عمليا يمكن القول بلا مواربة إن مجلس الأمة الكويتي ظهر في الأيام الأخيرة متفقا بشدة على مسألة وحيدة وهي القيام بعمل ما من جانب الحكومة لإسقاط القروض البنكية عن أكثر من 200 ألف كويتي صدرت بحقهم قرارات جلب وإحضار ومنع من السفر بعد دعاوى أقامتها البنوك الكويتية، إذ يعلن صراحة أكثر من 40 نائبا كويتيا تأييدهم لإسقاط القروض البنكية أو أقله إسقاط فوائد تلك القروض، وإعادة جدولة أصل القرض لكن السؤال الآن يندلع في الداخل الكويتي عمن ستكون الغلبة إليه في مقبل الأيام في ظل حكومة ترفض المبدأ من أساسه، وبرلمان عنيد بدأ يحضر أدوات المواجهة.

الكويت: إستغلت قواعد برلمانية كويتية إجازة عيد الفطر السعيد التي تنتهي عمليا اليوم في الكويت للبحث والنقاش المكثف في مسألة تبني البرلمان مقترحا برلمانيا جماعيا يوقع عليه أكثر من 40 نائبا يدعو الحكومة الكويتية صراحة الى التحرك فورا لإسقاط القروض البنكية المترتبة على زهاء ربع مليون فرد كويتي طالتهم مؤخرا قرارات قضائية بجلبهم وإحضارهم بعد منعهم من السفر لعجزهم عن أداء الأقساط المالية الشهرية المتفق عليها مع بنوك كويتية تحركت خلال الأشهر الماضية قضائيا لتحصيل المبالغ المالية المترتبة، إلا أن اللافت حتى الآن هو وحدة المواقف برلمانيا حول هذه القضية بالذات، على اعتبار أنها تهم أهل الكويت قاطبة، فيما يصر العديد من النواب على إنهاء هذه القضية باعتبارها سلاحا شعبيا مهما من شأنه أن يعيدهم مجددا الى البرلمان على أكتاف الجماهير في أي إنتخابات مبكرة مقبلة في أعقاب أي حل دستوري للبرلمان تتحدث عنه أوساط كويتية رفيعة باعتباره أمرا محسوما في ربيع العام المقبل، وسط إشارات دالة عليه.

وفي الأيام الأخيرة بدا أن أول الصدامات بين الحكومة الكويتية برئاسة الشيخ ناصر المحمد الصباح والبرلمان الكويتي ستكون على خلفية الرفض الحكومي المتوقع للمقترح البرلماني بإسقاط القروض البنكية، أو أقله شراء الفوائد المترتبة على تلك القروض، وإعادة جدولة أصل القروض بدفعات منخفضة على سنوات طويلة، وإلغاء جميع القرارات القضائية الصادرة عن المحاكم الكويتية بالجلب والإحضار والمنع من السفر لتصفية تلك القضية، لكن التسريبات الحكومية تواصلت على نحو لافت خلال الأيام الماضية للصحف الكويتية اليومية حول رفض حكومي صلب لذلك المقترح في حال تقديمه من قبل البرلمان في دور الإنعقاد البرلماني المقبل المقرر بعد نحو شهر من الآن، إذ تساند الحكومة الكويتية متضامنة قرار الرفض الوشيك لأي مقترحات برلمانية في هذا الإطار، كما أن الحكومة باتت تتهيأ للأسوأ في العلاقة مع البرلمان تحت لافتة هذا الملف الشائك والإشكالي، والذي تعتبره الحكومة مفتقرا للعدالة على اعتبار أن نحو مليون كويتي آخرين لم ينالوا قروضا من البنوك، كما أن الحكومة تقول أيضا في هذا الإطارإن الحكومة في حال رضخت للمقترح البرلماني فإنها لا تملك آليات أو ضمانات بألا تقدم البنوك على منح قروض جديدة لمن أسقطت قروضهم في اليوم التالي لإسقاطها.


وحتى الآن يبدو أن الخلاف المشار إليه هو مادة خلاف وسجال حتى داخل طاقم الحكومة نفسه فمن جهة يرى وزير المالية مصطفى الشمالي وهو الوزير الذي يؤول إليه حكما الملف المالي في البلاد أن قرارا حكوميا بإسقاط القروض سيدمر الوفرة المالية للدولة، وسيفتح الباب أمام مطالبات مالية من شريحة المواطنين الذين لم ينالوا قروضا بنكية، ويشرح متسلحا بلغة الأرقام والحقائق المالية للدولة أن قرارا من هذا النوع سيؤذي سمعة الكويت المالية في التصنيفات الإقتصادية العالمية التي تعدها مؤسسات مالية عالمية كبرى مثل البنك الدولي، بيد أن وزيرا آخر في الحكومة هو الشيخ أحمد الفهد نائب رئيس الوزراء لشؤون الإقتصاد والتنمية يرى أن المبادرة الى تلبية هذا المطلب الشعبي من شأنه أن يقوي جبهة الحكومة شعبويا في المواجهات المقبلة مع البرلمان الكويتي، ويشرح الشيخ الفهد داخل جلسات الحكومة الكويتية بأن إصرار النواب وإلحاحهم على إسقاط القروض يأتي بسبب الضغط الشعبي الهائل عليهم، لذا فهم لا يخافون من الحل للبرلمان لأن مطالبتهم بإسقاط القروض ستعيدهم ثانية الى البرلمان، لكن إذا قامت الحكومة بإسقاط القروض فإن النواب- والكلام كما يروى نقلا عن الشيخ الفهد- من شأنه أن يفقد النواب حجة كبرى يتعللون بها لاستمرار التأزيم من الحكومة، كما أن خطوة من هذا النوع ستدفع شعبية الحكومة الى الواجهة وسيفقد البرلمان سلاحه الشعبي في المواجهة مع الحكومة، وسيجاهر الشارع باصطفافه الى جانب الحكومة الكويتية.