وجدان شهرخاني تصنع التاريخ على حلبة الجودو

النتائج المتواضعة التي أحرزتها المسلمات في أولمبياد لندن تتوارى بالكامل أمام عظمة إنجازهن الرئيسي وهو صناعة التاريخ. فبالإضافة الى المهمة شبه المستحيلة التي تواجه الطامحين الى المجد الرياضي، تعيّين عليهن، تحديدا، تحقيق المستحيل حتى قبل وصولهن الى الملعب.


بالنسبة للأولمبية غير المسلمة فإن المعركة تبدأ مع شارة بدء السباق الى الذهبية. أما بالنسبة للمسلمة فهي تبدأ قبل ذلك بكثير، وأقل عناصرها هي الإعداد الجسماني والعقلي والنفسي. وهذا لأن ساحة المعركة الحقيقية دينية واجتماعية وسياسية قبل كل شيء آخر.

وقد ينظر المراقب البعيد الى إنجازات المشاركات المسلمات ويجد أن الأداء الرياضي ضعيف الى حد قد يتساءل معه عن الحكمة وراء خوضهن المنافسات في المقام الأول. وعلى سبيل المثل فإن السعودية وجدان شهرخاني لم تصمد سوى القليل فوق الدقيقة لتخسر مباراة الجودو أمام ممثلة بويرتوريكو.

القطرية نور اسم على مسمى

والقطرية نور حسن المالكي انسحبت من سباق 100 متر عدوا بعد ثوان من بدايته. وبينما واصلت العداءة الافغانية تاهمينا كويستاني السباق نفسه، فقد كانت الأخيرة التي تعبر خط النهاية. وكان الإفاق أيضا مصير العمانية شنونة الحبسي، واليمنية فاطمة الدهمان، والصومالية زمزم فرح، والمصرية عبير خليل. بل ان هذه الأخيرة، وهي رافعة أثقال، ناءت تحت حملها حتى استدعي لها طاقم الإسعاف، لكن الأقدار تلطفت بها.

لكن هؤلاء الشابات أنفسهن أوسمة ساطعة تتدلى الآن من صدور أممهن... على الأقل بفضل شجاعتهن التي تستدعي قدرا من الدهشة لا يزيد عنه الا الاحترام. فهناك laquo;الفشل الرياضيraquo; الذي كن يعلمن سلفا أنهن سيمنين به. فقد افتقرن لنوع الماكينة الضخمة التي توظفها الدول الأخرى لإعداد نسائها من أجل الوصول الى مستوى التنافس الأولمبي والحلم بحصد الذهب.

على أن الألم الأعظم كان مشوار الوصول الى الملعب الأولمبي عبر حواجز بارتفاع الجبال: المجتمع الرجالي الذي يرفع كرباج الدين في وجوههن... المجتمع المحافظ الذي لم يعتد غير بقاء المرأة في دارها إما لرعاية الزوج والأبناء أو بانتظار الزوج والأبناء... والحكومات حارسة المؤسسة المؤسسة الدينية والاجتماعية. لكن هؤلاء الفتيات خرجن ممثلات لبلادهن في أكبر حدث من نوعه في العالم... وللمرة الأولى على الإطلاق في بعض الحالات.

وهكذا صار مشوار الأولمبيات المسلمات سيرا على حد السكين في معظمه، أو على الشوك في أفضل الأحوال. وترد - في معرض محاولة الإعلام الغربي تصوير نوع العقبات التي واجهت وتواجه هؤلاء الفتيات للقارئ والمشاهد والمستمع في بلاده - حقائق يعلمها معظمنا لكنها لا ترد في نظيره المسلم لأنه أيضا خاضع للمؤسسة ويأتمر بأمرها عندما يتعلق الأمر بالخطوط النسوية الحمراء.

تاهمينا كويستاني وضعت اسمها على كتاب التاريخ الأفغاني

على أن مواقع الإنترنت تعج بالكثير المتاح لمن أراد. ومثلا فإن الأفغانية كويستاني، وهي الوحيدة في فريق بلادها وشاركت في الأولمبياد مرتدية العلم الأفغاني حجابا، تحكي باستفاضة عن نوع التحرش والترهيب الذي كانت تتعرض له أثناء تدريباتها في كابول.

فتحكي الكثير ومنه أن أصحاب التاكسيات كانوا يرفضون توصيلها الى الملعب باعتبار ذلك معصية لله ورسوله. وفي بلاد أصبح تعليم البنات فيها ساحة لمعركة كبرى أخرى، فإن مجرد وقوف كويستاني أمام العالم في المنافسات الأولمبية وخسارتها وإصرارها على العودة الى الساحة في اولمبياد البرازيل ودعوتها النساء الافغانيات لاقتفاء اثرها أغلى من ألف ذهبية ولا شك.

laquo;لندن 2012raquo; صار بفضل مشاركة فتيات معيّنات منعطفا يتعين على حكومات الشعوب الإسلامية النأمل في معانيه البسيطة الكبيرة. فالأولمبياد هو التاج على رأس الشباب الذكر والأنثى الذين يعلموننا فن استخراج الممكن من جوف المستحيل... وأن للأمنيات الإنسانية العظيمة أن تتحقق بالجهد والإصرار العنيد. على الحكومات أن تعلم أن هذا هدف يتعين حمله بين رموش العين وجعله بين أوائل سبل الوصول الى القرن الحادي والعشرين بغض النظر عن الرياح المعاكسة.

والآن وقد شاركت فتيات من السعودية وقطر للمرة الأولى في تاريخ الألعاب الأولمبية، ومن اليمن وعمان وأفغانستان والصومال وبروناي وصفق احتراما لهن العالم لأنهن صنعن التاريخ بوقوفهن بين صفوف النساء من بقية أنحاء العالم، فلنحن الرؤوس لهن، نحن المسلمين، تحية وإجلالا.

اليمنية فاطمة الدهمان (اليمين) والعمانية شنونة الحبسي (اليسار) مع كريستينا لوفيرا ممثلة أندورا

طموح عال.. المصرية عبير على الأرض بعد محاولتها رفع 151 كيلوغراما