كامل الشيرازي من الجزائر: ينتصب حصن الجبل بتشامخ في سماء مدينة وهران الجزائرية (450 كلم غرب العاصمة)، كمنظر فاتن على أرض عذراء تتأرجح بين جمال الجغرافيا وجلال التاريخ، وكأروع ما يصافح النظر من بهاء الطبيعة وما تعتلج به من أسرار وهران الباهية التي تعدّ عاصمة الغرب الجزائري وثاني محافظة من حيث الأهمية في البلاد.
حصن الجبل أو كما يُعرف محليا بتسمية quot;برج سانتا كروزquot;، عبارة عن قلعة كبيرة، وهذه القلعة مربوطة مباشرة بالمرسى-الميناء حاليا- عبر أنفاق ومتاهات من الصعب تجاوزها، ولا تزال بنيتها وهرمياتها تشغل الرأي العام خصوصا الهائمين بالآثار من أجل معرفة خبايا هذه القلعة وأسرارها الغامضة التي تحظى بمكانة بارزة لدى السكان المحليين.
واستنادا إلى كتابات جمهور المؤرخين والدارسين، فإنّ حصن الجبل جرى تشييده من طرف الإسبان زمن استيطانهم بالجزائر في القرن السادس عشر الميلادي ndash;هناك فريق يتحدث عن بنائه أواخر القرن الخامس عشر-، بينما تجمع عموم الروايات التاريخية على أنّ الكونت الإسباني quot;ألفاراس سيلفيا دي سانتا كروزquot; هو من أمر بتشييد هذا الحصن/البرج الذي حمل اسمه، في قمة جبل quot;مرجاجوquot; الشهير، وتمّ هندسة البرج على شكل عش نسر و بالحجارة المصقولة، وربط باحثون إنشاء حصن سانتا كروز الذي يغطيه الضباب، بنوايا الإسبان التوسعية آنذاك لحماية نظامهم وتطلعاتهم لإيقاف زحف سلاطين الدولة العثمانية التي بدأ عودها يشتد وقتذاك.
واقترن حصن الجبل بشخص أكبر كاتب في تاريخ اسبانيا quot;ميغيل دو سيرفانتيسquot; (1547 ndash; 1616م) مؤلف رائعة الآداب العالمية quot;دون كيشوتquot;، تبعا لإقامة سيرفانتيس بوهران أين ظل خمس سنوات هناك، واشتغل كعبد، وحاول الهرب أربع مرات ولكنه فشل، ثم ابتسم له الحظ فاشتراه المسيحيون وأعتقوه من العبودية والتحق بذويه في مدريد.
ويقع هذا المعلم الآسر على علو 386 مترا بجبل مرجاجو، وجرى تصنيفه مؤخرا ضمن سلسلة المعالم الأثرية المحلية، كما يُحظى حصن الجبل بمكانة خاصة، حيث يعد موقعا سياحيا هاما، حيث لا يزال مزارا مفضلا من طرف قوافل السياح الذين يتوافدون بكثرة عليه على مدار فترات العام لاسيما بعد أن تم اعادة تشغيل المصاعد الهوائية المؤدية إليه منذ السنة قبل الماضية، إذ يتوافد الآلاف هناك للتمتع بوهج الحصن الفريد واستكشاف عمق إطلالته على مدينة وهران العريقة التي أسّسها مجموعة من التجار الأندلسيين والمغاربة في القرن العاشر الميلادي، قبل أن يحتلها الإسبان عام 1509 الذين طردوا على أيدي العثمانيين عام 1792م، إلى أن استوطنها الفرنسيون 1838م وظلوا على احتلالهم لها حتى استقلال الجزائر في الخامس يوليو/تموز 1962م.
التعليقات