إصدار الأحكام بقضية قمع انتفاضة مدينة الصدر يوم الخميس
طارق عزيز و7 آخرين يواجهون أحكامًا بقضية إعدام التجار

أسامة مهدي من لندن: أعلن مسؤول في المحكمة الجنائية العراقية العليا الثلاثاء أن الحكم بحق نائب رئيس الوزراء الأسبق طارق عزيز الذي يحاكم بتهمة التورط في إعدام عدد من التجار سيصدر في 11 آذار/مارس المقبل. وقال مصدر في المكتب الإعلامي التابع للمحكمة أن quot;جلسة النطق بالحكم في قضية إعدام التجار ستعقد 11 آذار/مارس المقبلquot;. ويحاكم مع عزيز سبعة آخرين من أعوان النظام السابق بتهمة اعدام 42 تاجرا في بغداد عام 1992 إبان فترة الحظر الدولي على العراق.

والمتهمون السبعة الاخرون هم وطبان ابراهيم الحسن وزير الداخلية ابان تنفيذ عملية اعدام التجار، وسبعاوي ابراهيم الحسن مدير الامن العام (1991-1995) وعلي حسن المجيد ومزبان خضر هادي اعضاء مجلس قيادة الثورة المنحل. كما يحاكم في القضية ذاتها عبد حميد حمود سكرتير صدام حسين واحمد حسين خضير وزير المالية (1992-1995) وعصام رشيد حويش محافظ البنك المركزي (1994-2003).

وقد طالب عزيز مطلع الشهر الجاري، في رسالة خطية بعثها الى المحكمة باصدار قرار quot;عادلquot; في القضية، وفقا لمحاميه بديع عارف عزت. وكتب عزيز (73 عاما) المسيحي الوحيد في فريق نظام الرئيس الراحل صدام حسين في رسالة موجهة الى رئيس المحكمة quot;لقد حضرت كل جلسات المحكمة واستمعت الى افادات الشهود وشكاوى المشتكين ولم اجد فيها اي شكوى او شهادة ضديquot;. واضاف في الرسالة المؤرخة نهاية كانون الاول/ديسمبر الماضي وحصل محاميه على نسخة عنها quot;لم تظهر خلال المحاكمة اي اشارة الى علاقتي بموضوع المحكمة (...) ولذا ارجو من المحكمة اصدار القرار العادل بشأنيquot;.

وبحسب المحامي فأن quot;المدعي العام منقذ آل فرعون طلب من المحكمة الافراج عن عزيزquot;، لكن quot;التوصية غير ملزمة على الاغلب للمحكمة التي تصر بأن عزيز لعب دورا في اصدار القرارات باعتباره من اعضاء مجلس قيادة الثورة (اعلى سلطة آنذاك)quot;. يذكر ان جلسات المحاكمة في هذه القضية بدات في 29 نيسان/ابريل 2008.

الى ذلك، يحاكم عزيز مع 15 متهما آخرين في قضية قتل وتهجير الاكراد الفيليين الشيعة ابان ثمانينات القرن الماضي. وكان عزيز، الواجهة الدولية للنظام السابق، وبذل جهودا كثيرة مع عواصم اوروبية لمنع اجتياح العراق. وقد قام بتسليم نفسه في الرابع والعشرين من نيسان/ابريل 2003 الى القوات الاميركية بعد ايام على دخولها بغداد، وتطالب عائلته باستمرار باطلاق سراحه بسبب وضعه الصحي المتدهور.

وقد اعدم صدام في 30 كانون الاول (ديسمبر) من العام نفسه كما اعدم نائبه طه ياسين رمضان وبرزان ابراهيم الحسن الاخ غير الشقيق لصدام وعواد احمد البندر رئيس محكمة الثورة بعد فترة قصيرة لثبوت تورطهم في القضية ذاتها. وتعتبر هذه المحاكمة هي الرابعة التي تنظر فيها المحكمة الجنائية بعد نظرها في قضايا الدجيل لعام 1982 والانفال لابادة الاكراد بين عامي 1987 و1988 والانتفاضة الشعبية في جنوب العراق عام 1991.

حيثيات قضية إعدام التجار

وكان عزيز الذي قد اكد خلال التحقيق عدم علاقته بجريمة اعدام التجار في الرابع والعشرين من تموز (يوليو) عام 1992 والتي عرفت انذاك بمذبحة التجار ورد ازاء التهم الموجهة اليه وهي القتل العمد للعراقيين عام 1979 وعام 1991 قائلا quot;هل هي جنائية وهل قتلت شخصا او اعدمت احداquot;.. مؤكدا انه بريء ولم يرتكب اي جريمة والتهم الموجهة اليه باطلة.

وقد حمل قرار الاعدام الذي وقعه انذاك رئيس النظام السابق صدام حسين تهم رفع الاسعار وعدم التبرع للمجهود الحربي والمضاربة في السلع في وقت كان العراق فيه تحت حصار اقتصادي. وقال ان هذه التهم كانت غطاء لاتهامات وجهت للتجار بحشد المواطنين ضد السلطة من خلال اقامة مآدب طعام يومية لفقراء الناس والتبرع للمساجد مما اعتبر توجها معاديا لها.. بالاضافة الى عدم دفع عمولات لعدي صدام حسين الذي كان يهيمن على الحياة التجارية في العراق عن تعاملاتهم التجارية حيث كان يتقاضي نسبة من ارباح الشركات والتجار.

وقامت سلطات النظام السابق قبل صدور قرار الاعدام باقتياد التجار من بيوتهم ومحالهم الى جهة مجهولة بعد ان ابلاغهم ان اجتماعاً ينتظرهم مع شخصيات مسؤولة في الحكومة وبعد يومين اعادت جثثهم الى عائلاتهم بعد تنفيذ حكم الاعدام بهم من دون ذكر أي اسباب لذلك لكنه تم تحذير العائلات من اقامة مجالس للفاتحة على ارواحهم لأنهم quot;متهمون بالخيانة العظمى كونهم من التجار الجشعينquot; على حد قول السلطات. وقد تم اعدام عدد منهم وتعليقهم على اعمدة الكهرباء في بعض مناطق بغداد. وكان من بين المعدومين تاجرين كبيرين هما الحاج رعد طبرة والحاج لطيف السامرائي اللذين عرفا يتوزيعهما معونات شهرية على عدد كبير من العوائل الفقيرة اضافة الى مساهمتهما في تأمين مصاريف حج بيت الله الحرام لعدد كبير من الناس.

وتقع الجريمة التي حوكم وفقها المتهمون تحت مسمى جريمة ضد الانسانية وان زمان وقوع الجريمة كان ضمن سياسة منهجية لاعتقال التجار استمرت بين عامي 1992 و 1995 متضمنة إصدار أحكام بالاعدام وقطع الايادي والوشم بين الحاجبين ومصادرة الاموال المنقولة وغير المنقولة.quot; والادلة المتحصلة لادانة المتهمين هي أقوال المشتكين والمدعين بالحق الشخصي والشهود ووثائق وكتب رسمية واضابير خاصة باعدام التجار وقرارات أحكام قطع الايادي والوشم بين الحاجبين وكذلك شهادات الوفاة وهويات الاحوال المدنية وشهادات الجنسية العراقية فضلاً عن ألاقراص الصوتية والمرئية المدمجة وتدوين اقوال المتهمين مع افادات الشهود الناجين والمشتكين التي زادت على 300 شكوى وافادة.

وقد تبين من مجريات المحاكمة ان صدام حسين أصدر توجيهاته في الخامس والعشرين من تموز عام 1992 الى وزير الداخلية ومدير الامن العام لتنفيذ حملة كبيرة لاعتقال تجار المواد الغذائية في سوقي الشورجة وجميلة في بغداد وهو ما اسفر عن اعتقال اكثر من مائتي شخص تم اختيار 42 منهم ارسلوا عصر اليوم نفسه الى المحكمة الخاصة في وزارة الداخلية انذاك واستمرت المحكمة حتى بعد منتصف الليل وانتهت باصدار احكام الاعدام على جميع المتهمين وتنفيذ الحكم في اليوم التالي مباشرة دون منحهم فرصة مقابلة ذويهم او توديعهم من دون حضور ممثل عن الادعاء العام او رجل دين.

طارق عزيز.. سيرة ذاتية

طارق عزيز هو المتهم رقم 12 في قائمة المطلوبين الاثنين والاربعين من كبار المسؤولين العراقيين السابقين لدى القوات الأميركية والمحتجز منذ 24 من نيسان (ابريل) عام 2003 بعد ان سلم نفسه للقوات الأميركية وقد بدأت علاقته بالرئيس السابق صدام حسين في الخمسينيات من القرن الماضي حيث كان يشغل لحين اعتقاله منصب نائب رئيس الوزراء. ويعد طارق عزيز واحدا من أشهر مسؤولي النظام السابق خصوصًا على المستوى الدولي وشغل مناصب سياسية وإعلامية مختلفة. وقد ولد عزيز عام 1936 بإسم ميخائيل يوحنا ثم استبدله فيما بعد باسم طارق عزيز في بلدة تلكيف في العراق وهي بلدة صغيرة تقع قرب مدينة الموصل في شمال العراق وهو مسيحي الديانة من الطائفة الكلدو-آشورية وكان المسيحي الوحيد في حكومة النظام السابق.

درس الأدب الإنكليزي في جامعة بغداد وعمل في الصحافة منذ عام 1958 حيث كان محررًا في جريدة الجمهورية العراقية ثم انتقل للعمل مديراً لجريدة الجماهير في عام 1963 لدى استلام حزب البعث للسلطة في العراق للمرة الاولى. وانتقل للعمل بالصحافة في سوريا بعد انقلاب 18 تشرين الثاني) نوفمبر) عام 1963 الذي قاده الرئيس العراقي الراحل عبد السلام عارف ضد البعثيين. وبعد انقلاب 17 تموز (يوليو) عام 1968 تولى رئاسة تحرير صحيفة (الثورة) الناطقة باسم حزب البعث في العراق.

ثم تولى مهمة نائب رئيس مكتب الثقافة والإعلام القومي وفي أوائل عام 1974 انتخب عضواً مرشحاً للقيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي وفي تشرين الثاني (نوفمبر) عام 1974 أصبح وزيراً للإعلام. وفي عام 1977 نفسه أصبح عضواً في مجلس قيادة الثورة كما انتخب عضواً في القيادة القومية لحزب البعث فاستقال من الوزارة وتفرغ للعمل الحزبي.
ثم تولى منصب نائب رئيس الوزراء بين عامي 1979 و1983 ثم وزيرًا للخارجية حتى عام 1991 ثم أعيد تعيينه نائبا لرئيس الوزراء في اذار (مارس) عام 1991 حتى عام 2003. وكان طارق عزيز قريب جداً من الرئيس العراقي السابق صدام حسين ولعب في اغلب الأوقات دور ممثل رئيس الحكومة الفعلية في الاجتماعات والقمم الدبلوماسية العالمية والعربية وقد يكون إتقانه اللغة الإنجليزية ساعد عل قيامه بهذا الدور.

وفي نيسان (ابريل) عام 1980 نجا طارق عزيز من محاولة اغتيال لدى زيارته الى الجامعة المستنصرية في بغداد قالت السلطات انذاك انها من تدبير عملاء لايران واتهمت عناصر قالت انهم من حزب الدعوة بتنفيذها. وفي التاسع من كانون الثاني (يناير) عام 1991 التقى طارق عزيز في جنيف مع وزير الخارجية الأميركي جيمس بيكر في لقاء شهير لإيجاد حلول لموضوع انسحاب العراق من الكويت وإنهاء احتلاله لها. وفي 14 شباط (فبراير) عام 2003 قام طارق عزيز بمقابلة البابا يوحنا بولص الثاني ومسؤولين آخرين في الفاتيكان حيث نقل رغبة الحكومة العراقية في التعاون مع المجتمع الدولي وخاصة حول نزع الأسلحة.

وقد استسلم عزيز للقوات الاميركية في نيسان (ابريل) عام 2003 وهو محتجز في سجن كامب كروبر بمطار بغداد الدولي في ضواحي بغداد الغربية. وتطالب عائلته باستمرار باطلاق سراحه بسبب وضعه الصحي. وقد تم تسليمه من الناحية القانونية إلى السلطات العراقية في الثلاثين من حزيران (يونيو) عام 2004 وتتولى قوات التحالف في العراق فقط quot;توفيرالامن والحماية للموقوفين ومن بينهم عزيز الذي أفهم بالجرائم المنسوبة إليه أصوليا وتليت عليه حقوقه وفقًا لأحكام القانون وبذلك إنتقلت عملية توقيفه بشكل قانوني من مسؤولية قوات التحالف إلى القضاء العراقي.

وتعد قضية اعدام التجار هذه الرابعة في قضايا محاكمة مسؤولي النظام السابق بعد اكتمال قضيتي الدجيل التي نفذت الاحكام الصادرة فيها والانفال التي ما زالت احكامها لم تنفذ بالمدانين فيها لعدم صدور مرسوم جمهوري بذلك والقضية الثالثة هي احداث عام 1991 التي صدرت فيها الاحكام.

صدور الاحكام بقضية أحداث الجمعة بعد غد

ومن المنتظر ان تصدر المحكمة الجنائية الخميس المقبل احكامها ايضا ضد 14 متهمًا من مسؤولي النظام السابق في قضية احداث صلاة الجمعة بمدينة الصدر في بغداد وهي القضية الخامسة المعروضة امامها والتي يعود تاريخها الى عام 1999. والمتهمون في هذه القضية هم طارق عزيز وعلي حسن المجيد ومحمد زمام وعكلة عبد صكر الكبيسي وعزيز صالح النومان وسيف الدين المشهداني وجاسم محمد حاجم وابراهيم صاحب كرم وعبد الحميد حمود ومحمد جاسب غليم وزياد قاسم جاسم وجبار هدهود جواد ولطيف نصيف جاسم ومحمد فيزي الهزاع.

ويرأس هذه المحكمة التي بدأت جلساتها في تموز (يوليو) 2008 القاضي محمد العريبي والتي تتعلق بقمع انتفاضة مصلي الجمعة في مدينة الصدر اثر اغتيال والد الزعيم الشيعي مقتدى الصدر وشقيقيه وهم المرجع آية الله السيد محمد محمد صادق الصدر ونجليه بمدينة الكوفة (150 كم جنوب بغداد) في 19 شباط (فبراير) عام 1999 وعلى اثر التوترات الامنية التي شهدتها مدينة الصدر حينها هوجم جامع المحسن فيها الذي كان يضم محتجين وتم قتل عدد من المصلين فيه واعتقل العشرات منهم.