأمونة وذات نوعية عالية وفعالة، وجاهزة للاستعمال في الظروف الاستثنائية. ويقول ان البلدان العربية تعرف جيدا ان الكثير من الاسلحة الروسية التي جرى انتاجها سابقا او الحديثة منها ستحتل الصدارة في الاسواق الدولية من ناحية مستواها،نظرا لعدم وجود شبيه لها في العالم.
وتبدي الدول العربية اهتمامًا بالطائرات المقاتلة quot;سو ـ 35quot; و quot;سوـ 30أم كي quot;2 وquot;ميغ ـquot;35 وquot;ميغ ـ 29أس ام تيquot;، وطائرة التدريب quot;ياك 130quot;، وشتى انواع ماركة طائرات quot;ميquot; و quot;كاquot; والدفاعات الجوية. واظهر المباحثات على هامش معرض دبي، ان دول المنطقة العربية تهتهم على نحو خاص بالمقاتلة quot;سو ـ quot;35 متعددة الوظائف التي استعملت فيها تقنيات الجيل الخامس، والتي جعلتها تتفوق على الطائرات الاخرى من نوعها.
وتندرج ضمن مميزاتها انها مزودة بمحطة رادار ذي شبكة هوائية من صنع فرنسي بامكانها الكشف عن الاهداف من على مدى بعيد وضرب 8 في ان واحد. وتتيح المواصفات التقنية للمقاتلة القيام بمناورات فائقة من اجل التفوق في الجو وانزال في ظل اية ظروف مناخية ليلا ونهارا، ب 12 هدفا جويا وارضيا للخصم بذخيرة من وسائل التدمير يصل وزنها 8 اطنان التي يجري التحكم بها او لا.
واثارت اهتمام البلدان العربية ايضًا طائرة التدريب العسكرية quot;ياك ـ quot;130 التي ستدخل قريبًا ضمن اسلحة القوة الجوية الروسية لاعداد الطيارين على استخدام المقاتلات بما في ذلك المتطورة quot;سو ـ quot;35 و quot;ميغ ـ 35quot;. وبفضل المميزات التقنية ومتانة نظام التحكم الالكتروني من على بعد والكابين الزجاجي الحديث، فان ياك 130 تؤمن تدريبًا آمنًا وفعالاً وواعدًا لقيادة الطائرات، بما في ذلك الطائرات من صنع غير روسي. ويمكن استعمال quot;ياك quot;130 للقيام بمهام انزال الضربات خلال نزاعات محدودة.
وتحظى بالاهتمام الكبير ايضًا المروحية من طراز quot; ميquot; ومروحية النقل العسكرية quot;مي ـ 35بيquot; و quot;مي ـ 35 أمquot; وطائرة النقل العسكري quot;مي ـ 17 شquot;، وكذلك مروحية النقل العسكرية الكبيرة quot;مي ـ26quot; التي تعتبر الاكبر من نوعها في العالم.
وتلقى الاهتمام الكبير المروحية القتالية الروسية quot;كا ـ 52quot; quot; اليجاترquot;. فإلى جانب إمكانياتها كطائرة قتالية، بإمكان طاقمها القيام بإعمال تجسس واستطلاع والتفاعل في هذا المجال مع الأنظمة البرية الضاربة، والطائرة quot;كا ـquot;52 مزودة بانظمة حديثة للكشف وارشاد الصواريخ نحو أهداف الخصم، والقيام بتحليقات اوتوماتيكية على ارتفاع غير عالي. وفي مجال الدفاعات الجوية التي تشتهر بها روسيا فان هناك اهتمامًا متزايدًا بصواريخ اس ـ 400 المسماة بـquot; تري أُومفquot; التي تدمر طائرات الخصم من على بعد 250 كلم والصواريخ البالستية من على 60 كلم وهي على ارتفاع 27 كلم. ويمكن ان ان تتكامل مع اية منظمة دفاعات جوية.
ويولى كبار المسؤولين العسكريين والخبراء العرب الانتباه للصواريخ المضادة للاهداف الجوية متوسطة البعد من طراز quot; بوك ـ مي 2 أيquot;و قريبة المدىquot; تور ـ مي اىquot;. وحسب المعطيات الروسية فان هذا النوع من الصواريخ وبدعم وسائل الاستطلاع والتجسس، يمكن ان يكون الأساس لإقامة نظام فعال مضاد للصواريخ وللصواريخ.
وعرضت شركة quot; روس ابرون اكسبورتquot; التي تحتكر عمليات بيع الاسلحة الروسية للدول الاجنبية، على البلدان العربية صواريخ quot; جو ـ جو quot; و quot; جو ـ ارضquot;.وتتمتع هذه الصواريخ كما تقول المعطيات الروسية، بمواصفات تقنية عالية من بينها طيف واسع للمحطة الراداية ومجمع التصويب ونظام الملاحة الجوية وادارة التحليق التي تقلل بمرة ونصف لمرتين من فترة التدريب عليها وتقلص النفقات على إعدادها وتقتصد احتياطات هذه الانظمة غالية الثمن.
وناقش عدد من وفود الدول العربية خلال اللقاءات على هامش معرض دبي مع ممثلي شركات صناعة الاسلحة الروسية قضايا تتعلق بتحديث الاسلحة التي استوردت في زمن سابق، وإقامة مراكز عصرية لتقديم الخدمات اللازمة للاسلحة بعد تصديرها. وافادت الصحيفة ان الجانب الروسي ينظر بتقديم شروط مرنة في مسالة الحسابات المتبادلة لمستوردي الأسلحة الروسية.
عقود واعدة
وكان مصدر في مجمع الصناعة الدفاعية في روسيا قد كشف في سبتمبر الماضي عن أن السعودية تجري مفاوضات لإبرام حزمة عقود لشراء أنواع مختلفة من الأسلحة الروسية. وقال المصدر لوكالة quot;أنترفاكسquot; الروسية للأنباء إن السعودية قد تصبح قريباً من أكبر مشتري الأسلحة الروسية، مشيراً إلى مفاوضاتها الجارية حالياً مع روسيا لإبرام عقود لأنواع من الأسلحة الروسية تشمل بالاضافة الى صواريخ اس 400 المضادة للاهداف الجوية، 150 مروحية (30 مروحية من طراز quot;مي-35quot; و 120 من طراز quot;مي-17quot;) وأكثر من 150 دبابة من طراز quot;تي -90 أسquot;، وحوالي 250 عربة مشاة قتالية quot;بي أم بي- 3quot;، وعشرات من المنظومات الصاروخية الروسية الصنع.
التعليقات